الخدمات الاعلامية

هل يمكن أن يتحقّق السّلام بين الإسرائيليّين والفلسطينيّين؟

إذا فتّشنا قي قواميس العالم كلّه عن معنى لكلمة السّلام، فلن نجد أيّ تعريفات مختلفة لهذه الكلمة؛ أمّا في قاموس الصّهاينة، فللسّلام معنى آخر.السّلام الّذي تريد إسرائيل فرضه هو سلام خاص بها، تحيكه على مقاسها العسكري، وتبتدعه على مزاجها الذاتي، وهو يعني الاستيلاء على الأراضي الفلسطينيّة، والهيمنة على الشعب الفلسطيني وتركيعه وإذلاله والقضاء عليه، وتسيّد الإسرائيلي في كل بلاد العرب، والنّظر إلى الفلسطينيّين والعرب كـ«عبيد»، لا كمواطنين لدول مجاورة.
ولعلّ هذا المفهوم الصّهيوني المتحيّز و«المتطرّف» هو في الأساس الّذي أدّى إلى غياب احتماليّة تحقيق السّلام على أرض الواقع، على الرّغم من محاولات عدّة لتكريسه والمناداة به.
فكيف يمكن أن يتحقّق السّلام بين الإسرائيليّين والفلسطينيّين؟
للإجابة عن هذا السّؤال، قد يكون مفيداً «النّبش» في تاريخ ما يسمّى «دولة إسرائيل»، وما سبقها من أسس نظريّة وعمليّة قام عليها هذا الكيان، عندما خطّط المؤسّسون، بدأب وإتقان، منذ نهاية القرن التاسع عشر، لتأسيس وطن قومي لليهود، وعادوا وأكّدوا أنّهم يريدون تأسيس دولة تكون بأكثريّة مواطنيها من اليهود، لتبدأ من بعدها حملات تنظيم هجرة اليهود من كلّ دول العالم إلى أرض فلسطين، في مقابل تهجير السّكان الأصليّين منها، عبر المجازر والتّطهير العرقي، إلى حدّ دفع بأوّل رئيس وزراء لإسرائيل، ديفيد بن غوريون، إلى الاعتراف بأنه «لولا مجزرة دير ياسين لما قامت إسرائيل».
لقد اعتمد الإسرائيليّون على المجازر والإبادات والجرائم، لتأسيس «دولتهم» أو بالأحرى «تجمّعهم الاجتماعي». ولا عجب في ذلك، فكل من يراجع تاريخ الكيان الصّهيوني يرى أنّه مليء بالانتهاكات اللاإنسانيّة والإجرام الوحشي، وهذا يشبه ما كانت تقوم به بعض الإمبراطوريات الّتي اتّبعت سياسة النشوء بالقوة، وهو تماماً ما يفعله الإسرائيليون اليوم لتثبيت كيانهم على أرض فلسطين الّتي اغتصبوها.
وعلى الرّغم من كلّ محاولات السّلام والاتّفاقات الّتي بدأت منذ أوائل تسعينيّات القرن الماضي، بين إسرائيل والعرب، مع مؤتمر مدريد للسّلام عام 1991 برعاية غربيّة، ثمّ اتفاقية أوسلو مع السّلطة الفلسطينيّة، فالسّلام لم يحدث.
وفي عام 2020، عرض بنيامين نتنياهو والرئيس الأميركي السّابق دونالد ترامب، مشروع «صفقة القرن» الّتي تناقش مصير المناطق الفلسطينيّة وتقرّرها، بمعزل عن الفلسطينيّين أنفسهم ومن دون مشاركتهم. ثمّ جاء التوقيع على «اتفاقيات أبراهام» في أيلول من العام نفسه، بين إسرائيل وبعض دول مجلس التّعاون الخليجي، وأصبح تحقيق «السّلام الكامل» لا يحمل إلا معنى واحداً بالنّسبة إلى إسرائيل، وهو «التطبيع الكامل». ‏فماذا يمكن لإسرائيل أن تقدّم للعرب في المقابل؟ هل تعيد الأرض المحتلّة إذا لبّى العرب رؤيتها في التطبيع؟
وإسرائيل لم تعتمد أبداً على خطّة سرّية لتنفيذ «سلامها»، فمخطّطها معروف وأفكارها مكشوفة. ففي كتابه المعنون بـ«مكان تحت الشمس» (1995)، كتب نتنياهو أنّ إسرائيل سوف توقّع على اتّفاقيات سلام مع دول المنطقة وسط التّغاضي عن الفلسطينيّين الذين، في نهاية المطاف، سوف «يستسلمون ويتنازلون عن تطلّعاتهم الوطنيّة». كما أكد في كتابه «قصة حياتي» (2022) ثباته وإصراره على «خدعته العبقرية» إياها، فكتب: «إنّ الطريق إلى السّلام لا تمرّ عبر رام الله، وإنّما تتجاوزها».

إنّ «وهم السّلام» الذي تعِد به إسرائيل هو سلام مبنيّ على فكرة التفوّق والهيمنة والتبعيّة، لا على فكرة الندّية والعدالة والمساواة. لذا، ليس هناك أي بادرة أمل لتحقيقه مع إسرائيل. فمن ناحية، إنّ إسرائيل غير مستعدّة للقبول بحلّ الدولتين، ولا حتى القبول بحلّ الدّولة الواحدة. فلو كانت راضية بحلّ الدّولتين، لكان تحقّق التّقسيم منذ عقود من الزّمن، وذلك لأنّ هذا الحلّ سيجبرها على التخلّي عن الكثير من الأراضي الفلسطينيّة المحتلّة للفلسطينيين، وعن مستوطناتها المزروعة في الضّفة. كما أنّ إسرائيل لن ترضى بحلّ الدولة الواحدة التي ينعم فيها الشّعبان بحقوق متساوية، وذلك لأنّ هذه الفكرة تناقض مبادئ الصّهيونية الأساسيّة.
فكيف يمكن إقامة سلام مع طرف غير راغب فيه أصلاً، ويعتبره تهديداً وجودياً له، وسط محيط شعبي رافض له؟
وهل يمكن التّصديق بأنّ إسرائيل هي هذا الجار «الطيّب» الذي يبشّر العرب بسلام «يخرج من رماد القتلى والشّهداء»؟ وما الفرق بين ما تقوم به إسرائيل اليوم من قتل وإبادات جماعيّة وبين قصف غزّة بالقوّة النوويّة؟
لقد أصبح جليّاً للجميع أنّ إسرائيل لا تريد أقلّ من إبادة الشّعب الفلسطيني، وأنها لا تفكر قطّ في السّلام، وقد أثبتت نيّتها الشرّيرة عبر أقوالها ومخطّطاتها، فأيّ سلام يتحقّق عن طريق الحروب والقتل والدّماء؟ وأيّ سلام ننشد عندما يعتبر المخطّط الصّهيونيُّ، الفلسطينيَّ والعربيَّ – «حيواناً بشرياً»؟
وكيف يمكن أن نتوقع إحلال السلام مع كيان لا ينظر إلى الضحايا الفلسطينيّين كبشر لهم أسماء وسير حياة، أو أي مظهر من مظاهر تقدير الإنسانيّة والتفرد الشّخصي؛ بل يذكرهم كأرقام تقريبيّة وإنجازات يضيفها إلى سجلّه الملطّخ بالجرائم والدّماء؟ ومن يقنع الوالد الذي استصدر شهادة ولادة ووفاة ابنه بفارق ساعات، أن يصافح من قتل ابنه ويعيش معه تحت سقف واحد؟ وكيف يمكن لشعب تعرّض لشتّى أنواع التّعذيب والقهر، والذلّ والتّشريد، أن يتصالح مع من مارس عليه ساديّته ووحشيّته، ويتقاسم معه رغيف خبزه، ثم ينام قرير العين؟ فما نامت عيون الجبناء…
وحتى لو حصل ذلك، هل يستطيع أحد محو الذّاكرة الجماعيّة وصفحات التّاريخ، واستبدالها بقصائد شعريّة عن «الإبراهيمية» و«الشرق الأوسط الجديد»؟ أوليست إسرائيل التي ترتكب أعتى وأعنف حرب إرهابيّة في فلسطين مستهدفة بشكل أساسي «الأطفال» أي أجيال المستقبل هي «صانعة الإرهاب»؟
وحده «الصّمود» مع المقاومة وبندقيّتها هو الذي سيكتب التّاريخ.
إيمان درنيقة الكمالي

* أستاذة جامعيّة

 

من ملف : خطة إسرائيلية – أميركية لـ«ما قبل اليوم التالي»

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Here you can just take everything you need for efficient promotion and get the job done well. o’tishingiz Surprisingly, this is not the same as the circumstance with Mostbet. agar o’yinchi MostBet in Bangladesh offers a plethora of pre-match picks in over 20 different sports. o’yin boshlanishidan oldin This means you may use the mobile version to safely make deposits and withdrawals. dasturi