كتب الشاعر والاديب الاستاذ مروان الخطيب ..بين ثقافة الهزيمة وثقافة الانتصار

بين ثقافة الهزيمة وثقافة الانتصار…!

لم تكن هزيمة حزيران 1967م حدثا عابرا في تاريخ القضية الفلسطينية والمنطقة. بل القارئ للتاريخ الذي هو” سجل لأحداث سياسية”، يدرك ومن دون أدنى شك، بأن الهزيمة استوطنت عقولنا وبلادنا وأمتنا، منذ اللحظة التي انتصر فيها الإستعمار بغزونا فكريا وثقافيا، ففعلت فينا تلك الغزوة ما فعلته، حيث برعت في تبديد وحدتنا، وعوضا عن أن نكون أمةً واحدة من دون الناسِ أصحبنا أمما ممزقة ومتصارعة.
والقارئ تاريخ تلك المرحلة، يلمس بشكل واضح أن التَّرويجَ العملاني للقوميَّات، كان مقدمةً لا بدَّ منها لانهاك الوحدة العقيدية للأمة الإسلامية. من هناك برزت الدعواتُ للقومية التركية الطورانية، وللقومية العربية والفارسية والهندية وسواها، وذلك عَبرَ تأسيس الأحزاب والجمعيات على أسسٍ قومية صرفةٍ، ومُستَنِدَةٍ إلى الفكرِ العلماني المقصي الدينَ عن مفاعيله الفكريَّةِ والسياسيَّة.
والمُدقِّقُ في قراءاتِه التاريخية لتلك المرحلة، يجدُ ارتباطاً وثيقا بين هذا الواقعِ المُستَجِدِّ، وبين الأهدافِ السياسية التي كانت تسعى إليها بريطانيا الاستعمارية والحركة الصهيونية، ولا سيما إذا كنَّا اطَّلعنا على وثيقة كامبل بنرمان واتفاقية سايكس-بيكو اللَّتين مهدتا وبشرتا بولادة الكيان الصهيوني على أرض فلسطين، إضافةً إلى ما أفصح عنه وعدُ بلفور المشؤوم في جعل فلسطين وطناً قوميا لليهود.
وإذا قُدِّرَ لنا أن نقرأ المراسلاتِ التي تمت بين الشريف حُسين بن علي ومكماهون، والوعود البريطانية الكاذبة التي وقع في حبائلها شريفُ مكة، لأدركنا مدى المكرِ الإنكليزيِّ الذي لعبَ في أكثر من اتجاه، سعيا سياسيا مكورا وخبيثاً من أجل توجيه الضربةَ القاضية للدولةِ العثمانية بوصفها دولة جامعة لكلِّ المسلمين في الأرض، وبالتالي الوصول إلى إنهاء وجودِها، والاستعاضة عنها بدولٍ وطنيةٍ يكون ولاؤها السياسيُّ لمن سعى في إيجاها، بل لأسيادها المستعمرِين، وإذاك يتحققُ الحلمُ لإنكلترا وشركائها من الدول الكولونيالية والإمبريالية، في هدم الدولة العثمانية وإزالة الخطر الآتي عليهم منها. وبهذا تحقق حُلم وستفاليا ومستلحقاتِها التي كانت بين القرنين السابع عشر والعشرين.
وعند هذا الحد، أصبحت السبيلُ سالكةً لإنشاء الوطن اليهودي في فلسطين، وطرد أهليها وتشتيتهم في دول الجوار وفي كل أرجاء الأرض.
وهنا، تعودُ بنا الذاكرةُ إلى ما سمعناهُ من الآباءِ والأجداد، وما قرأناهُ في بعضِ المصادر والمراجع التي عُنيتْ بالكتابة عن نكبةِ فلسطين وأهليها سنة 1948م، حيثُ شكَّل دخولُ جيش الإنقاذ العربي إلى فلسطين، إحدى الآليات التي خدمت المستعمر البريطاني في تنفيذ وعد بلفور، وأقامة الوطن القومي لليهود فيها!.
وبهذا نفهم بأنَّ الترويجَ للفكرِ القومي والوطني في عالمنا الإسلامي، جاء تمهيدا لإسقاط الدولة العثمانية التي حالت دون سقوط فلسطين بأيدي الحركة الصهيونية. ولعل تذكرنا ما قاله السلطان العثماني عبد الحميد الثاني لزعيم الحركة الصهيونية صموئيل هرتزل ردا على طلب الأخير استقطاع جزءٍ من أرض فلسطين لإقامة اليهود فيه:” والله لعملُ المبضع في جسدي تمزيقا وتقطيعا، أهونُ عندي من أن أقتطعَ شيئاً من أرض المسلمينَ، وليسَ ملكَ يميني بل ملك الأمة جمعاء”.
وعليه، نفهم بأنَّ نجاجَ المستعمر والحركة الصهيونية في تكريس وجود الفكر المُمَزِّق على حساب تغييب الفكرِ الإسلامي المُوحِّد والجامع، كان المقدمة التي مكَّنتْ من إقامة دولة الكيان الصهيوني في فلسطين السليبة، وهو ما قاد إلى بروز هذه الهزيمة وما تلاها من هزائم ومنها هزيمة حزيران عام 1967م، والتي أبانت لنا عورات الأنظمة الوطنية ونجاح العدو في اختراقها سياسيا وفكريا وأمنيا!.
وبناءً على كلِّ ما تقدَّم ذكرُهُ، فإننا نقولُ وبفكريَّةٍ عميقة عَبرَ قراءة التاريخ: إنَّ فلسطينَ قضيةٌ إسلامية، ولم يستطع المستعمر الماكر سلبها وإقامة كيان يهود فيها، إلا حين أجهز على انتمائها الإسلامي من خلالِ إسقاط وتغييب حاميها وراعيها، وبالتالي فإنَّ الحقَّ في فلسطين سيبقى سليبا، ما لم تعدْ فلسطين إلى سابق عهدها وتعود إلى حضن أمتها، وأن تعود هذه الأمة إلى وجودها السَّابق والوازن، وتقوم بإستعادة حقها الضائع في فلسطين، والذي ما تحقق ضياعُهُ إلَّا حين ضاعتْ الأمة وانهزمت وحدتها على أساس عقيدة الإسلام العظيم!.

مَروان مُحمَّد الخطيب
2/6/2023م