الملك ادريس السنوسي انقلب القذافي عليه فهتف: الحمد لله!! / محمد المشهداني/الشراع

الشراع 5 كانون ثاني 2023

محمد إدريس بن محمد المهدي بن محمد بن علي السنوسي .. يعود نسبه لقريش ،والده مؤسس الدعوة السنوسية واميرها .ولد عام ١٨٩٠. في مدينة بني غازي ايام كانت تابعة للدولة العثمانية ،تربى في أسرة دعوية لها سمعتها في عموم ليبيا وشمال إفريقيا ،ورث الزعامة من والده ،وفتح عينه في شبابه على الحرب العالمية الأولى التي كانت بلاده إحدى ساحاتها ،حيث وقعت قبل الحرب العالمية الأولى “معاهدة بين العثمانيين والطليان” تنازلت على إثرها الدولة العثمانية عن السيادة على ليبيا ،في اتفاقية لوزان عام ١٩١٢. وتركت الدولة العثمانية الليبين وحدهم بعد سحب جيشها وموظفيها من هناك ويذكر التاريخ ان الليبيين لم يسمحوا لدخول الطليان لبلادهم دون قتال ، فقاوموهم في أشرس مقاومة ، قبل مقاومة الفيتكونغ المدعومون من الاتحاد السوفياتي والصين وكوريا الشمالية …في فيتنام ( 1964-1975) وخسروا آلاف القتلى في سبيل ذلك وكان أحد أبرز قادة المقاومة آنذاك “الشيخ عمر المختار” الذي كان قد تربى في المدرسة السنوسية و أصبح احد شيوخها .
ومع وضع الحرب العالمية الأولى أوزارها ، واستقرار الانتداب الإيطالي لليبيا الذي تعامل مع ليبيا كأنها امتداد الامبراطورية الرومانية منكراً وجودها كدولة وشعب عربي مستقل  .
دخل إدريس السنوسي بصفته قائداللحركة السنوسية في مفاوضات مع الإيطاليينن ، لإنتزاع اعتراف بحكم ذاتي تحت إمارة السنوسي . وافق الإيطاليون بداية واعترفوا بالسنوسي امير اً على عموم اجدابيا ، لكن هذه الحكومة لم تصمد كثيرا فسرعان ما انقلب عليه الطليان ، وأجبر الأمير إدريس على مغادرة ليبيا باتجاه مصر ، وكلف شقيقه محمد الرضا السنوسي وكيلا عنه عن شؤون الحركة السنوسية في برقة ، وعين عمر المختار نائبا له وقائد للجهاد العسكري وكان ذلك في شهر نوفمبر من عام ١٩٢٢. بعد ذلك العام سافر عمر المختار ومع ثله من القادة الليبيين إلى مصر للقاء إدريس في منفاه ، ووضعوا خطة المقاومة الليبية ،التي انطلقت في عقد عشرينات القرن العشرين .. وهي سنوات المقاومة الشهيرة التي اعيت الإيطاليون ، فقد اشتهرت بمقاومتهم الشرسة وقد سبقو ان اختبرو ذلك مع والد الملك إدريس السنوسي مطلع القرن العشرين ، حين سعت فرنسا لغزو ليبيا من صحراء تشاد .بمقابل مقاومة الليبية استخدم الإيطاليون كافة أشكال القمع لردع الثورة الليبية ،وبينما كان المختار يقود العمل العسكري استمر كفاح الملك السنوسي على الصعيد السياسي في مصر ،الا ان حدث العام ١٩٣١. سيشكل ضربة قاسمة للثورة الليبية بعد اعتقال المجاهد عمر المختار واعدامه في محاكمة صورية .
ولم يقف حقد الإيطاليون عند هذا الحد ، بل ووصل الحال بهم الى حد هدم المساجد والزوايا ونبش القبور .. لينتظر إدريس بذلك أعواماً طويلة حتى العام ١٩٣٩.حين اندلعت الحرب العالمية الثانية ، والتي كانت ايطاليا الفاشية بقيادة بنيتو موسوليني طرفا فيها مع المانيا النازيةًبقيا ادولف هتلر ، في مقابل فرنسا وبريطانيا فرأى السنوسي الحرب بين القوى الاوروبية فرصة لتحرير بلاده ، فتحالف مع الإنكليز وقرر محاربة الطليان في الصحراء الشرقية لليبيا ، بعد تشكيله جيشا عسكريا عرف تاريخيا باسم “الجيش السنوسي” الذي باعتراف الإنكليز أنفسهم قدم لهم خدمات كثيرة مكنتهم من هزيمة الإيطاليين في شمال إفريقيا .
وما ان قاربت الحرب على النهاية وتحديدا عام ١٩٤٤. حتى عاد الملك إلى ليبيا وانتظر وفاء الإنكليز بوعودهم له بالاستقلالل لكن البريطانيين -كعادتهم -لا يوفون بوعودهم .انتقلت ليبيا من حكم الإيطاليين إلى تحكم البريطانيين والفرنسيين به
ومما زاد الطين بلةاكتشاف الليبيين وجود اتفاقية سرية
بين الإنكليز والطليان تعرف باسم “اتفاقية بيفن سيفورزا” ارنست بيفن وزير الخارجية البريطاني وكارلوا سيفورزا وزير الخارجية الإيطاليةوتنص بنودها على وضع ليبيا تحت الوصاية الدولية عشرة سنوات .. انتفض الليبيون وعلى رأسهم إدريس السنوسي للمطالبة بإلغاء هذه الاتفاقية ما أجبر البريطانيين على منح برقة او شرق ليبيا حكما ذاتيا تحت قيادة إدريس السنوسي ، وهو أمرا أغضب الشعب الليبي الذي رأى في ذلك تكريسا للفرقة بين مدنه وناسها حيث كانت ليبيا في ذلك الوقت عبارة عن إقليمين برقة في الشرق وطرابلس في الغرب وطالب الليبيون حينها بتوحيد البلاد ما دفع ممثلين عن طرابلس لإعلان بيعتهم و تأييدهم للملك السنوسي ، كما تحرك الوفد الليبي للأمم المتحدة للمطالبة باستقلال بلاده وتوحيدها وكان ذلك عام ١٩٤٩. و بمقابل هذه الجهود الدبلوماسية التي أشرف عليها الملك ، تقرر منح ليبيا الاستقلال عام ١٩٥٢. لكن الملك السنوسي لم ينتظر هذا التاريخ اذ سارع الى اعلان الاستقلال العام ١٩٥١. استقلال ليبيا كاملة وموحدة تحت اسم
“المملكة الليبية الموحدة” وأعلن نفسه ملكا عليها لتبدأ حقبة جديدة في حياة السنوسي والشعب الليبي كان أبرز تحدياته بناء الدولة التي كانت مدمرة بفعل الحرب والاستعمار وهنا بدأ الملك بتفكير في نهضة ليبيا تب لم يكن النفط مكتشفاً فيها بعد ، فأضطر التحالف للتحالف مع الإنكليز ولاحقا الأمريكيين في سبيل تأمين دعمهم لقاء عدم التحاقة بالمعسكر الشرقي الذي كان يقوده الاتحاد السوفيتي.وانشات المدارس وتأسست الجامعة الليبية عام ١٩٥١. وراحت الحكومة الجديدة تعبد الطرق وتشرع في بناء المدن وتوسيع القديم منها ووضع التعليم والصحة والخدمات على قائمة الأهداف الليبية لحكومة الملك ، لكن التحديات سوف تبرز في وجه الملك كان أبرزها ” العدوان الثلاثي على مصر ” والذي كان الإنكليز احد أطرافه ، وفي ذلك الوقت كان المد القومي قد بلغ مداه وشعبية الرئيس جمال عبد الناصر قد فاقت حدود مصر وخرجت الاتهامات  ضد السنوسي بالتواطؤ  على مصر واتهم الملك بالسماح للطائرات البريطانية ضرب مصر من الأراضي الليبية فثار الشعب الليبي وانقلبت الحكومة الليبية على الملك ما أجبر السنوسي على تقديم استقالته رغم أن الليبيين في ذلك الوقت قدموا ادله على عدم استخدام قواعدهم لضرب مصر رغم ذلك استمر حملة القوميون ، وفي هذا المناخ كان الطالب معمر ابو منيار القذافي يقود تظاهرات طلابية دعماً لمصر وعبد الناصر ، مثلما راح يخيط علم الجمهورية العربية المتحدة اثناء وحدة مصر وسورية ويرفعه في مظاهرات ليبية مؤيدة للوحدة وعبد الناصر . الشعب الليبي رفض استقالة الملك ، و ما انهى الملك هذا التحدي حتى عاش تحدياً آخر جديداً بعد اغتيال ” ابراهيم الشلخي ”  على يد أحد أبناء عم الملك ، الأمر الذي اغضبه وقام بإجراءات صارمة ضد العائلة المالكة ، وهذا ما أحدث شقاقا داخل العائلة المالكة دفع بعضهم للتآمر ضد الملك .
وزاد الامور تعقيد اً اكتشاف النفط في ليبيا مطلع عقد الستينيات من القرن الماضي الأمر الذي زاد في المطامع في ليبيا و بات الملك في سنواته الأخيرة يعيش ضغوطاً كبيرة ولأكثر من مرة أظهر زهده في الحكم ، وسعى لتقديم استقالته وسعى أيضا لتحويل ليبيا لنظام جمهوري فقد كان هم الملك هو ليبيا . حتى أنه وظف أموال النفط المكتشف لتحويله لبلد حديث ناهض ، وتمكن من وضعها على طريق صحيح كما يراه كثيرون مما عاصروا تلك الفترة لكن الخلافات ظلت تحدث في الدائرة المحيطة بالملك وماسمح بانتشار الفساد والفوضى في البلاد وماساهم في إشعال غضب الشعب الأمر الذي دفع الملك إدريس للاعتزال في قصره أواخر أيامه بعد عجزه من مكافحة الفساد حتى جاء منتصف عام ١٩٦٩. حين قرر الملك حزم حقيبته وسفره للعلاج في اليونان ومن هناك قررإرسال استقالته للبرلمان بمحض  إرادته .
وقد عرف عن السنوسي زهده في الحكم والملك. قبل وصول استقالته إلى البرلمان قام الضباط الأحرار بقيادة العقيد معمر القذافي بثورة الفاتح من سبتمبر -ايلول 1969 تحولت الى ثورة شعبية على غرار ما حدث في مصر عام ١٩٥٢. ونقل مقربون عن الملك في منفاه الأخير الاختياري أنه لم يعارض الانقلاب وكان بإمكانه منع حدوثه بحكم تواجد قوات بريطانية في طبرق كانت جاهزة لإعادة تنصيب الملك لكن مرة جديدة يظهر السنوسي زهده في الحكم. لتبدأ حكاية حقبة جديدة في ليبيا ، التي تحولت الىً عمق استراتيجي للجمهورية العربية المتحدة التي كانت تخوض اشرف حروب العرب وهي حرب الاستنزاف ضد العدو الصهيوني الذي كان قبل عامين ونصف تقريبا ًاحتل سيناء المصرية والضفة الغربية الفلسطينية والجولان السورية.
عندما علم الملك السنوسي ان حركة حصلت ضده في ليبيا وكان مغادراً السفينة التي اقلته من اليونان الى تركيا في اليوم التالي للحركة اي في 2/9/1969!، قال لمن حوله : الحمد لله
توفي الملك إدريس السنوسي عام ١٩٨٣. في مصر ودفن في المدينة المنورة.
محمد المشهداني _ العراق _ الشراع

الوسوم