وزارة التربية والانهيار الكبير

كتب (عامر ارناؤوط)

انتصاف شهر تشرين الاول من كل عام، يؤذن باستقرار انطلاقته في قطاع التربية عموماً، ونحن اليوم نشهد في تشريننا الحالي 2022، على ظواهر ثلاث مميزة، غير مسبوقة قبل الآن.

 

 

أولها ضمور كتلة طلاب القطاع العام، وخسارته لأكثر من 23%من تعداده، المسجلين من العام الماضي 2021/2022 ، والملفت أكثر هو أن تركيز هذه النسبة، جاء في القطاع الأقوى منه وهو القسم الثانوي، حيث تشير المعلومات، أنه قد خسر أكثر من 31000 طالب من طلابه، وبمعدل يمثل 37%، وهذه أكبر خسارة يمر بها هذا القطاع الثانوي، الذي يمثل العلامة الفارقة الوحيدة المتماسكة، لدى التعليم العام كونه يشكل حالة منافسة حقيقية للقطاع الخاص، الذي كسب في هذه المرحلة بفعل تداعي القطاع العام، ليكون البديل لدى الأهالي، خاصة بعد مرور ثلاث سنوات، تخبط بها التعليم العام، فكان اداؤه غير مرض للأهالي، الذين ما زالوا حتى اليوم، يتمسكون بأمل لبنان الباقي، ألا وهو التربية والتعليم درع لبنان، وسياجه الوحيد، بإزاء هذا التسونامي الذي نعيشه اليوم.

ثاني هذه الظواهر، هو تسجيل تخبط كبير في أداء وزارة التربية، ووزيرهاالقاضي الدكتور عباس الحلبي، الذي رفع أسقفاً عالية جداً، وبدأ بإسقاطها واحداً تلو الآخر، وصولاً إلى إعلان عجزه الكامل، في مقابلته الأشهر مع الاعلامي مارسيل غانم، في برنامج صار الوقت، حيث أعلن أن القطاع الخاص، أكبر من قدرته على ضبطه، وأنه لا يمكنه أن يمنعه من فرض ما يشاء على الأهالي، الذين دعاهم إلى أن يعترضوا ليساعدهم إن استطاع في التفريج عنهم، مع علمه أنه لا يقدر بحكم القانون، وعجز الواقع عن مواجهة القطاع الخاص، الذي أعلن صراحة مع ذلك أن اللبنانيين، ما زالوا يثقون به ويقبلون عليه.

أما الظاهرة الثالثة، الأكثر غرابة فهي إعلان معالي وزير التربية، أنه لا يقبل بخطة الأمم المتحدة، القاضية دمج النازحين السوريين، في التعليم الأكاديمي العادي في لبنان، معتبراً أن ذلك يتعارض مع سياسة حكومته، ومبادئها الوطنية، ما جعل الوزارة تتخذ سلسلة من القرارات غير المدروسة، بحق النازحين، وحتى المقيمين السوريين فهم بشكل نظامي أقرب إلى العنصرية.

ما أحرج الحكومة، وجعل القطاع الخاص يشعر أن معاليه يعاديه، ويقف في وجهه عبر حرمانه من آلاف الطلاب القادرين على تسديد الرسوم المدرسية، الذين لن يؤثروا على مسيرة عمله، وسياسته التربوية، أو التعليمية، مع العلم أن معظم البلدان العربية، تعطي المقيم في بلادها الحق في التعليم في القطاع الخاص، وتمنع عليه التعليم في القطاع العام، الذي تخصصه لمواطنيها، وخصوصاً أصحاب الدخل المحدود منهم.

مع العلم أن وزارة التربية، عادت عن قراراتها، ولم نعلم حتى الآن، لماذا منعت؟ ولماذا عادت عن منعها؟ وأين المصلحة التي حققتها للقطاعين العام والخاص؟؟!!.

انطلاقاً من هذه الظواهر الثلاث البارزة، في مسيرة العام الدراسي الحالي 2022/2023 ، فإننا نعتبر أن وزارة التربية، باتت خارج معادلة الضبط العام للمسار التربوي اللبناني، ما يرخي بظلال المسؤولية الأكيدة على القطاع الخاص، الذي عليه أن يسدّ هذه الفجوة، وهذا يرتب على السادة النواب إعداد مشروع قانون معجل مكرر، لتشكيل مجلس وطني للتربية والتعليم، يدير هذا القطاع، ويطور مبانيه ويحفظ أركانه، ويرعاه ليتجاوز أزماته الحالية.

اما النقطة الثانية، التي لا بدّ منها فهي، ضرورة أن يتولى وزارة التربية والتعليم العالي، وزير متخصص يخرج من صلب الواقع التربوي، يفهم المعاناة بشكل جيد وواقعي، ليضع كل جهوده في خدمة الإنقاذ التربوي، الذي يعد أكثر من ضرورة في بلد يتحضر لاستقبال أولى موجات التسرب المدرسي، الذي قد يستمر لسنوات خمس، مخرجاً من الكتلة التعليمية أكثر من 130ألفاً، ما يعيدنا إلى حجم الثمانينات من القرن الماضي، ويعيق التنمية بطبيعة الحال، ويؤخر النمو، ويزيد من التعقيدات الإجتماعية.

انطلاقاً من كل ذلك،فإن على لبنان أن يتقبل إضافة أزمة بحجم وطن، إلى أزماته المادية، والاقتصادية، والسياسية، والإدارية، والاجتماعية، وهي الأزمة التربوية، التي لا تقل عن سابقاتها، ويجب أن تكون حاضرة وبقوة على طاولة البحث الوطني السيادي المستمر.

فلا وطن بلا مواطن، ولا مواطن بلا مدرسة وطنية، وتربية مسؤولة، وعلم نافع.

فهل من يستجيب؟!.