المركز الثقافي الإسلامي بيروت/كيفية ملاحقة وإدانة المدعوّة شادن فقيه في قانون العقوبات اللبناني د. إبراهيم العرب

حرية الإنسان في لبنان كما في أي بلد من بلدان العالم ليست مطلقة، وإنما تقف مبدئياً عند حدود حريات الآخرين وتقاليد المجتمع وآدابه وأخلاقياته، التي تنظمها القوانين والأعراف.

لاسيما أن الوجه العام للديمقراطية، تعريفاً، هو الإطار القانوني والدستوري، وبالتالي المجتمعي لكيفية ممارسة الحرية.
ولذلك، فلا يمكن أن تؤدي حريات البعض، للسخرية وتحقير الأديان، كما يجري اليوم على إحدى مسارح بيروت من المدعوة شادن فقيه، التي تعرّف عن نفسها بأنها شاذة وتستهزئ بآياتنا القرآنية ومشايخنا المسلمين الذين يؤمون الصلاة نهار الجمعة المبارك، ويؤدّون واجباتهم الدينية، بالوقت الذي ينص فيه قانون العقوبات في النبذة ٥ من الفصل الثاني من الكتاب الثاني في الجرائم التي تنال من الوحدة الوطنية وتعكر الصفاء بين عناصر الأمة، المادة ٣١٧ ع: “كل عمل وكل كتابة يقصد منها أو ينتج عنها إثارة النعرات المذهبية أو العنصرية…يعاقب عليها بالحبس من سنة إلى ثلاث سنوات…وكذلك بالمنع من ممارسة الحقوق المذكورة في الفقرتين الثانية الرابعة من المادة ٦٥”، وتنص المادة ٣١٨ ع:” يتعرض للعقوبات نفسها كل شخص ينتمي إلى جمعية أنشئت للغاية المشار إليها في المادة السابقة”.
اما في الفصل الأول من الباب السادس من قانون العقوبات فتنص المادة ٤٧٣ ع:” من جدف على اسم الله علانية عوقب بالحبس من شهر إلى سنة”، وتنص المادة ٤٧٤ ع:” من أقدم بإحدى الطرق المنصوص عليها في المادة ٢٠٩ على تحقير الشعائر الدينية التي تمارس علانية أو حث على الازدراء بإحدى تلك الشعائر عوقب بالحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات”؛ كما تنص المادة ٤٧٥ ع: “يعاقب بالحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات: ١- من أحدث تشويشاً عند القيام بإحدى الطقوس أو بالاحتفالات أو الرسوم الدينية المتعلقة بتلك الطقوس أو عرقلها بأعمال الشدة أو التهديد. ٢- من…شوّه أو نجّس أبنية خُصّت بالعبادات أو أشعِرتها وغيرها مما يكرّمه أهل الديانة أو فئة من الناس.

أما في الفصل الثاني من الباب السابع المتعلق بالحضّ على الفجور والتعرض للأخلاق والآداب العامة، فتنص المادة ٥٢٣ ع:” من اعتاد حضّ شخص أو أكثر ذكراً كان أو انثى لما يبلغ الحادية والعشرين من عمره على الفجور أو الفساد أو على تسهيلهما له أو مساعدتهما على إتيانه عوقب بالحبس من شهر إلى سنة…”، وتنص المادة ٥٢٦ ع:” من اعتاد أن يسهّل بقصد اكتساب إغواء العامة على ارتكاب الفجور مع الغير ومن استعمل إحدى الوسائل المشار إليها في الفقرتين ٢ و٣ من المادة ٢٠٩ لاستجلاب الناس إلى الفجور يعاقب بالحبس من شهر إلى سنة…”، وبمتابعة لمسألة الحضّ على الشذوذ والفحشاء في النبذة الثانية من هذا الفصل، تنص المادة ٥٣١ ع:” يعاقب على التعرض للآداب العامة بإحدى الوسائل المذكورة في الفقرة الأولى من المادة ٢٠٩ بالحبس من شهر إلى سنة”، وتضيف المادة ٥٣٢ ع:” يعاقب على التعرض للأخلاق العامة بإحدى الوسائل المذكورة في الفقرتين الثانية والثالثة من المادة ٢٠٩ بالحبس من شهر إلى سنة…”وتنص أيضاً المادة ٥٣٤ع المشهورة التي تعكر صفو الشاذين نتيجة مصدرها الديني على ما يلي:” كل مجامعة على خلاف الطبيعة يعاقب عليها بالحبس حتى سنة واحدة”.

كذلك، ففيما يتعلق بالتحقير والذم والقدح يقتضى أن نميّز بين الجرم الواقع على موظف وآخر، فتنص المادة ٣٥٠ ع:” يعدّ موظفاً بالمعنى المقصود في هذا الباب كل موظف في الإدارات والمؤسسات العامة والبلديات والجيش والقضاء وكل عامل أو مستخدم في الدولة وكل شخص عيّن أو انتخب لأداء خدمة عامة” وبالتالي نستخلص من ذلك أن كل من عيّن أو انتخب لأداء خدمة عامة يعتبر موظفاً وينطبق عليه أحكام الباب الثالث المتعلق بالجرائم التي تقع على الإدارة العامة، وتحديداً في النبذة الثالثة من الفصل الثاني، وكذلك المادة ٣٨٣ع التي تنص على ما يلي:”التحقير بالكلام والحركات أو التهديد الذي يوجه إلى موظف في أثناء قيامه بالوظيفة أو في معرض قيامه بها أو يبلغه بإرادة الفاعل؛ والتحقير بكتابة أو رسم أو مخابرة برقية أو تلفونية الذي يوجه إلى موظف في أثناء قيامه بوظيفته أو بمعرض قيامه بها. يعاقب عليه بالحبس مدة لا تزيد عن سنة. إذا كان الموظف المحقّر ممن يمارسون السلطة العامة كانت العقوبة من شهرين إلى سنة…”؛ وينطبق عليه أحكام النبذة الثالثة التي تنص المادة ٣٨٦ منها على ما يلي:” الذم بإحدى الوسائل المعينة في المادة ٢٠٩ يعاقب عليه…بالحبس سنة على الأكثر إذا وجه إلى المحاكم أو الهيئات المنظمة أو الجيش أو الإدارات العامة أو وجه إلى موظف ممن يمارسون السلطة العامة من أجل وظيفته أو صفته…”، وينطبق عليه أحكام المادة ٣٨٨ ع التي تقضي بما يلي:” القدح بإحدى الوسائل المبينة في المادة ٢٠٩ يعاقب عليه بالحبس ستة أشهر على الأكثر إذا وجّه إلى المحاكم أو الهيئات المنظمة أو الجيش أو الإدارات العامة أو وجّه إلى موظف ممن يمارسون السلطة العامة من أجل وظيفته أو صفته”

أما سائر الأشخاص الذين تعرضت لهم المدعوة شادن فقيه، فيمكنهم ملاحقتها وفقاً لأحكام الفصل الثاني من الباب الثامن من قانون العقوبات المتعلقة بالجنايات والجنح التي تقع على الأشخاص، حيث تنص المادة ٥٨٢ ع:” يعاقب على الذم بأحد الناس المقترف بإحدى الوسائل المذكورة في المادة ٢٠٩ بالحبس حتى ثلاثة أشهر وبالغرامة…”، وتنص المادة ٥٨٤ ع:” يعاقب على القدح في أحد الناس المقترف بإحدى الوسائل المذكورة في المادة ٢٠٩ وكذلك التحقير الحاصل بإحدى الوسائل الواردة في المادة ٣٨٣ بالحبس من أسبوع إلى ثلاثة أشهر أو بالغرامة…”، ولكن تجدر الإشارة هنا إلى أن الملاحقة المذكورة في المادتين السابقتين مقيّدة، حيث تنص المادة ٥٨٦ ع على ما يلي:” تتوقف الدعوى على اتخاذ المعتدى عليه صفة المدعي الشخصي”.

وختاماّ، حدّث ولا حرج عن جرائم سائر الشاذين والشاذات الكارهين لدين الله عزّ وجلّ كجرائم المواد ٥٠٧ و٥٠٨ و٥٠٩ و٥٨٦-١ع حتى ٥٨٦-٤ ع عن اغتصاب الفتيات القصّر، وارتكاب الأفعال المنافية للحشمة بالإكراه بالفتيان القصّر، من أعمار ٤ سنوات وما فوق، ومن ثم ارتكاب جرم الفقرة الخامسة من المادة ١٢٦ من القانون ٦٧٣/١٩٩٨ المتعلق بالمخدرات عبر إضافة العقاقير المخدرة عنوةً لأجسامهم الضعيفة أو لمشروباتهم دون علمهم، ومن ثم تصويرهم واستغلال هؤلاء الأطفال الذين لم يبلغوا الحُلم بعد شرعاً، في المواد الإباحية التي تعاقب عليها المادة ١٢٠ من قانون ٢٠١٨/٨١.
ونخلص بالقول، إن المجتمع الذي يأتي المنكر فيه كل إنسان على مزاجه ويتركه الآخرون يفعل ما يشاء، هو المجتمع المنحلّ المفكّك، الذي يمضي إلى الوراء حتماً، وينتقل من ضعف إلى ضعف بحكم تبدد الطاقة وانصرافها إلى الشر، حيث قال تعالى:” لُعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داوود وعيسى بن مريم، ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون، كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه، لبئس ما كانوا يفعلون”.
وعليه، يقتضى بدار الفتوى في الجمهورية اللبنانية وسماحة المفتي الشيخ الدكتور عبد اللطيف دريان وبالمجلس الإسلامي الشرعي الأعلى ونائب رئيسه الشيخ علي الخطيب ملاحقة المدعوة شادن فقيه بجرائم المواد ٣١٧ و٣١٨ و٣٨٣ و٣٨٦ و٣٨٨ و٤٧٣و٤٧٤ و٤٧٥و٥٢٣ و٥٢٦ و٥٣١ و٥٢٣و٥٣٤ من قانون العقوبات، لأن على هذه الشاذة أن تدرك أن المسلمين خير أمة أخرجت للناس، يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، ويؤمنون بالله جلّ وعلا، خلافاً لمجتمعها المنحطّ الذي يدعو الله فلا يستجيب له، ويسأله فلا يعطيه، ويستنصره فلا ينصره، كسالى لا يأتون إلا الفواحش في ناديهم المنكر، والعياذ بالله، ولذلك لطالما نزل عليهم غضب الله وسخطه، وسيبقون كذلك إلى أبد الآبدين. اما نحن، فعبدنا ربنا وكنا الأعلون، ولهذا وردت فينا الآية الكريمة:” ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين”، وسنبقى كذلك بإذنه تعالى.

د. إبراهيم العرب
بيروت في ٩ أيار ٢٠٢٤