*كتب الإعلامي د. باسم عساف في جريدة الشرق – بيروت:* *إبتسم …أنت في رفح ، أو في الجنوب …*

*إبتسم …أنت في رفح ، أو في الجنوب …*

*سبعة أشهر ، وأكثر من مئتي يوم /٢٠٠/ مضت على قطاع غزَّة ، بشَنِّ حرب إبادةٍ ، ومستمرّة دون هوادةٍ ، التي أثبت مقاتلوه وأهلوه ، من جميع الفئآت والأعمار ، أنهم هم شعب الله المختار ، الذي يستحق الحياة ، ويستوجب الحرية والطمأنينة إلى الممات ، وقد نال شرف الصمود والرباط ، وأنه في مقدمة الصفوف بالصفات ، لمن يدافع ويقاوم بثبات ، من أجل تحرير الأرض من الإحتلال ، رغم الظلم والإستبداد ، ورغم القصف والتدمير والتجويع والحصار ، على كل مقومات الحياة ، ورغم إستخدام كافة الوسائل ، والأسلحة الفتاكة والقاتلة والدمار الشامل ، ورغم وقوف ومساندة الأنظمة الغربية والعربية مع الكيان الصهيوني ، للقضاء على هذا الشعب الذي يطالب بالحرية ، وإعادة الحق إلى نصابه ، بالأرض والعرض منذ عشرات السنين ، وإقامة دولته المستقلة كما هي لكل الشعوب الحرة …*
لقد أثبتت الأحداث من خلال هذه الحرب المعلنة ، التي يشنها الكيان الصهيوني عل غزة ، بأن النظام العالمي الجديد ، المتمثل بهيمنة اليهود على معظم حكومات الدول ، والمنظمات الدولية التي تأتي في مقدمتها الأمم المتحدة ومجلس الأمن فيها ، حيث تتميز فيه خمس دول كبرى بعضويةٍ دائمةٍ ، مع حق إعلان الفيتو ، الذي يعطِّل أي قرارٍ ، ولو إتخذ بالأغلبية الساحقة من باقي الأعضاء ، كما حصل مؤخراً لتثبيت عضوية دولةٍ لفلسطين ، ويأتي ذلك في ظلّ تشدقهم بعناوين فارغة من الديموقراطية والحرية والمساواة ، وبعيدةٍ جداً عن العدالة والحقوق للإنسان …
*من هنا يتساءل كل حُرّ : عن سبب إنشاء الأمم المتحدة ، وغايتها في تسديد مسيرة الأمن والسلام ، وإعطاء الشعوب حقوقها بالعيش الكريم ، وحريتها بإختيار الحكم والسلطة ، لنظام الدولة التي تريد ، مع منع التعدّي من دولة على أخرى وإحتلال الأراضي للغير ، وما إلى ذلك من كافة الشعارات والمبادئ والعناوين ، التي ترفعها ضمن سيناريوهات مسرحية ، تريد بها أن تنطلي على الشعوب ، التي تمعن بها إستغلالاً وإستبدادا وإستهبالاً ، لأجل سوقها نحو العبودية والخنوع والإذلال ، وأقل تقدير نهبها وسرقة مقوماتها وإنتاجها ، وما قد تستفيد من أبنائها في الخدمة والعمل وتجنيدهم لمآرب أخرى تهش بهم على شعوب أخرى …*
هكذا تتعامل أميركا مع الشعوب المستضعفة عامةً والشعوب العربية خاصةً ، فيما يتعلق بقضيتهم المركزية ، التي بدأت بإغتصاب أرض فلسطين وإحتلالها ، وإخضاع شعبها لتسلط الكيان الصهيوني وإستبداده على مساحة كل فلسطين ، رغم قرار تقسيم أرضها إلى دولتين ، واحدة للمحتلين اليهود ، وتدعى إسرائيل ، والثانية للشعب الفلسطيني المقيم ، *(صاحب الحق )* كدولةٍ لهم مع تحديد نطاق حدود كلٍّ منها ، بين القدس والضفة الغربية وغزّة …
*هذا ما كرسته الأمم المتحدة ، لإعلان قيام الكيان اليهودي سنة / ١٩٤٨ ، والذي رسمت خارطة طريقه وكرّست وجوده بريطانيا ، حين كانت هي المحتلة لفسطين من بعد الحرب العالمية الأولى ، وإستكملت مصائبها أميركا بعد الحرب العالمية الثانية ، وهي التي إستكملت تعهداتها بالحماية والدعم والدفاع عن الكيان ، أمام كل العوائق والظروف العصيبة ، وحتى في أيام التوسع والإعتداء والإحتلال لأراضي البلاد العربية المحيطة ، وهي منذ إنطلاقة إقرار التقسيم في فلسطين تقوم بدعم الكيان بكل الوسائل وأهمها إستخدام الفيتو المصطنع خصيصاً لإسرائيل ، حتى تستكمل خطتها بإجتياح العالم العربي والإسلامي كما تقر بذلك بروتوكولاتهم وتلمودهم للسيطرة على العالم ، إنطلاقاً من خارطة طريقها التي بدأت من فلسطين وإلى الشرق الأوسط الجديد ، والتي رسمت في القرن الماضي بالمطابخ الدولية والعربية ….*
إننا اليوم نرى إهتمام العالم كُلّه وإنشغاله بما يجري بمنطقة الشرق الأوسط ككل ، وما يحيط بها من حروبٍ وأحداثٍ ، لتدخل جميعها في خارطة الطريق ، التي إعتُمدت لتسهيل قيام إسرائيل الكبرى *( أرضك يا إسرائيل من الفرات إلى النيل )* فالنيل لا يشمل مصر فقط ، بل ما نراه في السودان والصومال من مجازر وتدمير وتجويع ، يقارب ما نراه في فلسطين …
*وما نراه في اليمن من تقسيم وتفتيت للدولة ، والسيطرة على باب المندب والبحر الأحمر وقناة السويس ، يكمل خارطة الطريق ، وما يجري في العراق وسوريا ( أرض الفرات ) من الفتن العمياء والتهجير والتشريد الديموغرافي، والقتل على الهوية يستكمل ما يحصل في فلسطين …*
وما يجري في جنوب لبنان ، من إستنزاف ممنهج ومدروس بعناية فائقة ، وحسابات دولية وإقليمية وعربية ومحلية ، منها علني ومنها سرّي ، *(وكلٌّ في فلكٍ يسبَحُون )* قد بات جميعه ينعكس مباشرةً على ما يجري في غزة والقدس والضفة الغربية …
*إن ما رسمته عملية طوفان الأقصى ، وكما جاءت نتائجها بما لا تشتهي سفن خارطة الطريق ، قد أثار هيَجان النظام العالمي الجديد وإحتراق الطبخة المعدَّة لوليمة الشرق الأوسط ، بل إحتراق المطابخ الدولية عما تعدُّه للشعوب العربية والمستضعفة عموماً …*
لقد أثبت شعب فلسطين عموماً وغزّة خصوصاً ، بأن التمسُّك بالحقِّ والدفاع عن الأرض والعرض ، بثباتٍ وعزيمةٍ وإيمانٍ ، لا تَقدِر عليه كُلُّ وسائل الدمار الشامل ، ولا كلٌّ وسائل الشياطين الكبرى والصغرى ، فالهزائم المتتالية، لما أسموه بالجيش الذي لا يقهر ، قد جعلت منه عملية طوفان الأقصى ، مضحكةً أمام العالم وهو يُجَرجِر قَتلاه وجَرحاه وخَوتاه ، فكان أَولى’ له أن ينسحب من القطاع ، من دون قيدٍ ولا شرط …
*ولم يبق سوى العَناد المتأصِّل برأسِ بعضِ الموتورين ، الذين يُطيلون أمَد الحربِ العبثيةِ ليكسَبوا بعض النتائج ، حتى لا ينالوا القصَاص الهالك من أتباعهم قبل أعدائهم ، وعلّهم يربحون بحربٍ نفسيّةٍ ، عبر التلويح للعالم ، نظرياً بالتهديد والوعيد ، للهجوم ولإجتياح مدينة رفح والقضاء عليها ، وما تبقى من حماس والجهاد كما يزعمون …*
وأيضاً كما التهديد لجنوب لبنان وإجتياحه ، والقضاء على فصائل المقاومة هناك ، التي تؤرِق مضاجِعَ الكيان ، فتنتهي بنظرهم الحرب والسيطرة الكاملة على متابعة تنفيذ خارطة الطريق ، والتي أُحرِقَت خطوطها مع عملية طوفان الأقصى ، ولم تعد صالحةً للتطبيق ، إذ أن المنطقة والعالم قد دخل في رسم خارطة طريقٍ جديدةٍ ترسمها الشعوب الحرة ، وليست الأنظمة المتهالكة على النظام العالمي ، الذي فرط عقده بالفضائح المتعددة وفسادها للإنسانية والبشرية جمعاء …
*العالم الجديد ، الذي يبزُغ فجرٌه من عتم الليل المظلم ، ، ومن سواد الإفساد وبطشه المؤلم ، بات يبشر بعودة الحق إلى نصابه ، وإلى ولادة الحرية من رحم الثورة ، وخروج طفل الإنتفاضة من تحت الركام ، ليكون الشاهد على الفجر الجديد لعالم حقوق الإنسان والعدل والمساواة الحقيقية ، مع رفع شعارّ صحيح ، يقول : ( إبتسم أنت في رفح ، وإبتسم أنت في الجنوب ) ، وقد بات يعلم جيش الكيان ، أن أي هجوم أو إجتياح ، لن يكون نزهة أو درباً للسُيَّاح ، ولا فرق وقتها ، أيهما يكون الأول أو التالي ، فغزَّة تشهد العبرةبإنتكاساتهم ، حيث كانت هي الأَولى’ والأُولى’ ….*