كتب الإعلامي د. باسم عساف :* *من قواعد الإشتباك … إلى أهداف الشاباك …*
*منذ اليوم التالي لعملية طوفان الأقصى في / ٧ أكتوبر ، والمنطقة الجنوبية من لبنان ، تشهد عمليات التبادل في القصف والعصف الناري ، إذ إستنفر حزب الله قواته البرِّية والجَوِّية بالمسيرات ، على إمتداد الحدود اللبنانية الجنوبية ، مع الحدود الفلسطينية الشمالية ، التي تتمركز فيها القوات الصهيونية المتربِّصة لأي تحرُّكٍ لبناني ، أكان في خوض حربٍ شاملةٍ ومدمرةٍ ، أو في إستنزافٍ على شكل حوادث متنقلة ، بضرب القواعد والمنصَّات والتجمُّعات ، وهذا ما سُمِّي بقواعد الإشتباك ، أي ضربة بضربة ، أو صاروخٌ بصاروخ ، وكما فسّرها الحزب بعملية المشاركة والدَّعم لغزّة ، وذلك بعملية إلهاء الجيش الصهيوني ، للتخفيف عن الضغط المٌنصَبِّ على القطاع بشتى أنواع ووسائل التدمير الشامل المحلي والدولي …*
هكذا دخل الحزب بالحرب المعلنة على غَزّة ، من خلال إعتماده على قاعدة وحدة الساحات العربية ، التي تواجه العدو الصهيوني ، والتي تحركت بأشكال متعددة من المشاركات ، ومنها من لبنان بإجراء عمليات الكرّ والفرّ على الحدود ، والقصف المتبادل عبرها ، إضافةً لإستخدام السلاح الجوٍّي عبر المسيِّرات على أنواعها : الهجومي والإستخباراتي والإستطلاعي ، وأيضاً من ساحات العراق وسوريا عبر المسيِّرات والصواريخ …
*ووحدة الساحات قد تجلَّت مع حرب غزَّة ، من ساحة اليمن ، عبر تحرُّك الحوثيين في البحر الأحمر وخليج عدن ، بقصف السفن المتجهة إلى الكيان ، وأيضاً للبوارج الحربية الدولية التي تساعد الكيان ، والتي يتبيَّن منها جميعاً ، بأنها الساحات التي تتحرك بالإشارة الإيرانية وتتظلل تحت عباءتها ، وتتغلف بالممانعة لإسرائيل لتكون هي واجهة التفاوض على أي إتفاق سلمي أو حربي يندرج في التسويات لخارطة الطريق المرسومة للمنطقة العربية الوسطى …*
من هنا إنطلقت عملية إلهاء الجيش الصهيوني عبر الحدود الجنوبية للتخفيف عن أهل غزة ، والقيام بسحب العدد الكبير من جنود الإحتلال إلى الشمال ، ليقوم بحماية المستوطنات والمستوطنين من ضربات الإرهابيين كما يزعم العدو ، ولكن مع إطالة حرب غزة والفشل الذريع بالوصول إلى الغاية المطلوبة بقتل أو إعتقال قادة حماس ، وعدم تحقيق أي مطلب من مطالب حكومة نتنياهو المتطرفة ، وأي أمل بالقضاء على حماس ، ولا حتى بالوصول إلى أي قائدٍ ميدانيٍ منهم ، ليفرحوا بأي تقدمٍ وأي إنتصارٍ ، حتى يتباهو به أمام الدول الداعمة ، على أنهم لا زالوا هم يمثلون الجيش الذي لا يقهر ، ولكن : إنقلب السحر على الساحر ، وباتت الأمور في ساحات أخرى من التحرك …
*تحركت ساحات المفاوضات ، على وقع ساحات الضغوط الشعبية في الكيان نفسه ، من أهالي الأسرى المعتقلين لدى حماس ، وهم يرون بأعينهم كيف يتساقطون قتلى ، بسبب القصف والتدمير لأحياء ومباني غزة ، وهم بداخلها مع المقاومين، أو من خلال ضغوط المظاهرات الشعبية ، التي تعمُّ أرجاء العالم ، وخاصةً البلدان المساندة للكيان الصهيوني ، سيما وأنها تتبنى مقولة : حقوق الإنسان والحريات العامة ، وكل القيم الإنسانية بالعيش الكريم ، وتقرير المصير للشعوب الحرَّة …*
إضافة إلى المآزق التي دخل بها الطبَّاخون الكبار داخل الإدارة الأميركية ، وظهور الخلافات بينهم إلى العلن ، كما الخلافات الداخلية في الكيان اليهودي ، أكان بين أركان الحرب والحكومة المصغَّرة ، أو بين المعارضة مع الحكومة اليمينِيَّة المتطَرِّفة ، والتي تحرِّك الشارع وأهالي الأسرى ، في ظلِّ ثبات وصمود أهل غزَّة ومقاومي حماس والجهاد ، حيث أطال ذلك من أمد الحرب دون تحقيق الغاية المطلوبة لنتنياهو ولبايدن المأزومين إنتخابياً وشعبياً ، وأمام الرأي العام العالمي والقانون الدولي ، وحكم المحكمة الجنائية الدولية …
*التفكير بالمخرج من هذا النفق المظلم لبايدن ونتنياهو ، في ظل الأنفاق المنيرة لدى حماس ، التي تتمسك بشروطها إلى آخر مدى من الثقة التي تتمتع بها من خلال صمود أبناء غزة وإلتفافهم عليها ، وعدم الإنصياع في عمليات الإنقلاب على حماس وتشكيل فصائل أخرى من العشائر أو المنظمات المضادة لها ، لإضعافها مع الجهاد ، وذلك بإيجاد مواجهات داخلية وجبهات متعددة في القطاع وفتح ثغرات في حصن هذا الصمود ليكون الإنهيار عبر التقاتل والفتن مع منظمات أخرى تدين طوعاً للكيان …*
وليس عبر المواجهات المباشرة ، التي أهلكت الجيش الصهيوني وأمعنت بجنوده في عدد القتلى والجرحى والمعوقين والمعتوهين بالكآبة والإنحطاط ، وفي ظل المعنويات الهابطة ، والعقد النفسية العديدة ، المنتشرة بين الجنود ، وهذا ما لم يكن بالحسبان …
*لذا بات التوجه لدى القيادتين الأميركية والصهيونية ، إلى وقف الحرب وتبادل الأسرى ، وإعادة النازحين الغزاويين لمناطقهم ، وتسليم المساعدات لهم على كامل أرض القطاع ..وهذه هي مطالب حماس والجهاد وشروطهما ، والتي تتقدم إلى التنفيذ الفعلي ، بنجاح مفاوضاتها مع السعاة إليها دولياً وعربياً …*
هذا الأمر الجاري المفعول ، له إنعكاساتٌ أخرى على نتنياهو ، في إستمراره بالحكومة وهزيمته بتحقيق أيِّ بندٍ ، من بنود القضاء على حماس ، والسيطرة على القطاع والإستيطان به ، وأيضاً على بايدن في إستمراره بخوض الإنتخابات الأميركية القادمة ، حيث الفضائح قد غمَرتهُ إلى أعلى رأسه ، بصفات القتل والإجرام والإبادة ، التي هو محرِّكُها وداعمُها بالمال والسلاح الأميركي ، والمسحوب من حقوق الشعب الذي سيَخذُله في صناديق الإقتراع …
*وقد إتجه بايدن إلى طرقٍ أخرى ، لتعويم وضعه ووضع نتنياهو ، بتحريك الإتفاق النووي مع إيران وإعطائه جرعةً حيويةً وحقنة إنعاش بالمال ، حتى تستميل الأيرانيين نحوها ، لإيجاد المخرج اللازم ، من خلال الحدود الجنوبية اللبنانية ، وإستبعاد الحرب الشاملة فيها ، والنجاح بعودة المستوطنين إلى الجليل الأعلى …*
علَّ ذلك يعوض عن خسارة العدو لحرب غزة وإظهار الكيان على أنه الأقوى ، ويفرض شروطه كما كان في زمن التفوق ، والضغط بذلك على الحزب ومقاومته للإنصياع لها ، وتأمين إنسحابه لما بعد الليطاني ، وترك مساحةٍ لتحرك قوات اليونيفل والجيش اللبناني ، فتكون عازلةً لأي سلاح آخر يواجه جيش الكيان مباشرة …
*وعلى ذلك أيضاً ، ومع التوافق الأميركي الإيراني والتمنع لدى المقاومة من تنفيذ الإنسحاب ، فقد بدأت معالم قواعد الإشتباك بالتغيير ، وبدأت معها خطط المواجهة لإتخاذ وسلوك أهداف أخرى بالضغط الحربي ، وإستخدام بنك الأهداف ، الذي يعتمد على الإستخبارات والمعلومات التي تفيد عن تواجد وتحرك قيادات الحزب ، وحتى من عناصر الحركة وأعوانها ، إذا لم يتم تنفيذ الشروط المفروضة على جنوب لبنان ، لتحقيق تعويضٍ ما عما خسره الكيان في غزَّة …*
وهذا ما تشهده ساحة الجنوب ، بل ما تشهده ساحات لبنان وسوريا ، حيث تتواجد قوات الحزب والمقاومة ، وهذه الساحات باتت مفصولةٌ عن حرب غزَّة وهدنتها وتسوية أوضاعها ، حيث تستمر حربٌ جديدةٌ مع الحزب ، لتمكين تنفيذ قرار /١٧٠١ ، وإنهاء الحالة العسكرية التي أوجدها في هذه البقعة من الأرض …
*وعليه تسري الأمور نحو التصعيد في الأجواء الجنوبية ، بعد التنهيد في الأجواء الغزاوية ، ليتم معها القضاء على وحدة الساحات العسكرية ، والإنتهاء من التهديدات الأمنية ، وفرض مبدأ القتال وفق المعلومات الإستخباراتية ، فتنتهي مهمة قواعد الإشتباك ، لتبدأ معها مهمة أهداف الشاباك …*