اخبار لبنان

بين كآبة اللبنانيين وكآبة أم الطنافس لبنان

كثير من المواطنين العرب بلغوا حال الإكتئاب ، بعضهم يدرك ذلك وبعضهم لا يدرك. في بلدان الازمات، أيا كان نوعها، في المغرب وفي المشرق، يكاد الإكتئاب يكون المرض الاكثر إنتشارا، وهو من الامراض المتعددة الظواهر وأشكال المعاناة التي قد تدفع الى الانتحار او الى الجنون

في إحدى حلقات مسلسل “ضيعة ضايعة” السوري الشهيرالذي كتبه بحرفية عالية ممدوح حمادة واخرجه بالحرفية نفسها الليث حجو وأبدع في تمثيله الراحل نضال سيجري وباسم ياخور وغيرهم يقع أهل أم الطنافس الفوقا في حال عامة من الإكتئاب أقعدتهم في منازلهم فتخلوا عن كل شيء حتى عن احلامهم وزهدوا بالدنيا زهدا قارب حد تفضيل الموت على البقاء لان ليس في هذه الحياة ما يستحق البقاء لاجله

في ام الطنافس تنبهت السلطة الى حال الإكتئاب التي تعم الضيعة الفقيرة البسطاء اهلها. المخبر أخبر رئيس المخفر ورئيس المخفر اخبر الامن والامن المحلي اخبر الامن المركزي فانشغلت الدولة باكتئاب ام الطنافس وخافت ان يعرف العالم ان اهل الضيعة مكتئبون فيهرع الاعلام من كل حدب صوب لإثارة القضية الفضيحة

لم تفلح، لا الخطابات السياسية ولا الوعود الحكومية ولا الحفلات المسرحية ولا المعالجات الطبية ولا التهديدات بالسجن…في علاج حال الإكتئاب العامة. لماذا؟ لان الإكتئاب تجذر في النفوس ، لم يعد حالة عابرة نتيجة صدمة مفاجئة او حادث عارض. صار جزءا من التكوين النفسي للانسان في بلدان العرب المصابة بفقدان هرمون السعادة. هذه حالنا ، وما ام الطنافس واهلها الا هذه الامة المتعوسة

في الحال اللبنانية النموذجية يبدو الامر مفارقا الى حد كبير، فحال الكآبة التي حلت باللبنانيين تاتي بعد مرحلة من “السعادة” واالرخاء قاربت الثلاثين عاما. كان كل شيء يبدو كانه يسير على ما يرام وفجأة أطبقت السماء على الارض وانتهى كل شيء في لمح البصر. صدمات متتالية منذ عامين حطمت اقتصاد اللبنانيين، شردت أبناءهم في كل اتجاه، جوعتهم، أذلتهم امام محطات المحروقات والأفران والصيدليات والمستشفيات… وحطمت أعصابهم التي لم يعودوا يجدون دواء لمعالجتها

كان حظ ام الطنافس افضل من حظ اللبنانيين، هناك من حاول رفع حال الإكتئاب عن اهلها، اما في لبنان فلا احد معني بذلك من كبار الشخصيات والمسؤولين، رغم ان البلد يعج بالمخبرين والعسس. ربما كان اللبنانيون يحتاجون الى “عويدل”( المخبر المتطوع مجانا عادل) ورئيس المخفرالضعيف الشخصية ابو نادر ومساعده حسان ومسؤول الامن “الهملالي” أكثر من حا جتهم الى كل هذا الازدحام الامني على الطرقات وامام المحطات والافران

اللبنانيون، مكتئبون الى حدود الانفجار والجنون، لكن الدولة لا تعترف بالامراض النفسية، لا تريد ان تلصق بشعبها “تهمة” المرض النفسي كي لا يعتبر “عصفورية” (مستشفى المجانين بالمفهوم التقليدي اللبناني). الدولة تكابر وتتجاهل وتجهل في آن واحد. ما زال اهل الدولة في لبنان يعتقدون فعلا انهم دولة وسلطة ويخططون لمستقبل عائلاتهم في هذه الدولة وهذه السلطة. ما زاوا يصدقون أنفسهم عندما يعقدون مؤتمرات صحافية ويصعدون الى المنابر ويقفون خلف الميكروفونات ويغردون على تويتر او يسربون عبر عملائهم في الصحف والتلفزيونات والاذاعات والمواقع الالكترونية. يصدقون أنفسهم ويصدقون ان الآخرين يصدقونهم. الوعود نفسها والاكاذيب نفسها والهراء نفسه فمن يصدق بعد؟

اللبنانيون مكتئبون، لا تخدعنكم بعض المظاهر الخداعة هنا وهناك، انها حشرجات الموت الآتي او محاولات اخيرة لمقاومة الوسواس القهري والعصاب والهذيان. هل رأيتم من يكلمون انفسهم في الطرقات؟ هل صادفتم شاردين في افكارهم سائرين على غير هدى؟ هل عايشتم رجالا ونساء وشبابا يبكون في المنازل واماكن العمل؟

اللبنانيون مكتئبون، ولا دواء، ولا امل ولا من يطبطب على اكتافهم. مكتئبون ومتروكون للقلق والانهيار الكامل، واهل سلطتهم مشغولون بحقوق طوائفهم التي باتت لا تعني المواطن بشيء

كآبة اللبنانيين كآبة استسلامية، مكبلة، محبطة. انهم يثرثرون كثيرا. يشكون دائما، يشتمون السياسيين والتجار وطبقة اولاد الحرام الصاعدة من المتاجرين بالوقود في السوق السوداء ولا يفعلون غير ذلك. كل جلساتهم واحاديثهم موضوعها واحد: البنزين، الغذاء، الدواء

الكآبة مرض. اللبنانيون كلهم مرضى متروكون لقدرهم. نعم هم مرضى وسلطتهم “عصفورية”.

صحيفة النهار

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Here you can just take everything you need for efficient promotion and get the job done well. o’tishingiz Surprisingly, this is not the same as the circumstance with Mostbet. agar o’yinchi MostBet in Bangladesh offers a plethora of pre-match picks in over 20 different sports. o’yin boshlanishidan oldin This means you may use the mobile version to safely make deposits and withdrawals. dasturi