الخدمات الاعلامية

المبشرون الأميركيون البروتستانت والكلية السورية الإنجيلية/الشراع

الشراع 26 حزيران 2023

منذ أن نزل أول الأميركيين ، وليم غودل وإسحق بيرد في بيروت عام 1832 وانطلقا في حملتهم التبشيرية في المنطقة ، لم تكن العلاقة مع الطائفة المارونية سهلة ، وقد أدى النشاط التبشيري الى إغضاب الكنيستين الشرقيتين الأورثوذكسية والمارونية ، اللتين سارعتا الى رمي الحظر على رسل العالم الجديد .

وكان العداء للنشاط البروتستانتي الذي يبذله هؤلاء الوافدون الأميركيون واضح بوجه خاص عند الموارنة ، الذين استقبلوا منذ قرون من الزمن في جبلهم اللبناني الرهبانيات الكاثوليكية الفرنسية ، وفي عام 1866 عندما أسّس دانيال بلس القادم من فرمونت ، فوق أجمل موقع في بيروت الكلية السورية الإنجيلية التي ستصبح في العام 1919 الجامعة الأميريكة في بيروت مع بايارد دودج على رأسها .

بدأت الحلقة الأولى من حلقات المنافسة الخفية الفرنسية الأميركية في لبنان ، والتي لعبت فيها الطائفة المارونية دورا رئيسيا ، فقد تركزت هذه المنافسة بشكل خاص حول قطبين ثقافيين متعارضين هما الجامعة اليسوعية  والجامعة الأميركية : الأولى تشكل قاعدة إيديولوجية وفكرية للبنان الفرنكوفوني ، المسيحي الماروني المؤيد للغرب بينما تلعب الثانية  دور بؤرة الأفكار القومية العربية التي تعتبر لبنان جزءا من سوريا ، لا بل من العالم العربي بأجمعه .

لذلك كان الغيظ الأميركي كبيرا لرؤية الفرنسيين والإنكليز يخربون سياسيا وجغرافيا بعد الحرب العالمية الأولى ما سعوا هم الى صياغته ثقافيا ، أي العروبة … فأية خريطة تجزئة هذه التي أحدثها الإنكليز بمساعدة الفرنسيين في الشرق الأوسط بعد المرحلة العثمانية ، وهذا ما كتبه روبرت كابلن عام 1923 .

إذن كانت هناك فكرة راسخة في أذهان موظفي الخارجية الأميركية أدخلها بعض العروبيين ومفادها ، أن لبنان كدولةأولا وكدولة مستقلة فيما بعد هو إختراع فرنسي ، ألم يرد في هويات اللبنانيين المهاجرين الى الولايات المتحدة الأميركية في بداية القرن الحالي إسم سوريا … لا بل تركيا بدلا من لبنان ؟ في موازاة ذلك يقول الأميركيون المولودون في بيروت أو في المنطقة والذين اصبحوا فيما بعد ديبلوماسيين أو مستشرقين ، إنهم طالما إقتنعوا خلال وجودهم في المنطقة بأن لبنان جزء من كل أكبر منه هو سوريا .

وإذا كانت إسرئيل في نظرهم وليدة الإستعمار البريطاني ، فإن لبنان الذي يسيطر عليه الموارنة ليس سوى طفرة من صنع الإمبريالية الفرنسية ، مثل ما أن العراق المصنوع في بريطانيا هو نتيجة من نتائج تقسيم سوريا الطبيعية ، فإذا نظرت الى لبنان من دمشق في ذلك التاريخ حيث مهام السفير الأميركي تقارب أحيانا الدفاع عن فكرة القومية العربية ، أو على الأقل شرحها ومن وزارة الخارجية الأميركية حيث ترك العروبيون أثرهم ، فإنه لا يثير سوى الريبة والنفور خصوصا لبنان ما بعد الإنتداب الفرنسي التي تحكمه نخبة مارونية فرنكفونية تعلن عدائها للعرب .

ثمة خطأان في أساس هذا الإلتباس كله : الأول لبناني … فإذا كانت إسرائيل في نظر الأميركيين عموما ومسؤولي الخارجية خصوصا وهي أحد مخلفات الإمبريالية البريطانية لم تعد تشكل خطرا بفضل النشاط الفعال للوبي اليهودي في واشنطن ، فلماذا لم يستطيع أي لوبي لبناني إقناع بعض الموظفين الأميركيين السيئي النية بأن لبنان الموجود منذ الأزل ، ليس من أعمال الإستعمار الفرنسي ؟ .

الخطأ الثاني أميركي وهو مزدوج : واحد يتعلق بالموارنة الذين صنفهم الأميركيون كلهم في موقع واحد ، بينما كانوا فيما مضى رواد النهضة الثقافية العربية وهم الآن في نظر الإسرائيليين منافسين مباشرين لهم في الصراع الإقتصادي والمالي في الشرق الأوسط ، والآخر يتعلق في الجامعة الأميركية في بيروت “خميرة العروبة” فالأميركيون لم يفهموا الأبعاد الأقلوية في الخطاب القومي العربي وفي تاريخ المنطقة .

بينما أدركتها إسرائيل بشكل أفضل فقد أدى إنفتاح الجامعة المتزايد على التيارات السياسية العربية ، والتغاضي عن راديكالية الخلايا الطلابية التي أنجبت عددا من القيادات العربية والفلسطينية الى تحول هذه الجامعة الى رافعة ، تم بواسطتها نقل الصراع العربي الإسرائيلي الى الأرض اللبنانية .

لقد ارتد “الجنيون” الذين أطلقتهم الجامعة أول ما ارتد ضدالعاملين فيها ومن سخرية القدر أن يكون أول الضحايا الأميريكية في الحرب “عروبيان” هما ملكوم كير رئيس الجامعة الذي تم اغتياله ، ودايفد دودج حفيد دانيال بلس مؤسس الجامعة وابن أول رئيس للجامعة بايارد دودج الذي أصبح أول رهينة أميركية في لبنان ، ثم بدات موجة إختطاف الأساتذة الأميركيين ووقع الأميركيون ضحية إزدواجيتهم السياسية في علاقتهم المميزة بإسرائيل الى جانب عروبتهم الرومانسية أو النفطية .

ولاحقا لفت نظر الأميركيين رجل أعمال صاحب نجاح باهر وهو رفيق الحريري فكان هذا الإهتمام برفيق الحريري الذي تقلد منصب رئيس وزراء لبنان في خريف 1992  فالرجل يجمع في شخصه جميع الصفات العصامية التي يؤثرها الأميركيون ، وما رفع من شأن الحريري في نظرهم إنشاؤه مؤسسة تحمل إسمه ساعدت ما يزيد عن 30 ألف طالب على متابعة دروسهم في كل أنحاء العالم كما أمنت الإستمراية للجامعة الأميركية في بيروت عندما نضبت المساعدات الأميركية لها .

عبد الهادي محيسن … كاتب وباحث

مجلة الشراع

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Here you can just take everything you need for efficient promotion and get the job done well. o’tishingiz Surprisingly, this is not the same as the circumstance with Mostbet. agar o’yinchi MostBet in Bangladesh offers a plethora of pre-match picks in over 20 different sports. o’yin boshlanishidan oldin This means you may use the mobile version to safely make deposits and withdrawals. dasturi