الخدمات الاعلامية

لا تترك الحق وتغترَّ بالسراب / بقلم الشيخ أسامة السيد/الشراع

الشراع 5 كانون ثاني 2023

الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى.

قال الله تعالى في القرآن الكريم: {وإن تُطِعْ أكثرَ من في الأرض يُضلُّوك عن سبيل الله إن يتَّبعون إلا الظن وإن هم إلا يخرُصون} سورة الأنعام.

لا يُبتنى بيتٌ بغير عَمَدٍ ولا يعلو بنيانٌ بدون قاعدة ومن أراد أن يلجأ إلى ركنٍ وثيقٍ إن عصفت به النوائب واحتشدت حوله الخُطوبُ لا بد أن يُشيِّد على أساسٍ ثابتٍ وأصلٍ متين لا تميد به الأعاصير ولا تزعزعه الرياح ولا يضعف تحت ضغوط المتربصين به ولا يلين تحت ضربات معاول الزمان ولا تُصدِّع أحجاره مطارق الشدائد. ولا شك أن الوصول إلى هذه النتيجة يحتاج إلى حسن تدبيرٍ وإلى حذرٍ من غش الغشَّاشين وروغان الثعالب، وإذا ما كان تحصين البناء يقتضي وضع أساسٍ صلب وتدعيم أعمدته والاعتناء به فإن الاعتناء بتحصين جوهر النفسأولى، وأصل ذلك هو التمسك بالعقيدة الصافية الحقة المأخوذة من كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وما استقر عليه أهل العلم من السلف والخلف،فالعقيدة معنىً راسخٌ في قلب معتقدها وإنما سميت بذلك لأن القلب يعقد عليها بحيث تستقر في الفؤاد فيذعن صاحبُها بما وقر في صدره. وإزاء ذلك لا بد من وقفة يكون لنا فيها دورٌ في التنبيه على الأخطار الناجمة عن الآراء الشَّاذة والأفكار الفاسدة التي لا أصل لها ولا برهان عليها بل والتي قام الدليل على خلافها كي لا تتسلل إلى قلوب أبنائنا وأهلنا وإخواننا فتُشوِّشَ عقائدهم وتذهب بهم إلى مكانٍ بعيدٍ عن الحق والحقيقة فيضيعون في ظلمة الضلال وتهوي بهم الأباطيل في وادٍ سحيق.

آراءٌ وأهواءٌ

فكم من آراءٍ فاسدةٍ وأهواءٍ مضلّةٍ تجتمع تحت عناوين شتَّى فترى الملحد الذي ينكر وجود رب العالمين يناقش في إثبات عقيدته بزعمه وهو في نفس الوقت مضيِّعٌ لقيمةِ العقل فلا يتعظ بما يراه حوله من آياتٍ وشواهد تدلُّ على أن هذا العالم بسماواته وأرضه واختلاف أحواله لا بد له من خالقٍ عظيمٍ لا يُشبهه بوجهٍ من الوجوه. ولو أنصف لعلم بكل بساطة أنه إذا كانت الكتابةُ لا بد لها من كاتب والنسخُ لا بد له من ناسخٍ والبناءُ لا بُد له من بنَّاءٍ فهذا العالم من باب أولى لا بد له من خالقٍ لا يشبه شيئًا ولا يشبهه شىءٌ. قال تعالى:{أولم ينظروا في ملكوت السَّموات والأرض وما خلق الله من شىءٍ وأن عسى أن يكون قد اقترب أجلهم فبأى حديثٍ بعده يؤمنون} سورة الأعراف.

ويُناقش بعض الفلاسفة من أهل الفرقة المسمَّاة “السُوفسطائية” في إنكار العالم فيزعمون أن كل ما يعيشه الإنسان ويراه من حوله ويقوم به من أسفارٍ وأعمالٍ وهمٌ في وهمٍ وإنما هو كأحلام النائم فينكرون حقائق الأشياء، وقد حكى الحافظ ابن الجوزي في كتابه “تلبيس إبليس” أن واحدًا من هؤلاء السوفسطائية مات له ولدٌ فجاء ناسٌ لتعزيته فوجدوه قد جزع جزعًا شديدًا لموت ابنه فكلَّموه للتخفيف من حزنه فقال: إنما حزنت لأنه مات ولم يقرأ كتاب “الشُكوك”. فقيل: وما كتاب الشكوك ؟ قال: كتابٌ وضعته يشكُ من قرأه فيما كان هل كان وفيما لم يكن هل هو كائنٌ. فقال أحد الحاضرين: إذًا شُكَّ أنت هل مات ابنك أو ما زال حيًّا. وقام الناس فانصرفوا عنه. قلت: بل لماذا لم يشك هذا الجويهل هل كان له ولدٌ أصلًا وبالتالي: فلماذا كل هذا الجزع بزعمه؟ ولو تفكَّر هؤلاء الرَّعاع في أنفسهم ووجودها واختلاف أحوالهم من أجنَّةٍ ثم يخرجون أطفالًا ثم يتقلَّب أحدهم من صِبا إلى شبابٍ إلى كهولةٍ ثم شيخوخةٍ فموت لكان في ذلك رادعًا لهم عن تلك العقيدة الشيطانية، قال تعالى:{وفي أنفسكم أفلا تُبصرون} سورة الذَّاريات.

وإضافةً للذين مرَّ ذكرهم كم نرى من أصحاب النظريات الكاذبة المفتونين بكل مستورَدٍ من دول أوروبا والغرب يحاولون تأييد تلك النظريات بما يذهبون إليه من تفسيرٍ لنصوص القرآن والحديث فيحملون نصوص الشرع على خلاف المراد افتتانًا منهم بتلك النظريات، وإذا بتلك النظرية تسقط في البلد الذي سبق أن صدَّرها. ولا يزال بعض أدعياء الثقافة في بلادنا ينتصرون لها كالذين يزعمون أن الكون ابتدأ بانفجار كتلة غازيةٍ كبيرةٍ نتج عنها شمس وقمر وأرض وفضاء،وهذا مناقضٌ لقوله تعالى:{ولقد خلقنا السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام وما مسنا من لغُوب} سورة ق. “واللغُوب” التعب. وكذلك هناك الذينيقولون إن أصل الإنسان قردٌ وهذا تكذيبٌ لقوله تعالى:{لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم} سورة التين. ومعنى “أحسن تقويم” أحسن صورة. ويكفي في نقض النظرية أنها مجرد نظرية أي تنطلق الألسن فيها بالأوهام لا بالحقائق.

ولو قيل لهؤلاء: إن كان الأمر كما تقولون فمن أين جاءت تلك الكتلة الغازية فإن الفعل لا بد له من فاعلٍ أو لو قيل لهم: لو كان أصل الإنسان قردًا كما تزعمون فلماذا لا نشهد تحوُّلاتٍ في القردة عبر الزمان إذ لو كان الأمر كما تقولون لما بقي في الدنيا قردٌ ولتحولَّت جميعها فماذا هم قائلون؟

ولهؤلاء نقول: إن كل ما ناقض القرآنَ الكريمَ ضلالٌ وجهلٌ، فإن تعارض ما يسمِّيه البعض عِلمًا مع ما جاء في كتاب الله تعالى نحكم بصحة ماجاء في كتاب الله وببطلان ما خالفه وإن قال به مئات الألوف، وعند التحقيق سيظهر جليًّا صحةُ ما في كتاب الله وخطأُ ما عارضه.

ومن هنا نقول: إن من صُلب دورنا كدعاة وولاة أمور أن نكشف فساد ما يذهب إليه كثيرٌ من الناس وما تنطوي عليه صدورهم من عقائد فاسدة تحصينًا للناشئةوتنبيهًا للجهلة لعلهم يستفيقون من سُباتهم ويكون لهم نور الحق سلَّمًا يخرجون به من مستنقعات الجهالة التي أوقعوا أنفسهم فيها فإنه لا عذر لمن ترك الأصول والحقائق الثابتة واتَّبع الأهواء والنظريات المردية.

قال تعالى:{وإن الظن لا يُغني من الحق شيئًا} سورة النجم. قال النسفي في “تفسيره”: “أي إنما يُعرف الحق الذي هو حقيقة الشىء وما هو عليه بالعلم واليقين لا بالظن والتوهم.

والحمد لله أولًا وآخرًا.

مجلة الشراع

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Here you can just take everything you need for efficient promotion and get the job done well. o’tishingiz Surprisingly, this is not the same as the circumstance with Mostbet. agar o’yinchi MostBet in Bangladesh offers a plethora of pre-match picks in over 20 different sports. o’yin boshlanishidan oldin This means you may use the mobile version to safely make deposits and withdrawals. dasturi