الخدمات الاعلامية

الضوابط الشرعية في موضوع التكفير/ بقلم الشيخ أسامة السيد/ الشراع 24 اب 2023

الشراع 24 اب 2023

الحمد لله وكفى وسلامٌ على عباده الذين اصطفى.

قال الله تعالى في القرآن الكريم:ا أيها الذين ءامنوا اتقوا الله وقولوا قولًا سديدًا يُصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزًا عظيمًا} سورة الأحزاب.

إن من أخطر ما ابتُلينا به في الآونة المتأخرة التسرّع في التكفير حتى وصل الأمر ببعض الفرق إلى تكفير من عداهم لمجرد أن خالفوهم في رأي فلا يرون مؤمنًا سوى أنفسهم ويرمون سائر الناس بنعوت الضلال، وعلى نقيض ذلك نرى من يتوقف في تكفير الكافر الذي ثبت كفره صراحةً كالذي يسب الله أو الأنبياء أو القرآن الكريم مثلًا، فربما وصف أحدهم نفسه بالكفر والإلحاد ورأينا مع ذلك من يتوقف في تكفيره بدعوى أنه لا يرى تكفير الشخص المعيَّن، وكلا المسلكين غلطٌ وخطر فالتسرّع في التكفير بغير الاستناد إلى الدليل الشرعي مجازفةٌ وضلالٌ،وترك تكفير من قام الدليل الشرعي على كفره خطرٌ كذلك. ومن أراد السلامة دار حيث يدور الدليل فإن دلَّ البرهان الشرعي على التكفير حكمنا بالكفر سواء كان هذا الكفر قولًا أو فعلًا أو اعتقادًا، ونُبيِّن عندئذٍ لمن تلوَّث بالكفر الحكمَ الصوابَفنأمره بتجديد إيمانه بالنطق بالشهادتين شفقةً عليه، علمًا أنه ربما تلفظ شخصٌ أحيانًا بكلام هو كفرٌ بحسب أصل معناه ومع ذلك لا يُحكم على قائله بالكفر لكونه يجهل معنى الكلمة الحقيقي، فإن من القواعد المقررة عند أهل العلم أن من تلفَّظ بلفظٍ صريحٍ في الكفر أي ليس له بحسب اللغة إلا معنًى واحدًا هو كفرٌ لكنه لم يكن يعلم معنى هذا اللفظ عند حصول ذلك منه إنما يظن للكلمة معنًى آخر فإنه يحكم عليه بحسب فهمه أي لا يكفر إن لم يفهم من الكلمة المعنى الكفري، أضف إلى ذلك أنه ربما سبق لسانه إلى ما لا يريد فجرى على لسانه كلام كفري وهو لم يرد قوله بالمرة إنما أراد قول شىء آخر فإنه لا يكفر أيضًا فإن الشخص أحيانًا يشغَل باله بشىءٍ فيصدر منه أثناء الكلام ما لا يريد قوله لعدم حضور ذهنه وهذا يحصل كثيرًا بين الناس، وقد مثَّل النبي صلى الله عليه وسلم لحالة سبقَ اللسان برجلٍ ضلَّت ناقته بأرضٍ فلاةٍ وعليها طعامه وشرابه فأيس منها فاضطجع في ظل شجرة فبينا هو كذلك إذا هو بها قائمةٌ عند رأسه فأخذ بِخِطامها ثم قال من شدة الفرح: اللهم أنت عبدي وأنا ربك، أخطأ من شدة الفرح” رواه مسلم. أي أراد أن يقول: اللهم أنت ربي وأنا عبدك فسبق لسانه إلى ما لايريد.

الحكم بالتكفير

وربما كان للكلام أحيانًا مقاصد فبعض معانيه تقتضي الكفر وبعض معانيه لا تقتضي الكفر فلا يجوز الحكم على من قاله بالكفر ما لم يُعلم منه إرادة الكفركمن يقول: “المال خيرٌ من الله” فإن أراد تفضيل المال على الله فقد كفر، وإن أراد أن المال نعمةٌ من الله فكلامه صحيحٌ، إلى غير ذلك من مسائل بل قواعد تتعلَّق بهذا الخصوص فينبغي لمن أراد أن يُفتي في هذه المسائل أن يعلم لسانَ أهل البلد وما يستعملون من الألفاظ، فكثيرًا ما يختلف فهمُ الناس لكلمةٍ ما بين بلدٍ وآخر، وليس للمفتي أن يفتي فيما يتعلق بالألفاظ إلا أن يعرف اصطلاحات أهل البلد، فإنه إذا كان للكلمة تسعةٌ وتسعون معنًى هي كفرٌ ومعنًى واحدًا ليس كفرًا فلا يجوز للمفتي أن يحكم على قائلها بالكفر ما لم يُعلم منه إرادة المعنى الكفري.

ومن ثبت في حكم الشرع بعد ذلك كفره فإنما إثمه على نفسه وكما يقال فيمن زنا زانٍ وفيمن سرق سارقٌ كذلك يقال فيمن كفر كافر ولا يكون وصفه بالكفر عندئذٍ غلوًّا إنما هو من باب تسمية الشىء باسمه، وعندئذٍ فالحكمة أن يُبيَّن له ليتدارك نفسه بالتحوُّل إلى الإيمان والرشاد. ولكن لا يجوز التسرع باتهام الناس بالكفر بدون البيِّنة فإنه لا يثبت الحكم بالكفر على شخصٍ ما إلا باعترافه أو بشهادةشخصين عدلين شهادةً مفصَّلةً أي بذكر ما حصلت به الردة لأن الشاهد ربما توهَّم أن ما أتى به فلانٌ ردةٌ وكفر ورأى القاضي عند النظر والتمحيص أنه ليس كفرًا، ومعنى ذلك أنه لا يحكم على الشخص بالكفر بمجرد شهادة واحدٍ أو اثنين من غير بيان.

ونرى مع ذلك كثيرًا من أدعياء العمل الإسلامي لا يراعون تلك الضوابط قبل الحكم بالتكفير وقد كفَّر زعيم الوهابية محمد بن عبد الوهاب والعياذ بالله كلَّ من عداه وجماعته كما في كتابه “الدرر السنية” وعلى خطاه جرى سيد قطب في كتابه المسمَّى “في ظلال القرآن” والعجب أننا نرى مع ذلك كثيرًا من الناس يؤيدون نهجهما ويدافعون عنه، ونحن إزاء ذلك نقول:

عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “أَيُّما امرئٍ قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما إن كان كما قال وإلا رَجَعت عليه” رواه مسلم. فمن كفَّر مؤمنًا بغير قرينةٍ إنما لمجرد الهوى فإن الكفر يعود عليه هو، ولا يجوز تكفير المؤمن لمجرد أنه سرق أو زنى أو أكل الربا. قال الإمام أبو جعفرٍ الطحاوي في عقيدته:”ولا نُكفِّر أحدًا من أهل القبلة بذنب ما لم يستحلَّه” وقبله قال مثلَ ذلك الإمامُ الجليل البارع أبو حنيفة في “الفقه الأكبر” وعبارته فيه: “ولا نكفِّر مسلمًا بذنبٍ من الذنوب وإن كان كبيرةً إذا لم يستحلَّه، ولا نُزيل عنه اسم الإيمان،ونسمِّيه مؤمنًا حقيقةً ويجوز (أي يُمكن) أن يكون مؤمنًا فاسقًا غير كافرٍ”.

وحيث إن التكفير العشوائي على درجةٍ كبيرةٍ من الخطورة فالحذر الحذر فكم زهقت نفوسٌ وخربت بيوتٌ وسالت دماءٌ وهتكت أعراضٌ وسُبيت نساءٌ كما كانت تُسبى أيام الجاهلية بسبب التكفير بغير حقٍ، وكل ذلك باسم الدينِ والدينُ من ذلك براءٌ. وأين الجماعات التي تمارس مثل هذا مما كان عليه النبي وأصحاب النبيصلى الله عليه وسلم؟ أين هم من الأخلاق العالية والسنة المنيرة التي علَّمها سيد السادات رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه الكرام؟ ومن أراد أن يعرف الحقائق فلينظر في سيرة نبينا العظيم صلى الله عليه وسلم وأصحابه الأبرار وأهل بيته الأطهار لا في ممارسة الإجراميين التكفيريين بالباطل.

والحمد لله أولًا وآخرًا.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Here you can just take everything you need for efficient promotion and get the job done well. o’tishingiz Surprisingly, this is not the same as the circumstance with Mostbet. agar o’yinchi MostBet in Bangladesh offers a plethora of pre-match picks in over 20 different sports. o’yin boshlanishidan oldin This means you may use the mobile version to safely make deposits and withdrawals. dasturi