السياسة وراء ميقاتي/ بقلم حسن صبرا/الشراع

الشراع 10 اب 2023

وحتى لا يلتبس الامر في العنوان، اسارع الى التوضيح.. بأن الرئيس نجيب ميقاتي قرر ويمارس وصرح بأن السياسة اصبحت خلفي، وانا انتظر اللحظة المناسبة لأخرج من اي موقع سياسي.

وكم كانت نصائح اصدقاء له في مكانها، وقد قالوا  له بوضوح عندما ابلغهم  ابو ماهر ان الفرنسيين يطلبون منه القبول بتكليفه تشكيل الحكومة الحالية..

قال احد الاصدقاء:

 انصحك ان ترفض تشكيل الحكومة، والا تقدم في هذه المرحلة… وانت عملت نائباً ووزيراً ورئيساً للوزراء عدة مرات في هذه المسؤوليات الثلاث، ماذا تريد بعد؟

تابع الصديق كلامه لصديقه الرئيس، وبحضور عائلة ميقاتي:

انك لن تستطيع في هذه الظروف الصعبة ان تقدم شيئًا ، بل هي محرقة لك…

ليختم الناصح نصيحته لصديقه المقرب:

يا اخي اعمل كسليم الحص – الله يعافيه – اترك العمل السياسي، ولا تترك العمل الوطني، فتصبح مرجعية سياسية ووطنية وشعبية.. وتتحلل من المسؤولية الرسمية..

ميقاتي تفهم نصيحة الصديق، لكنه لم يعمل بها، لأن الضغوطات الخارجية للإمساك بالمسؤولية، الزمته القبول برئاسة الوزراء للمرة الثالثة.

واليوم وبعد مرور سنتين إلا شهر واحد، على ترؤوس ميقاتي الحكومة الثالثة التي تحولت منذ نحو عشرة اشهر الى حكومة تصريف اعمال، يجزم ميقاتي ان السياسة اصبحت وراءه، وهو يعد الساعات والايام ليخرج من السرايا الحكومية، بأقل الخسائر الممكنة من محرقة المسؤولية السياسية في هذا البلد الذي لا يرحم ناسه كل من تسلم منصباً مردداً في سره وعلنه قول عمر بن الخطاب:

نصف الناس اعداء لمن ولي  الاحكام.. هذا ان عدل.

ميقاتي النبيه جداً، يدرك ويقرأ حجم التطاول عليه افتراءً، واحجام النقد الموضوعي لممارسته السياسية والاجتماعية ولا يغضب، وطول باله من طول قامته ، وهو يدرك ان بعض التطاول يتم تحت عنوان:

قوم لأقعد مطرحك!

ميقاتي المستمع جيداً لا يجيب (مثلما يطنش عن كثير من الإتصالات الضرورية احياناً) على دعوات مخلصين  محبين له:

ان قدم للبنان انجازات استراتيجية حتى لو كانت شمالية، وحتى لو كانت طرابلسية.

اقدم على تنفيذ قرار تفعيل مطار القليعات ، ففيه خدمة للبناني الشمال وسوريى المدن والقرى  الحدودية القريبة منه، وخدمة لكل من يتحفظ على محيط مطار رفيق الحريرى الدولي، ويبحث عن بديل عملي له.

اقدم على تفعيل معرض رشيد كرامي الدولي، وقد سقطت ضغوطات استخبارات الاسد المحتلة بمنع تفعيل المعرض الطرابلسي حتى لا ينافس معرض دمشق الدولي…

مثلما سقطت ضغوطات هذه الاستخبارات لمنع تفعيل مطار القليعات، ومنع تفعيل وتعميق وتوسعة مرفأ طرابلس حتى لا ينافس مرفأ طرطوس.

ان من شأن هذه المشاريع ان تحدث نهضة اقتصادية واجتماعية وثقافية شاملة في كل الطرق الموصلة من كل لبنان الى الشمال، وتحدث ثورة مواصلات غير مسبوقة ودورات اقتصادية وانفتاح اجتماعي ومعرفي داخلي، وان تنتج قفزة في الفهم الحكومي لكيفية مشاركة القطاع الخاص تحت اشراف الدولة ومراقبتها ( طبعاً ليس في ظل الحيتان الماليين الحاكمين حالياً وهي مشاريع مستقبلية )

يبتسم ابو ماهر وهو كأنه يردد في سره:

وماذا سأقدم بالمقابل لنبيه بري وغيره لتفعيل هذه المشاريع؟

وهل يرضي هذا السوري الذي بات يكرهني؟

وماذا سأترك لسليمان فرنجية اذا جاء رئيسًا؟

يدرك نجيب ميقاتي مسؤوليته الوطنية الصعبة ، وهو ممسك بالجمرة الموقدة، وتعقيدات التعامل مع الصهر الصغير الذي نجح بتطفيش سعد الحريري بعد تفشيل حكومته، وتعجيزه عن تشكيل الحكومة الثانية في عهد عمه..

يدرك ميقاتي بإلتقاطه الاشارات العربية والدولية، ان لبنان بات في آخر سلم اولويات العرب وتحديداً السعودية ومعظم دول الخليج العربي، ما عدا قطر
ويدرك ان ملح الغرب لا يملح طعامه، ويدرك ان لبنان مرتبط ومربوط بتعقيدات مشاكل المنطقة من فلسطين الى سورية الى الخلافات السعودية – الايرانية، الى الخلافات العربية – العربية ، الى الصراع الاميركي – الايراني،  الى الصراع الاميركي – الروسي، الى انقلاب النيجر وصراع الاخوة في السودان

نجيب ميقاتي هو خير من يدرك معنى مقولة صائب سلام: الاحداث تحبل في المنطقة وتلد في لبنان..

ومع هذا فهو ممسك بالجمر ولا يقول الأخ الا ربما في سره او مع مقربين منه،

وخير تعبير عن وجعه هو قوله:

السياسة صارت خلفي.

ولعله يستذكر نصيحة اصدقائه له وهو يردد:

كانت النصيحة بجمل ، وصبر نجيب ميقاتي كصبر جمل

مجلة الشراع