خاص الشراع / خشية واسعة في لبنان من استمرار الانهيار وتفاقمه حتى نهاية ولاية عون/الشراع

مجلة الشراع 23 آب 2021

لم تضف كلمة الرئيس ميشال عون المتلفزة الى اللبنانيين جديداً على ما كان قاله بيوم واحد صهره النائب جبران باسيل .

فعون بعد باسيل خصص كلمته لرمي الاتهامات يميناً وشمالاً ، فلم يوفر احداً في مجلس النواب وفي باقي المؤسسات الا وتناوله في اطار الدفاع عن نفسه ، وكأن هذه المسألة صارت شغله الشاغل او همه الوحيد في بلد يحتضر وشعبه يئن من تتالي الازمات وتفاقمها وتهديدها لواقعه ومستقبله ومستقبل ابنائه.

كلام عون جاء بعد الكلام الاخير لرئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل في مجلس النواب خلال تلاوة رسالة رئيس الجمهورية حول رفع الدعم، وهو كلام صار واضحاً وبشكل موثق ان باسيل ومعه عمه يعتبران ان كل ما جرى ويجري في لبنان منذ سنتين على الاقل  هدفه النيل من التيار الوطني الحر والعهد .

فالكل ضد ميشال عون وجبران باسيل ، هكذا قالها بصراحة الصهر المدلل ،مصدقاً الامر ومقتنعاً به بشكل جازم وحاسم بشكل قلّ نظيره في لبنان وربما في العالم.

باسيل وعلى خطى عمه درج على عادة تحميل الاخرين مسؤولية كل ما يحصل معفياً نفسه من اي جزء ولو بسيط منها، ولسان حاله مع اتباعه في الاونة الاخيرة “ما خلونا” ، لرمي كرة نار الازمات المشتعلة والتي تكبر يوماً بعد يوم على سواه .

والمهم دائماً هو ان لا علاقة له بما جرى ويجري وسيجري وقد تحدث بوضوع عن الانفجار المقبل والفوضى المجتمعية العارمة التي ستصيب البلاد محاولاً ارتداء ثوب من يطلق النبوءات على غرار ما فعله عمه الرئيس عندما تنبأ بذهاب اللبنانيين الى جهنم.

يتحدث باسيل وكأنه متظاهر في احد الشوارع ، او كأنه محتج من المحتجين في اعتصام معارض، كأنه نسي ان عمه هو من يدير البلاد ومسؤول بطريقة او باخرى ومهما كانت الاعتبارات والظروف عن عدم تشكيل حكومة منذ عام على الاقل لتتولى على الاقل العمل على الحد من الانهيار والازمات والتخفيف من اضرارها التي دخلت كل بيت في لبنان وعصفت  باجياله الحالية واجياله المقبلة.

وقبل السؤال ما اذا كان باسيل سأل نفسه عن سبب تكتل الجميع ضده وضد عمه ، وعن سبب النكد او الكيد السياسي الذي تحدث عنه ،وما اطلقه من توصيفات لما يحصل ضد التيار وعون وضده شخصياً ، فان من الواضح ان ثمة مشكلة او ما يمكن اعتباره علة تتحكم في نفوس من يقول هذا الكلام وكذلك كل من يتبناه ، وهي علة او مرض الاصابة ب”فوبيا “الاستهداف من الجميع بشكل يؤثر على سلوك واداء شخصية من يصاب بهذا المرض ، والذي يتعامل مع الاخرين كل الاخرين باعتبارهم خصوماًاو اعداء يضمرون له الضغينة و يستهدفونه حتى لو امتدحوه او حاولوا كسب وده.

واذا كان الحديث يطول عن هذه العاهة التي يمكن علاجها شرط عدم استخدامها في السياسة والحكم، كما يحاول باسيل فعله اليوم، فان نتائج وانعكاسات هذه العاهة الغارقة في حالة من الانكار باتت امراً واقعاً في طول البلاد وعرضها، سواء من خلال الازمات والمحن الضاربة او عدم توافر أبسط حاجيات اللبنانيين او من خلال الانهيار الحاصل لليرة اللبنانية وتدهور الوضع المعيشي والاقتصادي والمالي بشكل ادى ويؤدي الى إفقار الغالبية الساحقة من اللبنانيين.

وبديهي القول ان السبب في كل ذلك ليس الغرض منه تحميل جبران وفريقه مسؤولية ما يحصل ، فمن حقه ان يدلي بدلوه في اي مسألة ويعبر عن رأيه او موقفه بالطريقة التي يراها مناسبة لمصلحته، الا ان المسألة تتعدى ذلك وتتجاوز المبدأ القائل بان فريقاً يساجل فريقاً اخر منافساًله كون باسيل هو السلطة اليوم سواء من خلال رئاسة الظل التي يمارسها او من خلال عشرات اومئات الموظفين الذين عينهم في الادارات والمؤسسات العامة، او من خلال -وهذا هو الاساس -الامساك بقرار الرئاسة الاولى التي تتولى اليوم ادارة البلاد بطريقة انتقائية  ومصلحية صرف،فلا تشكل حكومة الا اذا كانت متطابقة مع مصالحها ومصالح ما تحضره للبلاد من توريث لمصحلة الصهر ولا تعمل في السياسة انطلاقاً من كونها فن الممكن بل من منطلق كونها اداة لمكاسبها ومصالحها وما تطمح اليه من امتيازات.

وحسب مصدر نيابي مطلع فان لا احد يسجل اليوم على العهد ورجاله عدم اطلاق مبادرة معينة تسهم ولو بالحد الادنى بدفع الجميع من الافرقاء الى التعاضد بينهم ، بل على العكس صار الجميع يرجون ان لا يعمد الى التصعيد والتسبب بازمات جديدة من خلال الاداء الذي يأتي دوماً تحت عنوان العهد القوي او الرئيس القوي او العهد الذي يمارس صلاحياته وفقاً لما ينص عليه الدستور،وهي عناوين باتت مستهلكة لكثرة استعمالها الى ما هنالك من كلام عن الحفاظ على حقوق المسيحيين واستعادة ما يمكن استعادته منها .

ويضيف انه منذ انتخاب عون رئيساً كان من المؤمل ان يطلق مبادرات وطنية جامعة تستفيد من المناخات التي ادت الى تحقيق حلمه بالوصول الى قصر بعبدا ، الا انه لم يقدم على اي خطوة من هذا النوع وتعاطى مع اي قضية عبر صهره على قاعدة “ما لي لي وحدي وما لكم لي ولكم”، ولم يفعل بالتالي الا تبديد الرصيد الذي تأمن له لدى انتخابه وكل ذلك وفقا للعقلية نفسها التي حكمت البلاد لدى توليه رئاسة الحكومة الانتقالية في اواخر الثمانينيات من القرن الماضي.

وبعد دخول لبنان في نفق الازمات قبل نحو عامين لم يسجل لعون اي مبادرة باتجاه لم الشمل وتدوير الزوايا والتعاطي مع اي مشكلة خلافية بالمنطق التسووي والتفاهمي وطغى الطابع الالغائي على مواقفه بشكل ادى الى مفاقمة الازمات وتكبير حجم المعاناة للبنانيين على اختلاف انتماءاتهم واهوائهم. 

ومع دخول البلاد عتبة انهاء عون العام الخامس من ولايته، فان العام الاخير لهذه الولاية لا يبشر بحصول ما هو مغاير لما شهده لبنان طوال السنوات الخمس الماضية. طالما استمرت العقلية المشار اليها على حالها. علما ان السؤال المطروح هو انه اذا كان الفشل والعجز هما ما طبعا سيرة العهد من سياساته وما يعتبره برنامجه الاصلاحي والتغييري الا يستحق اللبنانيون ان ينظر العهد ملياً الى ما يعيشه لبنان حاليا وان يبدل اسلوبه على الاقل من اجل التخفيف عنهم بدلاً من المضي قدما بكل ما جربه من وسائل واساليب أدت الى ما أدت اليه من حالة مأزومة تعم البلاد حالياً.

هذه العقلية التي حالت دون تمكين السفير مصطفى اديب من تشكيل “حكومة مهمة “وفقاً للمبادرة الفرنسية التي اصابها ايضاً المصير نفسه الذي اصاب مساعي الرئيس المكلف.

وهذه العقلية هي التي ادت الى اعتذار الرئيس سعد الحريري رغم محاولاته مع قوى الاكثرية النيابية التي سمته على مدار اكثر من تسعة اشهر لتشكيل حكومة كان يمكن من خلالها ليس فقط لجم الانهيار والحد من خسائره بل وايضاً حفظ ماء وجه ميشال عون الذي تسلم رئاسة الجمهورية في اوضاع اقل ما يمكن ان يقال عنها انها افضل بكثير من الاوضاع الحالية والسيئة التي ستكون عليها البلاد في اليوم الاخير من ولايته التي تعتبر الاسوأ في تاريخ لبنان.

والخشية ، كل الخشية اليوم ان تستمر العقلية نفسها من قبل فريق عون وجبران مع الرئيس نجيب ميقاتي سواء لم يشكل حكومة واعتذر ، او شكل حكومة جديدة ستكون كل يوم في مواجهة مع ما يمكن ان تبتدعه هذه العقلية من افكار واقتراحات حتى لا نقول عراقيل وعقد ووضع عصي في الدواليب كرمى لما يريده جبران باسيل ولما يراه مناسباً في مصلحة التيار ومشروعه الخاص لتولي رئاسة الجمهورية بعد انتهاء ولاية عمه.

فلو سهل فريق عون وجبران مهمة مصطفى اديب وشكلت حكومة يومها ،من المؤكد ان الوضع كان على الاقل اقل سوءا من الوضع الحالي.

والامر نفسه ينطبق على ما جرى مع الرئيس سعد الحريري. ولو قبل عون باي مسودة من المسودات الوزارية والتي تراعي التوازن الوطني وبينها ما تضمنته مبادرة الرئيس نبيه بري بتشكيل حكومة من 24 وزيرا لا ثلث معطل فيها لاحد ، كان يمكن للوضع  ان يكون افضل بالتأكيد مما هو عليه اليوم.

هذه العقلية التي ابتدعت اسلوب توجيه الرسائل لمجلس النواب مرة لحجب الثقة عن الرئيس المكلف سعد الحريري ومرة ضد حاكم مصرف لبنان رياض سلامة ، من اجل ابقاء الدعم على حساب الاحتياطي الالزامي وبما يخدم كارتيلات الاحتكار ، لم تتوقف عنذ هذه الحدود ويبدو انها مستمرة حتى اخر يوم من ولاية الرئيس ميشال عون.

وما يؤكد ذلك هو “الاندفاعة الاستفزازية ” -كما وصفها المصدر نفسه -التي قام بها جبران باسيل الجمعة الماضي والذي لم يوفر احداً من توجيه سهام التهم والنقد له من خلال الحديث عن ان التيار الوطني الحر ورئاسة ميشال عون في دائرة الاستهداف، كمن يعلن الحرب ضد الجميع بدلاً من ترطيب الاجواء والبحث مع كل الاطراف عما يمكن ان يخفف من وطأة الازمة ويضمن الوصول الى حكومة كما اكد مجلس النواب تتولى المعالجة وبدء رحلة الالف ميل نحو اخراج البلاد مما تتخبط فيه من أزمات.

وبعد كلمتي العم والصهر بات مؤكداً ان فريقهما يتعاطى وكأنه قام باعلان النفير العام ضد الجميع ، من منطلق انه الوحيد على حق وانه مستهدف، وان كل ما يجري في لبنان انما يحدث لاستهدافه ، في عملية ابتزاز واضحة يمارسها هذا الفريق من اجل فرض معادلته وقوامه اما السير بما يريد فرضه واما البقاء في حالة التعطيل والشلل والازمات.

وفي كل الاحوال ،يبدو بوضوح ، في ضوء ما عكسته كلمة عون وقبلها كلمة جبران امام مجلس النواب من خلفيات ، ان الازمة في لبنان سائرة باتجاه فصل جديد من التصعيد ومرحلة اخرى من الانهيار، وانها مستمرة أقله حتى انتهاء ولاية رئيس الجمهورية وفقاً لما يقوله المصدر النيابي المتشائم جداً والذي يجزم بان الخشية من ذلك صارت واسعة جداً بعد ان اصبحت حديث الجميع على كل المستويات وفي مختلف المجالات والميادين والصعد، في الداخل وفي الخارج ايضاً