“روسيا والإسلام”/ محمد المشهداني/الشراع

الشراع 22 اذار 2023

 

اكبر دول العالم مساحة واحدى وأكثرها تأثيرا في تاريخ الفكر والسياسة ، نعرف وجه روسيا كمهد ومركز الاشتراكية ومعقل المسيحية الأرثوذكسية ،الا ان لها وجها آخر هو الإرث الإسلامي.

الإرث والدور الكبير للإسلام والمسلمين هناك امتد من ضفاف نهر الفولغا ، ليصل مداه إلى أطراف الدولة المترامية الأطراف.

وصل الإسلام إلى أعتاب بلاد القوقاز خلال القرن السابع ،بعد أن هزم المسلمون الإمبراطورية الساسانية ،وتأسست حواضر إسلامية في القوقاز وخوارزم وما وراء النهر ..واستمر انتشار الإسلام في المنطقة بفضل التجار المسلمين .
تشير بعض المصادر إلى وصول الإسلام إلى قبائل البلغار او بلغار روسيا على ضفاف نهر الفولغا في روسيا خلال القرن التاسع تقريبا ،حوالي نصف قرن من وصول المسيحية إلى هذه الأراضي. تعزز حضور الإسلام حين قررت مملكة بلغار الفولغا ان يكون الدين الإسلامي دينا رسميا لها فبعث حاكم الفولغا”أليش” إلى الخليفة ،يطلب منه ان يرسل إلى بلاده من يفقهم في الدين ويبني لهم مسجدا ،ومن هنا أصبح الإسلام داخل الأراضي التي ستصبح لاحقا روسيا ،بقي التواصل بين مسلمي البلغار والروس على الرغم من الحروب والخلافات بينهما حتى ارسل “الأمير فلاديمير حاكم روسيا”. يطلب اعتناق دين سماوي يختاره لرعيته فجأءه المسلمون البلغار والمبشرون من المسيحية واليهودية ، وعلى الرغم من إعجابه ببعض المفاهيم الإسلامية وقع الاختيار على المسيحية الأرثوذكسية. تقول بعض الروايات ان سبب استبعاده للإسلام هو تحريمه الخمر.
تعقدت علاقة المسلمين بالروس مرة أخرى،  فيما بعد في القرن 13. فقد غزت المغول تلك المنطقة بما فيها. مملكة البلغار المسلمين والأراضي الروسية لكنهم اختلطوا بالسكان وآسسو
“إمارة القبيلة الذهبية” وصل حكم الإمارة “لبركة خان التتار” الذي كان أول من اعتنق الإسلام من سلالة “جنكيز خان” وأصبح الإسلام لاحقا دين الإمارة الرسمي .وازداد انتشاره ليرى البعض أن تلك الفترة من الزمن خلقت عداء روسيا اتجاه المسلمين ،حيث نشطت محاولات مقاومة الحكم المغولي. وظل الروس تحت إمرة وحكم المغول المسلمين. حتى هزمهم “امير موسكو ديميتري” عام 1380. تفككت خانات القبيلة الذهبية” وبدأ الحكام الروس سياسة توسعية لضم أراضي المسلمين فكانت ذروة ذلك حين سيطر “القيصر ايفان الرهيب” على خانية قازان المسلمين” في القرن 16. وأصبح قمع القياصرة للمسلمين ممارسة منهجية مستمرة حتى وصول
“الامبراطورة كاترينا الثانية” التي انتهجت سياسة متسامحة فمنحتهم السلطة على اوقافهم ،وحاولت إدخال قيادات المسلمين في جهاز الدولة الإداري. ثم توترت الأجواء مجددا. بما عرف ب” حروب القوقاز” مع سعي الروس لفرض سيطرتهم على شمال بلاد القوقاز المسلم ،فقوبلوا بمقاومة شرسة قادها ” الأمام شامل ” وكانت الصوفية احد اهم محركاتها ،وعاد الحكام بعد كاترينا التضييق على المسلمين ،وتجلى ذلك في محاولات التنصير وسحب امتيازات المواطنة من المسلمين في آسيا الوسطى ، وعلى الرغم من ذلك صمدت العقيدة الإسلامية في مختلف أرجاء روسيا وآسيا الوسطى .ونشأت في أواخر القرن 19حركات إصلاحية قادها رواد مسلمون تجديديون مثل
“شهاب الدين مرجاني و ابو النصر الكرساوي” وغيرهم وتغير المشهد السياسي والثقافي الإسلامي في روسيا مع تأسيس “نظام التجديدية” على يد “اسماعيل غاسبرينسكي” الذي قاد حركة لإصلاح مدارس المسلمين بدأت في القرم وانتشرت في عموم وانحاء روسيا حتى انطلق النشاط السياسي للمسلمين ضد القيصرية من أبرزها.
“احتجاجات 1905”. كانت مشاركة المسلمين بشكل كامل وفاعل وبحلول شهر أكتوبر من العام نفسه تأسس
“حزب اتفاق المسلمين” ثم تفرعت عن “حركة التجديدية” تيارات وحركات وأحزاب أخرى. مثل “البخاريون الجدد” و
“الخيوان الجدد” .
الغضب المتنامي اتجاه القيصرية جعل انضمام المسلمين للثورة عام 1917أمرا طبيعيا ,وكان تعدادهم وقتها 25 مليون نسمة. أسقطت الثورة “حكم آل رومانوف القيصري” واخذت الأراضي من أيدي وسلطة القيصر والنبلاء وإعادتها إلى الدولة ,ومهدت لتجربة “الحكم الشيوعي” للمرة الأولى الذي كان نواة لتأسيس
“الاتحاد السوفيتي” انضم كثير من قيادات المسلمين التجديديين” إلى الهيئات والمؤسسات السوفيتية الجديدة. وتشكلت “قوميسيارية الإسلام” التي كانت بمثابة وزارة.
واستمرت المحاكم الشرعية في عملها في القوقاز وآسيا الوسطى وانتشرت محاولات فكرية من المسلمين للتقريب بين” الإسلام والشيوعية” كان من أبرزهم محاولات
“مير سعيد سلطان غالييف” أحد أبرز كوادر
“الحزب الشيوعي” الذي وضع نظرية “الشيوعية الإسلامية”.
والذي كان له دور محوري في تعبئة الجهود للنضال البلشفي. خلال الحرب الأهلية التي تلت الثورة كان غالييف يرى أن صراع المسلمين يمثل جانبا من الظلم الطبقي ،الذي جاء البلاشفة لرفعه بما شجع المسلمين من أنصار هذه الأفكار على إقامة “السوفييتات” وهي مجالس عمالية منتخبة محليا . وتشير بعضها إلى انتشار شعارات مثل تحيا
“السلطة السوفييتية” وتحيا الشريعة” امتدت “الثورة البلشفية” خارج الحدود الروسية. حتى لاقت أفكار الشيوعية. رواجا في مناطق إسلامية من آسيا رأت فيها التحرر من الاستعمار.  بعض المفكرين المسلمين رأوا تقاربا بين الأفكار الإسلامية والشيوعية. حتى ان
“مولوي محمد بركة الله” رأى تماثلا بين روح أفكار ماركس والديانات السماوية لكن هذا التوافق لم يدم طويلا فمع تدهور صحة “الزعيم السوفييتي والشيوعي فلاديمير لينين”.
ازداد الصراع داخل صفوف البلاشفة وانتهى بصعود “الزعيم السوفييتي جوزيف ستالين” إلى السلطة ومع ستالين جاء التضييق الشديد والعنيف على الحقوق القومية والدينية. أطلق ستالين حملة للقبض على رفاقه البلاشفة ممن خالفوه الرأي على رأس من بدأ بهم كان
“مير سعيد سلطان غالييف” الذي طرد من الحزب وواجه الإعتقال بتهمة دعم أقليات قومية ضد السوفيات ، ومنذ تلك المرحلة توجه ” الحزب الشيوعي” إلى محاربة الأديان فهدمت المساجد وطرد الموظفون الذين يؤدون الصلاة خلال أعمالهم وبعد انهيار الاتحاد السوفيتي. نمت مشاعر المقاومة لدى بعض الجمهوريات الإسلامية التي كانت ضمن الاتحاد السوفياتي ، و اندلعت حروب طويلة بينهما وبين حكومة موسكو الاتحادية.
اليوم تضم روسيا عدة هيئات دينية إسلامية ،تنظم الفتوى وغيرهامن الأمور ، وحسب تعداد للسكان.عام 2002. بلغ عدد المسلمون حوالي 14،5 مليون 10 بالمئة ويمثلون المسلمون الأغلبية في 7 أقاليم روسيا الاتحادية.
محمد المشهداني _ الشراع
العراق