الخدمات الاعلامية

من اوراق حسن صبرا / الأول من آب 1982 في بيروت/الشراع

الشراع 1 آب 2022

في الرابعة فجراً وكنت نائماً في منزل اهلي المطل على مبنى الشراع، في المصيطبة ، على بعد خطوات من مخرج نفق سليم سلام…

وكان والدي رحمهما الله توجها مع  اشقائي جميعهم الى بلدتنا حداثا ، في قضاء بنت جبيل مع بداية الغزو الصهيوني ، بدأ اطلاق المدفعية الثقيلة على بيروت من المواقع التي احتلها الصهاينة جنوبي بيروت ، وكان هذا تقليداً يومياً منذ ان حاصر العدو الصهيوني سيدة العواصم بدءاً من منتصف شهر حزيران /يونيو 1982.

حضنت اصوات المدفعية في نومي، كمن يحضن قطاً خائفاً لا يعرف اين المفر..

حتى كانت الساعة السادسة صباحاً ، فإذا التقليد يتكرر وهو انطلاق الطيران الصهيوني فوق بيروت من جديد..

فغادرت سرير والدي الى مدخل البيت حيث استلقيت على صوفا محاولاً النوم ، وفي السابعة تماماً غادرت مضجعي الى الحمام، فإذا هاتف المنزل يرن ، توجهت الى السماعة مجيباً وكان صوتاً مألوفًا يصدمني بلهجته الحلبية المحببة الى قلبي صارخاً :

يا مجنون!

شو عم تعمل عندك بالبرج العالي؟ (ومنزل الاهل في الطابق الخامس مكشوف من كل النواحي ) انزل الجميع بالملجأ
والجميع هم سكان شارع داوود ابو شقرا ، الذين اعتمدوا ملجأ الشراع الذي جهزناه منذ الايام الاولى للاجتياح الصهيوني لنهرب اليه من احتمال القصف ، وقد استقبل اولاً العاملين في الشراع وعائلتي وعائلات الشارع واصدقاءنا في الشوارع القريبة ومنهم الصديق الراحل د عبد القدوس المضواحي ومحمد خليفة وعلي فتال ومخلص صيادي..

وقبل ان افتح باب المنزل لنزول خمس طبقات هزني ودفعني الى مدخل الدار صدى صواريخ اطلقها العدو الصهيوني ، دمرت جدار سطح مبنىً لا يبعد عن مبنى سكنى اكثر من عرض الشارع ، مما ألزمني ان امسك حنفية مغسلة على مدخل الدار حتى لا اسقط ارضاً…

نزلت الى الشارع وكانت الساعة تجاوزت الثامنة صباحا ، ولم اصدق نفسي ، فنحن في الاول من آب وفي الثامنة صباحاً لكني كنت انظر الى ما حولي والسماء لأظن ان الغروب داهمنا من شدة الغبار والدخان من آثار قصف العدو الصهيوني لبيروت…

لتقول اذاعة الجيش الصهيوني ان إسرائيل قصفت بيروت بما مجموعه 175 الف قذيفة براً وبحراً وجواً
نزلت ملحأ الشراع لالتقي الاصدقاء والزملاء…

لنمضي فيه تسع ساعات حفرت في ذاكرتي بوقائع افخر بها كما من معي واسجلها للتاريخ والوفاء:

١- تلقيت اتصالاً هاتفياً من صديقنا د اسعد النادري من باريس.. وكنا نقلنا  الهاتف الدولي في مكتبي  الى الملجأ ،  وهو يحدثني باكياً،  بأن ما يشاهده عبر شاشات التلفزيون الفرنسي عن سقوط آلاف الضحايا اللبنانيين والفلسطينيين نتيجة القصف الصهيوني.

٢- اتصلت من الملجأ بالمناضل الناصري عبد الهادي ناصف الى القاهرة لأسأله ان يزودني بأي خبر .. للنشر فسألني مستنكراً : يا ابو علي..

الناس بتموت ونت عايز اخبار؟

انت حتنشرها فين؟

اجبته:

في المجلة ،

فرد متسائلاً : مجلة ايه؟

قلت: الشراع ,

فعاجلني بسؤال : هي لسه بتصدر؟

فلما اكدت له ذلك انفجر ابو عمرو رحمه الله بالبكاء وراح يتحدث باللوم على نفسه وكل الحكام ويردد : والله العظيم انتو ابطال

٣- سألت عن الاخ عمر حرب فقيل لي انه يحول على الجبهات العسكرية وكان هو رأس الاتحاد الاشتراكي العربي السياسي والعسكري ، وكان الاتحاد الذي تسلم مدفعية 130 من ليبيا نشرها على كل جبهات المواجهة مع العدو الصهيوني وكلها مقابل البوارج الصهيونية المحيطة ببيروت
لم اشعر في حياتي بالقلق والخوف على عمر كما شعرت في ذلك اليوم…

فهل يتخيل الانسان وهو في الملجأ ان صديقه الاحب وزميله الاقرب يجول على جبهات القتال في هذا اليوم الطويل؟

جال عمر حرب بطلاً مع ضابط عراقي طيار كان معنا وعاش معنا على جبهات القتال مع عمر .. فكان ابو صالح وابو حسين مغامرين قائدين بطلين ، في يوم مشهود ليس في بيروت فحسب ، بل هو في تاريخ الصراع مع العدو الصهيوني يوم مشهود لن يتكرر

جال عمر حرب القائد العسكري على جبهات القتال في ذلك اليوم وحدثنا حين مر الى ملجأ الشراع لبعض الوقت عن اصابة المناضل الاخ ملحم الحجيري الرابض على جبهة السمرلاند عند مربض مدفع 130 ( ملحم الحجيري الآن هو نائب في كتلة الوفاء للمقاومة ، كم هو وفي هذا المناضل للمقاومة )

٤- من طرائف احاديث الملجأ ان د المضواحي طلب عند الساعة الثالثة بعد الظهر ان نتصل بفندق البريستول لطلب طعام للجميع ، وكنا نظنه مازحاً اول الامر ، فلما اصر جدياً قلنا له : يا ابو ايهاب ، الاعلام تحدث عن استهداف قذيفة صهيونية الفندق منذ بعض الوقت ، وانت تريد المغامرة بالذهاب اليه لجلب الطعام؟

  • وقف اطلاق النار

انها الخامسة مساءً ، لحظة وقف اطلاق النار ، بعد قصف استمر ثلاثة عشر ساعة … لتنطلق الناس الى الشوارع متفقدة آثار الدمار والقصف بكل انواع الأسلحة الصهيونية..

ولم اكن اتخيل انني سأجد سكان بيروت في هذا الوقت بهذه الحشود وهذه الفرحة  والاحتضان والتهاني بالسلامة ،، حتى ظننت ان العصافير اطلقت من اقفاصها التي تسجنها …هنا تذكرت عصافير الجيران والزهور ، وقد اؤتمنت على ان اوفر الماء والطعام العصافير والزهور فتوجهت من بين الجموع الى المنازل التي سلمني اصحابها مفاتيحها ، وقد تركوا بيروت الى الجبل والمنطقة الشرقية والجنوب لأسقي زرع هذا وعصافير ذاك ،وكانت فرحتي كبيرة انني وجدت العصافير داخل اقفاصها تنتظرني ، وقد هب بعضها لاستقبالي وانا ارمي لها حبوباً وماءً واطمئناناً بعد يوم عصيب زهق بها العدو ارواح الناس…

فكيف العصافير

 

 مجلة الشراع

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Here you can just take everything you need for efficient promotion and get the job done well. o’tishingiz Surprisingly, this is not the same as the circumstance with Mostbet. agar o’yinchi MostBet in Bangladesh offers a plethora of pre-match picks in over 20 different sports. o’yin boshlanishidan oldin This means you may use the mobile version to safely make deposits and withdrawals. dasturi