أداب وفنون

خواطر بقلم الشاعر والاديب الفلسطيني الكبير الاستاذ مروان الخطيب

بينَ سَالي رُوني.. والجَرمَقيَّة…

بينَ سالي رُوني والفتاةِ الجَرمقيَّة، ما بينَ دمشقَ وصفد، بل ما بينَ دَبلنَ ومراكش!.
طبعاً، هما نجمتان، ولكلٍّ منهما مدارُها الخاص…، وبينهما تشابهٌ في الإسمِ، وتباينٌ في الكُنهِ، واسترسالٌ غريقٌ يَصُبُّ في بحرِ البُرقوقِ، الذي يمتلكُ القدرةَ وهاجسَ الشَّغافِ الذي بهِ يُحِسُّ ويعرفُ الفَارقَ بينَ ضوءِ الشَّمعةِ ولمعةِ المصباحِ الكهربائي…!.
بينهما آصرةُ تقاربٍ نيرفانيٍّ، ومسافةُ ابتعادٍ سُرياليٍّ، وَوَدْقٌ كأنَّهُ تسَحَّبَ في دَبلن، وهطلَ في شرقِ المتوسط!.
هما أنثيانِ جَذوبان، ولكلٍّ سيرتُها التي تختلفُ عن الأخرى. فرُوني وليدةُ الحكايةِ التي نشأتْ في الغرب، وترعرعتْ بينَ الحُلم بمضعِ التُّفاحةِ الخَلوب، وبينَ الاسترسالِ العزوفِ فوقَ الفُرشِ المخمليَّة، أمَّا الجَرمقيَّةُ، فهي الطائرُ المُعلَولي في مداراتِ زهرةِ اللَّوزِ السَّاحرة، لكنَّ عينيهما تنخطفُ لواحظُها إلى أناقةِ وأحمرِ “سارة”، وهي تُزَيِّنُ شاشةَ “الحدثِ” بقوامها الآسرِ وأدائها الماهر، ولرُبَّما تنسى فلسفةَ الجمالِ والجوهرِ، حينَ تُخْتَطَفُ حزمةُ النورِ من رُوعِها لمصلحةِ التقليدِ العاتمِ للآتي من روما…!.
والنَّاظرُ في أدبِ رُوني، تلفتُهُ تلك السَّرديَّةُ التي تؤسِّسُ لأدبٍ تقليديٍّ في روايتِها( أشخاصٌ عاديون)، ويلفتُهُ أكثرُ ما تُفصِحُ عنهُ وتُشيرُ إليه العَلاقةُ بينَ بطليها(ماريان وكونيل)، حيثُ الأولى تنتمي إلى الطبقةِ الأُرستقراطية، والثاني ينحدرُ من عامةِ النَّاسِ وطبقتِهم الفقيرةِ المُعدَمة، والسِّجالُ التواصليُّ بينهما يمدُّ ويجزرُ على خلفيَّةٍ ثقافيَّةٍ مُتَشَرِّبَةٍ من هذه المَتاهةِ اللانسانيِّةِ التي نشأتْ في ظلِّ هذا التباينِ بين المستويين المختلفين في النشأةِ والمآلِ لكلٍّ من الأسرتين!.
هنا، مكمَنُ الوَجعِ، بل لعلَّ السببَ الأساسَ لهُ، يعودُ إلى طبيعةِ الثقافةِ الرأسماليَّةِ التي تُمَجِّدُ القِرشَ والمالَ، وتجعلُ منه إلهاً مزعوماً لهُ فلسفةُ الخُضوعِ والمرجعيَّةُ في نُشُوءِ السَّعي والأفعالِ، ولهُ وحدَهُ القيمةُ المعياريَّةُ التي تُحدِّدُ الجهاتِ والحركاتِ والعلائقَ والأعمال!.
وأمَّا النَّظرةُ إلى الفتاةِ الجَرمَقيَّةِ وسِيرتِها وثقافتِها وأدائها، فإنَّها تُريكَ ما يُشبهُ تِينَ صَفدَ وصَبَّارَها مُندَغِمين معاً. تارةً تبدو نَضُوجاً في حَنانِها، وأُخرى تخرجُ إلى صمتِها يَبُوساً، وكأنَّها تُعاني من شوكةٍ صَبَّاريِّةٍ تُعَكِّرُ صفوَ ورحابةَ حَلقِها ومشاعرَها وأحاسيسَ نبضِها، ولرُبَّما انحازتْ في لحظاتِها تلك، إلى أبجديَّةِ ماريان وهي تمارسُ ساديَّتَها على كونيل، الذي أحبَّها كما أحبَّ روميو جوليت، وكما هامَ قيسٌ في ليلاه…، وإذَّاكَ ترى نرجسيَّةً تعانقُ الخبالَ في أفعالِها، وترى أكثر من ذلكَ، مدىً مفروشاً بما يُحزِنُ قلبَكَ حدَّ التَّساؤلِ: تُراها فتاتي الجَرمقيَّةُ صُنوَ ماريان، أمْ هي مستغرِقةٌ في الذي هو شيءٌ من ثقافةِ الأخيرة، أم هي سعيدةٌ بما يُقالُ فيها من عباراتِ الوَجدِ والعِشقِ، ولا تحملُ في نبضِها وخافقِها مثلَ ما يكنُّهُ لها فارسُها وعنترُها!.
وهنا، تعودُ الذاكرةُ لتقرأَ في أخبارِ العاشقين، وفي أحوالِ الحاضرين، لتستقرَّ إلى الذي يُشبُهُ صفاءَ الماءِ وعينَ اليقين، فتصرخُ مخاطباً هذا الذي هو صديقُكَ وصاحبُكَ وعشيرُ أيامِكَ وأحوالِك: يا صاحِ، هي تلك حياتُنا، وتلكَ سِيرتُها، فلا تحزنْ، ولا تُرْهِقْ فؤادَكَ بالمقارناتِ والمُقابلات، ويكفيكَ أنَّكَ صادِقٌ، فلا تُعِرْ قلبَكَ إلِّا للصَّدوق!.
صاحِ…، إقرأ جيداً “رُوني”، واقرأ ثُمَّ اقرأ سَبْعَ مَرَّاتٍ جيداً فتاةَ الجَرمق، ثُمَّ كُنْ أنتَ كما أنت، ولا تتحوَّلْ عن مائكَ الصَّفيِّ إلى أضغاثِ هيروديا، واعلمْ أنَّ البيلسانَ لا يُروى إلَّا بماءِ السَّماء…!.

مروان مُحَمَّد الخطيب
17/10/2021م

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Here you can just take everything you need for efficient promotion and get the job done well. o’tishingiz Surprisingly, this is not the same as the circumstance with Mostbet. agar o’yinchi MostBet in Bangladesh offers a plethora of pre-match picks in over 20 different sports. o’yin boshlanishidan oldin This means you may use the mobile version to safely make deposits and withdrawals. dasturi