حرية وعدالة ودستور “دقّي يا مزّيكا”!! بقلم حكمة أبو زيد/الشراع

الشراع 21 شباط 2022

​في حمّى الفوضوية التي رافقت الثورة الفرنسية ، والارتكابات المروعة التي عاشها الفرنسيون يومها ، كتبت جريدة ” لو مونيتور” مقالا” صاخبا” قالت فيه: ” بلغنا وقتا” لم يعد ممكنا” لنا فيه أن نسترجع الحرية والعدالة والدستور الذي يضمن الإثنتين ..”
​ساءلت نفسي وأنا أقرأ هذه الجملة التي نشرها الوزير السابق المثقف، والمطلع، جوزف الهاشم، في مقاله الاسبوعي في جريدة “الجمهورية” يوم الجمعة بتاريخ 18-2-2022 ، هل ما نشرته الجريدة الفرنسية يختلف عن الوضع الذي يعيشه لبنان هذه الايام؟ وهل الشبه بين ما كانت عليه فرنسا زمن ثورتها “الباستيلية” وما هو عليه لبنان اليوم هو من “ثوابت” التشابه في الكثير من الامور بين وطن الارز و”أمه الحنون” فرنسا ؟!
​كان الرئيس سليم الحص يقول ” في لبنان كثير من الفوضى وقليل من الحرية” ومعنى قوله أن ممارسي الحرية في لبنان حوّلوا ممارستهم الى نوع من الفوضى تهدد حرية الآخرين ولكن تحت شعار ممارسة الحرية !! وهكذا صار الاعتداء على مخالفي الرأي حرية!! وشتم الخصم السياسي حرية نشر!! وتدمير الممتلكات العامة والخاصة حرية التعبير عن الرأي !! وقمع الصوت المعارض صوت القبيلة الطائفية أو الحزبية حرية حماية “المجتمع” من الشذوذ والانحراف !! الى الآخر مسلسل هذه “الحريات” !
​وحتى لا نختلف بشيء عن “الام الحنون” كان علينا أن ندقّ بالعدالة، وأن نتطاول على ممثليها ورعاتها ، الذين هم القضاة المطلوب منهم أن يحموا الناس والاموال والممتلكات ، وان يحكموا بالعدل ، حتى ولو كان في حكمهم انهاء  حياة مخلوق بشري. ولذا عبرت العيون على القضاء، وصار القضاة مكسر عصا و”هات ايدك والحقني” .امّا الأسوأ والاخطر على العدالة فهو وجود فئة من القضاة خاضعين لقوى سياسية ، وطائفية، ومذهبية، ويشاركون ، بممارساتهم ومواقفهم في حملة تشويه العدالة وتدنيس قدسيتها. وهذا ما دفع القضاة الاطهار والنبلاء الى رفع الصوت احتجاجا” وتهديدا” بالتوقف عن العمل حماية للعدالة.
​واعتقدنا نحن “الغلابى” المساكين ، المؤمنين بالحرية والممتثلين للعدالة، أن هناك مرجعية نلجأ إليها لتقويم الاعوجاج وحماية البلاد والعباد من طوفان “حرية الفوضى” وانتهاك حرمة العدالة وتعطيل قراراتها التي تصدر باسمنا أي نحن الشعب المغلوب على أمره ، الصابر على ضرّه، وأن المرجعية المنشودة ، هذه ، هي الدستور سيد القوانين وتاج رؤوس السلطات كلها. وهنا كانت الصدمة التي لا أوجع منها . فالدستور صار ” وجهة نظر” ولم يعد نصا” يقارب القدسية كما عند الشعوب المتحضرة والدول الراقية.
​مواد الدستور ، عندنا ، هي على قاعدة “كل مين ايدو إلو” وكل مسؤول أو مجتهد دستوري يغني على ليلى ميوله السياسية والحزبية والمذهبية والمصلحية أيضا”. والمخجل أن كل جهبذ من هؤلاء يضرب يده على الطاولة ويصرخ :” أنا من يفسّر الدستور وليس أحد غيري ..”!! ويتناسى هؤلاء ان مجلس نوابنا الموقر الذي صاغ دستورنا النافذ – هيك مفروض – هو صنيعة الهيمنة السورية على لبنان وأنه هو من نقل صلاحية تفسير الدستور من المجلس الدستوري الى عباقرة مجلس ساحة النجمة في الفقه الدستوري. وما في لزوم الحكي عن ابداعات النواب التشريعية!!
​جريدة ” المونيتور” الفرنسية شخّصت حال فرنسا في أواخر القرن الثامن عشر فاذا هو “نسخة طبق الاصل ” عن حال لبنان في القرن الثاني والعشرين . و”دقّي يا مزّيكا”.
حكمة أبو زيد
صحافي وكاتب سياسي

 

مجلة الشراع