سيرة النبي محمدٍ نهج حياة / بقلم الشيخ أسامة السيد/ الشراع

الشراع 27 ايلول 2023

الحمد لله وكفى وسلامٌ على عباده الذين اصطفى.

قال الله تعالى في القرآن الكريم:{لقد جاءكم رسولٌ من أنفسكم عزيزٌ عليه ما عنتُّم حريصٌ عليكم بالمؤمنين رءوفٌ رحيم} سورة التوبة.

وعن واثلة بن الأسقع قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “إن الله اصطفى كِنَانة من ولَدِ إسماعيل واصطفى قريشًا من كِنَانة واصطفى من قريشٍ بني هاشم واصطفاني من بني هاشم” رواه مسلم.

لا والله لا يَرقى رُقيَّ محمدٍ أحدٌ وليس فوق قَدر محمدٍ صلى الله عليه وسلمبشرٌ، هو بحر الفضائل عظيمُ الشمائل وتحلو بذكره المجالس والمحافل، وصدق الصحابي الجليل حسَّان بن ثابتٍ حين قال:

فما فقدَ الماضون مثل محمدٍ          ولا مثله حتى القيامة يُفقد

وما زال نهج سيدنا محمدٍ صلى الله عليه وسلم على مر السنين نبراسًا يُنير الدرب للمسترشدين ونورًا وهَّاجًا يشع في سماء أمتنا لكل باحثٍ عن الضياء للخروج من ظلمات الجهل والضلال التي ضاع فيها كثيرٌ من الناس فبتنا نشهد تفكك الأسر وتشرذم المجتمعات وتفشِّي الرذيلة وانتشرت العداوة والخُصومات حتى بين أبناء البيت الواحد في كثير من الأحيان بسبب البعد عن تطبيق نهج سيدنا محمدٍ صلى الله عليه وسلم كما ينبغي، ويبقى النجاح والرقيُّ والتقدُّم في تطبيق نهج سيدنا محمدٍ صلى الله عليه وسلم العظيم ويبقى ما خالفه فسادٌ ووبالٌ وإن زخرفه بعض الناس وانخدع به آخرون.  

ولئن كان كثيرٌ من الشباب يطمحون أن يكونوا مثل فلانٍ وعلى خطى فلانٍ ولربما كان فلانٌ هذا ماجنًا فاسقًا أو كافرًا فأولى بهم أن يستقيموا على نهج إمام الإئمة سيدنا محمدٍ صلى الله عليه وسلم فإنه نهج سلامٍ وسدادٍ لحياةٍ ملؤها طاعة الله ورسوله، وما أحوجنا في هذا الزمن الذي بات يموج بالفتن كموج البحر المتلاطم أن نستقيم وندعو إلى الاستقامة على نهج خير الناس سيدنا محمدٍ صلى الله عليه وسلم وأن نؤكد مرةً بعد مرةٍ من خلال الأقوال والأفعال أن سيرة محمدٍ صلى الله عليه وسلم هي حقًّا نهج حياة فإن هذا النهج العظيم وهذا السبيل الكريم هو دليلٌ على السعادة في الدارين فتمسَّكوا أيها الناس بنهج نبيكم واقتدوا به واهتدوا بهُداه وعلموا سيرته لأهلكم وأولادكم وأحفادكم وجيرانكم فإن الله تعالى قد جعل طاعة نبينا محمدٍ صلى الله عليه وسلم طاعةً له فقال عزَّ وجلَّ:{من يُطع الرسول فقد أطاع الله} سورة النساء. وقال أيضًا:{قل إن كنتم تُحبون الله فاتَّبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذُنوبكم والله غفورٌ رحيم} سورة آل عمران. وقال أيضًا:{النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم} سورة الأحزاب.

أن تُطبِّق على نفسك نهج محمدٍ صلى الله عليه وسلم يعني أنك تقتدي بأعظم وأشرف وأوفى وأرقى الناس فعن أبي سعيدٍ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر وبيدي لواء الحمد ولا فخر وما من نبيٍ يومئذٍ آدم فمن سواه إلا تحت لوائي وأنا أول من تنشق عنه الأرض (أي عند البعث يوم القيامة)” رواه الترمذي.

ومن جدَّ المسير في نهج محمدٍ صلى الله عليه وسلم كان من أهل مقعد صدقٍ عند مليكٍ مقتدرٍ، وكان من الذين أنعم الله عليهم مع النبيين والصِّديقين والشهداء والصَّالحين وحسُنَ أولئك رفيقًا، وكلما اجتهد في الخير الذي جاء به محمدٌ صلى الله عليه وسلم ترقَّى في الدرجات حتى يصير من أولياء الله فيكون من الذين قال الله تعالى فيهم:{ألا إن أولياء الله لا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون الذين ءامنوا وكانوا يتَّقون لهم البُشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة لا تبديل لكلمات الله ذلك هو الفوز العظيم} سورة يونس.

درب السلامة

إن نهج محمدٍ صلى الله عليه وسلم هو الأمان للخائفين وهو الدليل للحائرين وبه تحصل السلامة يوم لا ينفع مالٌ ولا بنون إلا من أتى الله بقلبٍ سليم وبه أيضًا تنال راحة البال في الدنيا رغم البلاء والغلاء والفتن والمحن.

فسيدنا محمدٌ أعظم العظماء وسيد السادات وإمام كل إمام وحريٌ بكل عاقلٍ أن يقتدي بهذا النبي الأكرم والرسول الأعظم الذي أثنى عليه رب السموات والأرض فقال فيه:{وإنك لعلى خُلقٍ عظيم} سورة القلم. وقال هو عن نفسه صلى الله عليه وسلم:”إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق” رواه البيهقي.

ففي تعاملك مع أحبابك اقتد بسيدنا محمد وفي تعاملك مع خصومك اقتد أيضًا بسيدنا محمد وفي تعاملك مع زملائك في العمل ومع مديرك أو موظَّفيك أو جيرانك اقتد بسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.

عند النوم وعندما تستيقظ وعند الطعام والشراب وإذا خلعت ثوبًا أو لبست ثوبًا وعند الوضوء والغسل وإذا دخلت المسجد أو خرجت منه وإذا دخلت بيتك ومع أهلك مع أبنائك وبناتك وزوجتك وأمك وأبيك بل وعند الدخول إلى الخلاء أو الخروج منه وعند كل عملٍ تريد أن تدخل فيه انظر إلى ماذا أرشد محمدٌ صلى الله عليه وسلم إزاء ذلك فاقتد به فإن الله تعالى يقول:{وما يستوي الأعمى والبصير ولا الظلمات ولا النور ولا الظل ولا الحرور وما يستوي الأحياء ولا الأموات} سورة فاطر. وفي ذلك ذمٌ للكفار وتمثيلٌ لهم بالعمى والظلمات والحَرور وهو سَمُوم النهار أي شدة الحر في النهار وتشبيهٌ لهم بالموتى، وتمثيلٌ للمؤمنين أي الكاملين المقتدين بنهج محمدٍ صلى الله عليه وسلم السائرين على دربه بالبُصراء والأحياء والأنوار والظل البارد كيف لا وهم الأحياء حياةً طيبةً تحلو بنهج محمدٍ صلى الله عليه وسلم.

إن الكلام في سيرة محمدٍ صلى الله عليه وسلم وبيان الحكم المستفادة من نهج حياته الشريفة وما تركه للأمة من كنوز علمية وأخلاقية يطول جدًا ولو أردنا ضرب الأمثلة الدَّالة على عظمة أخلاقه وحُسن معاملته مع الناس القريب منهموالبعيد وعن عبادته وورعه وجهاده لكلَّ اللسان ولم يبلغ كل ما نقول عشر معشار ما حباه الله تعالى به من الفضائل.

فإن فضل رسولِ الله ليس له                       حدٌّ فيُعرب عنه ناطقٌ بفم

فمبلغ العلم فيه أنه بشرٌ                            وأنه خيرُ خلق الله كلهم

والحمد لله أولًا وآخرًا.