كتب الإعلامي الدكتور باسم عساف في جريدة الشرق – بيروت :* *الترحيل …هو الحل ، أم المؤامرة …*

*الترحيل …هو الحل ، أم المؤامرة …*

*كل الحروب والأحداث التي جرت بالتاريخ ، قد أثمرت الويلات بالحجر والبشر ، والكثير منها أدى إلى التخريب والتدمير والتشريد ، والعديد منها أدى إلى تغيير في التسلط والتحكم ، والتبديل الديموغرافي ، بتغليب فئةٍ على أخرى ، أو شعبٍ على آخر ، بفعل هزيمةٍ كبرى أدت إلى هيمنة المنتصرين ، وفرض ما يبتغون من إثارة هذه الحرب …*
وهذا ما تمَّ لشعوبٍ عديدةٍ في أحداث التاريخ ، التي نشهد منها حالياً في المنطقة العربية ، والمستمرة منذ أكثر من مائة عام ، ومن خلال الإحتلال الإنكليزي والفرنسي لها ، ومع إستقدام اليهود لإحلالهم في أرض فلسطين ، وتشريد شعبها الأصلي ، نحو مناطق أخرى داخلها وخارجها …
*كما تم أيضاً في السنوات الأخيرة عبر قيام إيران بترحيل الملايين من شعبي العراق وسوريا ، لمناطق أخرى بالداخل أو الخارج ، وإستقدام أتباعها للإحلال مكانهم بفعل الهيمنة والتسلط لأهداف توسعية وبسط الحكم العقائدي المتبع …*
وفق القوانين الدولية وخاصة القانون الإنساني الدولي ، فإن صفة اللاجئين لمن شرِّد خارج حدود الدولة المنكوبة بالأحداث ، وصفة النازحين لمَن شرِّد الى مناطق أخرى داخلها ، وهذا ما تم للفلسطينيين عقب أحداث وحرب /١٩٤٨ في بلدهم وتم إخراج الكثير منهم إلى لبنان ، حيث كان إستقبالهم كلاجئين ، وتم إنشاء منظمات دولية للمساهمة في غوث اللاجئين كالأنروا مثلاً ، مع إعداد المخيمات لهم بالقرب من المدن اللبنانية ، للتعاطف معهم ولمساعدتهم تمهيداً للعودة إلى أوطانهم وأراضيهم ، تحت شعار ثورة حتى النصر ، ولازالت هذه المخيمات جاثمة على أرض لبنان دون تحقيق النصر ودون العودة الموعودة …
*التاريخ يتجدد مع اللاجئين العراقيين والسوريين إلى لبنان ، خاصة الذين قدِموا إليه في أعقاب حروبٍ مدَمِّرةٍ ، وساحقةٍ للحجر والبشر ، وأحداثٍ داميةٍ أخرجتهم من ديارهم ، ليستقرَّ العديدُ منهم في لبنان ، الذي إستقبلهم من باب الأخوَّة العربية والجيرَة الإنسانية ، ولكن من دون تنظيمِ وضعِهم وإنشاء مخيماتٍ خاصةٍ لهم وحصرهم بها ، كما تم للفلسطينيين ، مما أدى ذلك إلى إنتشارهم بالمدن والقرى اللبنانية ، على مساحة الوطن ، وبتأييد معظم اللبنانيين وفئآتهم المختلفة ، حيث دام ذلك لأكثرِ من خمس سنوات منذ بدء الأحداث في سوريا ، ومع إبداء كل مساعدة لهم ، أكانت شعبيةً أم رسميةً أم دوليَّةً ، حيث هبَّت منظماتٌ دوليَّةٌ عبر الأمم المتحدة ، لتسجيل الأسماء ، من أجل شمولهم بالمساعدات الصحيّة والإجتماعيّة والإسكانيّة ، إضافةً للمساعدات التربويّة ، وتخصّيص المدارس والتعليم لهم …كما العديد من النقديمات المالية والتسهيلات في العمل والإقامةوالتشغيل …إلخ..*
كلُّ هذه التقديمات من المنظمات الدوليّة ، وإغداق المساهمات من الدول الأوروبية ، كانت لغايةٍ في نفسِ يعقوب ، محذّرة من التوجه إلى بلدانهم مباشرةً ، لئلا يقعوا بالمحظور ، الذي أرادوه للبنان ، رغم عِلمهم بما يقع به من أزمات ، ومن نكباتٍ داخليةٍ وخارجيّةٍ ، تسببت هذه الدول بها ، عبر أتباعهِم وأنصارهِم وأزلامِهم ، من قادةِ وكتلِ المنظومة السّياسيَّة ، الذين باتُوا يستأسِدون على الشعب اللبناني : بفرض الضرائِب وزيادة الأسعار والتسبُّب بالأزمات المالية والإقتصادية ، التي إنعكَست على البلد والمواطنين بكافة الصُعد الحياتية والمعيشية ، حيث شعر الجميع بالإجحاف والتمايُز بين اللبناني المحروم من أبسط مقومات العيش الكريم ، يقابله الدلال وإغداق الأموال على اللاجئين ، مما زاد في الطين بِلّة ، وباتت الأمور في تصاعُدٍ بالبُغض والنُفور ، وربما بطمع المستفيدين ، من هنا أو هناك …
*هذه الأوضاع المتداخِلة ، والفلتان والفوضى ، وعدم وضع الضوابط بتنظيم شؤون اللاجئين ، على أسُس الإستضافة المؤقتَه ، وليس على سبيل التغيير الديموغرافي ، وتشريد شعبٍ على حساب شعبٍ آخر ، وهي التي باتت مقولة معظم اللبنانيين ، وحجَّةً قويةً للدعوة إلى الترحيل ، وإلعودَة الآمِنة ، أو إلى الذهاب لمناطق آمنة في بلادهم ، وهذا من ضمن سيناريو الحرب الموجَّهة على العراق وسوريا ، وتحريكِ مسألةِ فلسطين معها ، إذ بات الحِمل ثقيلاً جداً على لبنان ، الذي ينوءُ تحت الضرب والقصف والإعتداء الخارجي ، وأيضاً التشرذم والتفتيت والتقويض ، لكل مؤسساته الرسمية والشعبية في الداخل ، مما أفاضت أزماته أعباءً على كاهل مواطِنيه ، يستغلُّها أتباع المنظومة السياسية ، التي كانت ومازالت هي السبب في الوصول إلى هذه النتائج المخزيّة …*
إن اللجوء السوري إلى لبنان من بعد العام / ٢٠١٥ هو غير اللجوء الأول بعد سنة/ ٢٠١١/ الذي جاء مع بداية الأحداث وإشتداد المعارك هناك ، فاللجوء الثاني جاء معظمُه إنعكاساً على الأزمة المالية والإقتصادية الحادَّة التي إجتاحت سوريا إثر نتائج الحرب العبثية ، وإثر العقوبات الأمريكية ، وإثر أحداث التغييرات الديموغرافية ، يُضاف إليها الطمع بالتقديمات والمساعدات ، عبر المنظمات الدولية للاجئين إلى لبنان ، وإضافةً إلى الأسواق المفتوحة لهم للعمل الخاص ، وبالورش والمؤسسات التي إعتمدت اليَد العاملة السورية ، لأسبابٍ عديدةٍ يستفيد منها الكثير من اللبنانيين ، والمستفيد الأكبر فيها ، دول الإتحاد الأوروبي التي تدفع المال من بعيد ، مهما كانت قيمته، ومهما كانت حصة لبنان منه ، ورشوته من تحت الطاولة أو من فوقها ، ولو على الصعيد الرسمي ، لئلا تنتقل أزمة اللجوء إلى أراضيها فتواجه أزمات أكبر وأخطر ….
*إن إحصاءآت الأمم المتحدة للاجئين السوريين منذ بداية الأحداث وحتى سنة/ ٢٠١٥/ تفيد عن مليون ومائتي ألف لاجئ مدونين على جداولها ، وقد إزداد العدد وتضاعف مع اللجوء الثاني الإقتصادي غير المدون ، سيما وأن الحدود مفتوحة والتهريب شَغَّال على يد أكثر من عصابة من الجهتين ، وعدم الحسم من السلطات اللبنانية ، قد فتح كل الأبواب على مصراعيها وبات لبنان كلُّه مرتعاً لتواجدهم بكافة أراضيه ، ويشكِّلون تنافساً سلبياً على اليَد العاملة اللبنانية ، مما تسبَّب ذلك بإخراج الكثير منهم من أعمالهم ، ليواجهوا البطالة والحرمان من أي عمل ، وبالتالي بات السَّفر هو الخيار الوحيد للشباب اللبناني ، وبات التغيير الديموغرافي يغير وجه لبنان ، والتوجه للسير بخارطة الطريق ، وبالنالي إلى مخطط التقسيم ، الذي تشهده منطقة الشرق الأوسط الجديد ، وهو من إخراج الصهيونية العالمية ، ومن إنتاج الولايات المتحدة الأميركية ، وحلفائها من الدول الغربية والعربية …*
إن أميركا والإتحاد الأوروبي ، وحتى قبرص ، التي دخلت على خط الحل للاجئين السوريين ، واللبنانيين الراحلين عن هذا البلد ، حيث أنها البلد الأقرب لرحلات الموت بزوارق التهريب التجاري ، التي لا تملك أدنى المواصفات للرحلات البحرية ، فتبقى الحدود القبرصية وشرطتها هي الأخطر على إغراقهم أو عدم إستقبالهم وإعادتهم وفق تعليمات الإتحاد الأوروبي ، ليتبلى لبنان بهم وبكيفية ترحيلهم …
*الموقف اللبناني غير المتوازن مع قضية اللاجئين الفلسطينيين ، منذ سنة /١٩٤٨ ، رغم أن الدولة قد نظمت شؤونهم بالأحوال الشخصية والإقامات والإجازات ، وتم ذلك مع سلطتهم ، ومن خلال إتفاق القاهرة وموافقة الجامعة العربية والأونروا بالقرار الدولي ، حتى لا يحدث أي إزعاج للكيان الصهيوني في حال إعتماد مبدأ العودة وثورة حتى النصر والتحرير …*
وبناء على ذلك ، نجد أن الأزمة تطول وتطول مع مسألة اللاجئين السوريين ، وحيث أن الجانب اللبناني ، يتعاطى معها بعينٍ واحدةٍ ويسير بها على رِجلٍ واحدةٍ ، فلن يستطيع الوصول إلى حلٍّ لها ، ما لم تعالج أسبابُها ، ومعالجة الأصل من وقوعها ، كما معالجة تسهيل التخلِّي عن أراضيهم ومساكنهم هناك ، لأسباب قاهرة ، مركزةْ على التبديل الديموغرافي والسياسي والأمني والمذهبي ، وهذا جميعُه يندرج ضمن المؤآمرة على المنطقة ككل ومنها سوريا …
*وهذا يجري على لاجئي ما قبل /٢٠١٥ ، أما ما بعدها فيمكن لهم التنسيق على إعادتهم ، بالتفاهم مع النظام السوري ، حيث كل الأسباب السابقة غير موجودة لديهم ، سوى الأمور المالية والإقتصادية ، وهذه تعالَج بمساعداتٍ لهم داخل الأراضي السورية بمواصفات المنكوبين ، وليس اللاجئين …*
لذا فتكون الدعوة إلى الترحيل ، لا تستوجب فتح جبهة معهم ، ولا إستدراجهم إلى معارك وأحداثٍ فرديةٍ وجماعيةٍ قد تكون مفتعلة قصداً لزيادة النفور ، وتحمل الكثير من الغايات السوداء التي تتناسق مع خارطة الطريق والفرز السكاني والتشتيت والتشريد ، المبني على الحِقد والبغضاء وليس على أساس جابر عثرات الكرام وإغاثة الملهوف …
*خاصة أنّ المظلومين منهم ، قد فقدوا كُلَّ ما يملِكون ، ولم يعد لهم مساكن ، تؤكِّد على صعوبة العودة للاجئي المرحلة الأولى الأمنية ، التي سجَّلت عليهم ، معارضتهم لعودة النظام إلى الحكم ، وسيادة قوى الأمر الواقع عليه ، فهل الترحيل هو الحلُّ لهم ، أم هو حلُّ المؤآمَرةِ عليهم …*