كلمة هادفة في شأن الزكاة الواجبة/ بقلم الشيخ أسامة السيد/الشراع

الشراع 23 اذار 2023

الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى

قال الله تعالى:{وأقيموا الصَّلاة وءاتوا الزكاة وما تقدموا لأنفسكم من خيرٍ تجدوه عند الله إن الله بما تعملون بصير} سورة البقرة.

وعن أمير المؤمنين عمر بن الخطَّاب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله وتُقيمَ الصلاة وتؤتيَ الزكاةوتصومَ رمضان وتحجَّ البيت إن استطعتَ إليه سبيلًا رواه مسلم.

لا شك أن المال نعمة من نعم الله الكثيرة والعاقل إذا رزقه الله تعالى المال جعل من هذا المال عونًا له على طاعة ربه عزَّ وجلَّ لأنه يتقي الله فيما رزقه ويؤدي الحق الواجب عليه في هذا المال. وإن من المؤسف جدًا أن كثيرًا من الناس قديمًا وحديثًا لا يشكرون الله الشكر الواجب على نِعَمِه العظيمة من مالٍ ومتاعٍ وصحةٍ،ونحن نرى الحرمان والحرام قد تفشيا في المجتمعات ونرى أغلب النفوس قد تعلَّقت بالمال إلى حد بعيدٍ فما عادت تُبالي أَجَمعت من حلالٍ أو حرامٍ ثم تمنع حقوق الله وحقوق عباد الله، وجديرٌ بالعاقل أن يتأمل ما روى البيهقي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعمرو بن العاص: يا عمرو نِعمَ المالُ الصالح للرجل الصالح فالرجل الصالح يدرك معنى نعمة المال وهو أعرف بطرق جمعه المشروعة وأدرى بمصارف المال وأعرف بالأهم ثم المهم فهو يكسبه من وجوه الحلال ويصرفه فيما أذن فيه الشرع، وإن من أشهر الحقوق المتعلقة بالمال الزكاة فينبغي لمن وجبت عليه أن يبذلها تقرُّبًا إلى ربه فإن الله الذي رزقه هذا المال قادرٌ أن يُذهبه عنه، والزكاةُ بركةٌ وخيرٌ وتطهيرٌ من صفة البخل بما أوجب الله وشكرٌ لله على نعمة المال وتعويدٌ للنفس على الجود والبذل والعطاء فيقدم المزكِّي بذلك عملًا صالحًا لآخرته بدل أن يَتْلَفَ المال أو يُنْفَق فيما لا خير فيه أو يصير إلى عدوٍ أو وارثٍ لا يؤدي شكره ولا يتذكَّر من ورَّثه بدعوةٍ أو صدقةٍ أو قراءة قرآن.

ترغيبٌ وترهيب

وقد جاء في كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم الحث البليغ على إخراج الزكاة والتحذير من التقاعس عن دفعها في نصوصٍ كثيرةٍ، قال الله تعالى:{إنما يعمر مساجد الله من ءامن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وءاتى الزكاة ولم يخش إلا الله فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين} سورة التوبة، وقال أيضًا:{وما تُنفقوا من خيرٍ فلأنفسكم وما تُنفقون إلاابتغاء وجه الله وما تُنفقوا من خيرٍ يوفَّ إليكم وأنتم لا تُظلمون} سورة البقرة.

وقال تعالى في التحذير من البخل بالزكاة:{والذين يَكْنِزُون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشّرهم بعذابٍ أليم يوم يُحمى عليها في نار جهنم فتُكوى بها جباههم وجُنوبهم وظُهورهم هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تَكْنِزُون} سورة التوبة. والمراد بالإنفاق في سبيل الله في هذا الموضع إخراج الزكاة، وصحَّ في الحديث الذي أخرجه ابن حبَّان عن عبد الله بن مسعودٍ أن لاوي (مانع) الصدقة (الزكاة) ملعونٌ على لسان محمد صلى الله عليه وسلم يوم القيامة.

وكما جاء في الكتاب والسنة التحذير من البخل بالزكاة جاء أيضًا التحذير من أخذها بغير حقٍ وذلك أن يتعرَّض شخصٌ لأخذ الزكاة وليس هو ممن تحلُّ  لهم الزكاة أي ليس من الأصناف الثمانية الذين ذكرهم الله تعالى في سورة التوبة بقوله:{إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضةًمن الله والله عليمٌ حكيم} فإنه لا يجوز ولا يصح صرف الزكاة إلى غير هؤلاء الأصناف، وقد مرَّ شرح وإيضاح المراد بهذه الأصناف في مقالاتٍ سابقةٍ فلينظرها مريد الفائدة. فمن علم من نفسه أنه ليس من أهل الزكاة فطلبها وأكلها كان فعله من أكل أموال الناس بالباطل، والله تعالى يقول:{يا أيها الذين ءامنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل} سورة النساء. وروى البيهقي عن عبد الله بن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “لا تحلُّ الصدقة (الزكاة) لغنيٍ ولا لذي مِرَّةٍ سوي” والمِرَّة القوة. والمعنى لا تحل الزكاة لغنيٍ أي مكتفٍ ولا لقويٍ مكتسب بخلاف القوي الذي لا يُغنيه كسبه ولا يجد سبيلًا لكفاية نفسه ومن تلزمه نفقتهم الضرورية فتحلُّ له.

هذا والكلام في أحكام الزكاة ومسائلها يطول جدًا وقد سبق وتكلَّمنا عن بعض ذلك في مقالاتٍ سابقةٍ نُشرت في أعدادٍ صدرت في شهورٍ ماضيةٍ من رمضان فلينظرها مريد الفائدة فإن الزكاة عبادة من العبادات، والقاعدة المقررة عند أهل العلم أنه لا يجوز الدخول في عبادةٍ ما أو معاملةٍ ما حتى يتعلَّم المرء ما يحتاج إليه في ذلك الشأن. وكم من أناسٍ يُنفقون المال تحت مسمَّى الزكاة ولا يصح منهم لإخلالهم ببعض ما يتعلَّق بالزكاة من أحكامٍ شرعيةٍ. بل كم من أناسٍ تجب عليهم الزكاة وهم لا يشعرون فيظنون بأنفسهم الفقر وليسوا كذلك، وما ذاك إلا لأنهم ينظرون إلى الفقر والمسكنة من منظار العرف المنافي للحكم الشرعي في هذه المسألة فتتعلَّق بذمتهم حقوقٌ وحقوق من حيث لا يدرون. وكم من أناسٍ يُخرجون من المال قدرًا فيظن أحدهم أنه قد برأت ذمَّته وأدى ما عليه والواقع خلاف ذلك فتراه يُعطي من لا يستحق أو يكون له دينٌ على آخر فيسامحه به يظن أنه أجزأه عن إخراج الزكاة أو ينظر كم أعان من محتاجين وتبرَّع للمصالح العامة في أثناء العام فيعدّ ذلك زكاة وكل ذلك لا يقوم مقام الزكاة الواجبة.

ومن هنا فإننا ننصح ومن باب الشفقة على الناس أن يعودوا إلى أهل العلم المعتبرين للسؤال عمَّا يحتاجون إلى معرفته من أحكام الزكاة وغيرها من العبادات فإن الله تعالى يقول:{قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالًا الذين ضلَّ سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يُحسنون صنعًا}سورة الكهف.     

والحمد لله أولًا وآخرًا.

مجلة الشراع