تموز 2021 حرب مصرية – اثيوبية او وقف ملء خزان النهضة !! حرب على النيل – بقلم عبد الحليم قنديل/الشراع

مجلة الشراع 27 آذار 2021

تنشر الشراع مقالة الزميل المصري عبد الحليم قنديل الذي نشره تحت عنوان حرب على النيل وقد اعتمدت للمقال عنواناً مستوحى من نص وروح مقال قنديل مع مقدمة للشراع:

 اليمن دائماً

تشكلت في مصر وفِي الوطن العربي  فرقة من الندابين الاعلاميين الذين ينتظرون مواسم مختلفة مرتبطة بعصر جمال عبد الناصر كي يشيطنوا كل قراراته الاستراتيجية ومواقفه القومية كي يلطموا كل في مكانه فالسد العالي كارثة وتأميم قناة السويس لا حاجة له والتعليم المجاني سبب كارثة التعليم الحالي  والذهاب الى اليمن سبب هزيمة 67 اما الهزيمة نفسها فنتيجة طبيعية لسياسة عبد الناصر!؟

وذهب اسلاميون كما محمد متولي شعراوي ويوسف القرضاوي الى ان نكسة 67 سببها ابتعاد مصر عن الدين..!

وقد سجد الشعراوي لله شكراً على هزيمة جيش مصر امام اسرائيل عام 67!!

كل عنوان من هذه العناوين يحتاج الى موضوع او اكثر للحديث المستفيض عنه..

لكننا اخترنا الوجود العسكري والحضاري المصري في اليمن من نهاية عام 1962 حتى نهاية صيف 1967 للنقاش ليس مع فرقة الندابين هذه التي نفذت وما زالت تنفذ اجندة التحالف الذي تشكل للتطاول وللتشكيك بمشروع جمال عبد الناصر السياسي والقومي والنهضوي منذ 1952 وحتى اليوم

ونحن لا نبالغ اذا قلنا حتى اليوم لأننا وقد اخترنا موضوع اليمن عمداً… فإن  امر اليمن بات مسألة حياة او موت لمصر كلها! ولا يدهشن احداً من هذا القطع في الكلام ونحن سندخل في الامر مباشرة

لو ظلت مصر في اليمن،

 سياسياً وعسكرياً لما تجرأت اثيوبيا على تحدي مصر بهذا الشكل والمضمون الوقح وهي تعرف خطورة تقليص حصة مصر من مياه النيل …

مصر في اليمن،

 تدافع عن وجودها الممتد من باب المندب والبحر الاحمر وخليج العقبة وقناة السويس ، وتخيلوا كل هذه الممرات المالية مهددة من اي جهة (اسرائيل واثيوبيا وغيرهما)

الوجود المصري ضروري وحتمي في اليمن من اجل امنها

اذن فليتوقف الندابون عن التطاول على عصر عبد الناصر من باب الزعم بأن الوجود المصري في اليمن كان خطأً الا اذا كان هؤلاء من انصار تقليص حصة مصر من مياه النيل..

فهم جمال عبد الناصر برؤاه الاستراتيجية اهمية اليمن كما اهمية اثيوبيا وقد كان حريصاً جداً على علاقاته معها حتى عندما كان هيلاسيلاسي حاكماً عليها..

وقد شهدنا على منع مصر الناصرية العظيمة تحركاً لطلاب اريتريين من التظاهر ضد هيلاسيلاسي حين كان يلقي كلمة في جامعة القاهرة في نيسان / ابريل 1967 كما شاهدنا حضور هيلاسيلاسي افتتاح كنيسة العباسية مع جمال عبد الناصر والبابا كيرلس السادس وهي الكنيسة التي تبرع جمال لبنائها بعدة الاف من الجنيهات!

ادرك عبد الناصر لاهمية اثيوبيا لعوامل ثلاث:

1–  انها مصدر النيل العظيم من مياه هضبتها الغزيرة ( ستة الاف مليار مترمكعب سنوياً)

2-  التأثير الكنسي الاثيوبي بالعلاقات المميزة مع الكنيسة القبطية

3-  تأثير اثيوبيا المهم داخل افريقيا وهي احدى دوائر التحرك المصري

4- ان مصر هي صاحبة الدور الاول في تحرير افريقيا، وقد مرّ زمن كان فيه حكاّم وضبّاط ورجال دين ومهندسين واطباء ووزراء وسفراء وقيادات احزاب ومثقفين.. في كل افريقيا خرّيجو جامعات مصرية درسوا بالمجان وكانوا كلهم يحصلون على منح شهرية تتراوح بين 5و10 جنيهات!

كان لمصر قوى ناعمة في كل بلاد ومدن وحتى بين القبائل الافريقية… وقد تولى حسني مبارك اهمال هذه القوى بدءاً بإقفال مكاتب شركة النصر التي كانت احدى اغطية العمل السياسي والإستخباراتي، الى اعتبار عواصم افريقيا منفى لآي سفير مصري حتى كانت الكارثة التي بدأت بعد محاولة اغتيال مبارك بعد دقائق من مغادرته مطار اديس ابابا عام 1995 حيث ادار مبارك ظهر مصر كلها عن افريقيا منذ ذلك التاريخ

   مصر في افريقيا استراتيجية وجودية لمصر كما هو الوجود المصري في اليمن  وكل تطاول على الدور الناصري في اليمن هو اما خيانة متعمدة للمصالح المصرية الوطنية او جهل وغباء تأثر بحملة فرقة الندابين المصرية والعربية المستمرة

ونحن على مرمى اسابيع او اشهر من قرار مصري حاسم لحماية حقوق مئة وعشرة ملايين مصري في مياههم فإننا نفهم معنى ان يكون لمصر حاملة طائرات مصرية تجول في البحر الاحمر جنوباً.. تعويضاً عن خسارة مصر وجودها العسكري في اليمن!

 حسن صبرا

مجلة الشراع

في 27/3/2021

حرب على النيل / بقلم عبد الحليم قنديل

  جفت الأقلام وطويت الصحف، ولم تعد من قيمة كبيرة ولا صغيرة لتكرار الكلام المعاد المزاد عن مفاوضات سد النهضة الأثيوبى..

ولا عن وساطة رباعية دولية من الاتحاد الأفريقى والاتحاد الأوروبى والولايات المتحدة والأمم المتحدة، دعت إليها السودان ثم مصر، وكررت أثيوبيا رفضها مرارا، وعلى لسان آبى أحمد رئيس الوزراء الأثيوبى نفسه…

وأصرت على رعاية الاتحاد الأفريقى وحده، وهو لا يملك فرصة الفصل فى نزاع مصر والسودان على النيل مع أثيوبيا، وفشل تماما فى عام ولاية “سيريل راما فوزا” رئيس جنوب أفريقيا ، ولا يبدو دوره المحتمل أفضل، مع انتقال الولاية الدورية إلى “فيليكس تشيسكيدى” رئيس الكونغو الديمقراطية الأقرب سياسيا إلى مصر والسودان .

  وما من معنى مضاف لتكرار التأكيد على تضرر مصر والسودان كارثيا من السد الأثيوبى، المقرر له احتجاز نحو 74 مليار متر مكعب من المياه عبر سنوات ملء خزانه ، الذى تقول أثيوبيا أنه ضرورى لتوليد الكهرباء، وبقيمة إجمالية تدور حول ستة آلاف ميجاوات سنويا..

 ثم تتحدث اليوم عن أوهام سيادة على النيل الأزرق، وعن حقها فى التصرف بالمياه، مع أنها تفشل بالاستفادة من نحو ألف مليار متر مكعب مياه أمطار تسقط عليها سنويا، ومع أن نهر النيل أطول الأنهار الدولية، وتحكمه كغيره اتفاقات مياه أممية، ثم اتفاقات الأطراف المعنية نفسها ، التى يحلو لأديس أبابا تسميتها بالاتفاقات الاستعمارية ، على الرغم من أن أثيوبيا لم تكن مستعمرة وقت توقيع الاتفاقات البينية وأهمها:

 اتفاق 1902 الذى وقعه مينليك الثانى امبراطور أثيوبيا، وكان الطرف الثانى سلطة الاحتلال البريطانى الحاكم لمصر والسودان وقتها، وجرى بالاتفاق اقتطاع مساحات من السودان، أهمها منطقة “بنى شنقول” المقام عليها السدّ اليوم، وتقديمها كهدية لامبراطور أثيوبيا مع أكداس من الذهب..

 فى مقابل امتناع أثيوبيا عن إقامة أى سدود أو إعاقات على منابع النيل، وإعطاء مصر والسودان “حق الفيتو” على أى إنشاءات أثيوبية تعوق جريان النيل، ثم جرت فى النهر والسياسة مياه كثيرة، ورحل الاحتلال البريطاني، وجاء الاستعمار الأمريكى الجديد ليرث امبراطوريته، وحرصت السياسة الأمريكية المعادية لعصر جمال عبد الناصر على خنق مصر نيلياً، وحرضت أثيوبيا على إقامة سد عند المنابع عام 1958 ، وهو ما لم يتم بسبب صلابة عبد الناصر ، ومكانة مصر العظمى وقتها فى سيرة الكفاح الأفريقى ، واستمر التأثير الحاكم للموقف المصرى بالقصور الذاتى عبر عقود بعد رحيل عبد الناصر ، وإلى أن كادت مصر تفقد تأثيرها الأفريقى تماما ، وبالذات بعد محاولة اغتيال الرئيس الأسبق المخلوع حسنى مبارك فى أديس أبابا أواسط تسعينيات القرن العشرين، دبّرت المحاولة جماعة عمر البشير الرئيس السودانى المخلوع أخيرا..

 ووجدتها أثيوبيا فرصة لابتزاز واستتباع حكم البشير المحاصر، واستولت فعلياعلى مناطق “الفشقة” الخصبة داخل حدود السودان، وأطاحت بنصوص اتفاق 1902 لترسيم الحدود ، ثم استثمرت عزلة مبارك أفريقيا ، وتزعمت عملية تحريض دول منابع حوض النيل ، وعقد “اتفاق عنتيبى” عام 2010 ، الذى يلغى الاعتراف بالحقوق التاريخية المقررة ، وهو ما رفضت مصر والسودان التوقيع عليه..

وكان الاتفاق المذكور،

 توطئة لإقامة السد الأثيوبى، الذى تعددت تسمياته من:

 سد الحدود إلى سد الألفية إلى سد النهضة..

 وزادت طاقة تخزينه المقررة مرات ، ومن دون أن تكون ثورة 25 يناير 2011 كما يشاع هى السبب!

 فقد بدأ الخلل فى زمن مبارك البليد الراكد ، وإذا كان حجر أساس السد وضع فى أوائل 2011 ، فلم يبدأ البناء فعليا ، إلا فى عام 2013 وقت حكم الرئيس الاخوانى، ولم تصادق أثيوبيا برلمانيا على “اتفاق عنتيبى” إلا فى أوائل العام 2013 ، مع ردود أفعال كاريكاتيرية من سلطة الحكم المصرى وقتها ، أشهرها عبث اجتماع تهديد هزلى مذاع على الهواء مباشرة ، استغلته أثيوبيا لمزيد من الترويج لما أسمته عجرفة وعدائية المصريين..

 ومع زوال حكم الإخوان،

 بثورة 30 يونيو 2013  وما تبعها، ومخاضات التحول العنيفة فى مصر، ذهبت القاهرة للتوقيع على “إعلان مبادئ” فى مارس 2015 ، لا يعترض من حيث المبدأ على إقامة السدّ الأثيوبى:

 ويدعو لمفاوضات مصرية سودانية أثيوبية حول مراحل ملء وتشغيل وإدارة السد..

وباتفاق قانونى ملزم، يضمن عدم الإضرار البالغ بمصالح مصر والسودان المائية..

ويتيح للأطراف الثلاثة حقّ طلب الوساطة على طريقة وساطة أمريكا فى زمن دونالد ترامب التى انتهت إلى اتفاق وقعت عليه مصر وحدها فى أواخر مارس 2020 ، بينما انسحبت أثيوبيا، وامتنعت السودان وقتها عن التوقيع..

ثم جرى استئناف جولات تفاوض متقطعة برعاية الاتحاد الأفريقى، بعد أن خرقت أثيوبيا قواعد إعلان المبادئ ، وشرّعت فى الملء الأول لخزان السدّ، ومن دون اتفاق الأطراف المعنية، وهو ما أدى لعواقب فادحة على السودان بالذات، دفعت الخرطوم إلى تنسيق موقفها مع مصر، والتصميم على عدم السماح بالملء الثانى من دون اتفاق، وهو الملء المقرر أثيوبيا خلال موسم الأمطار فى يوليو 2021 ، أى فى الموعد نفسه ، الذى جرى فيه الملء الأول أواسط 2020 ..

وعلى الرغم من اعتراض القاهرة والخرطوم،

 تبدو أديس أبابا مصممة على الملء الثانى فى موعده باتفاق أو بدون اتفاق!

وهو ما يزيد كمية المياه المحتجزة خلف السد الأثيوبى إلى 18 مليار متر مكعب، وبما يهدد حياة نصف الشعب السودانى، ويؤثر بشدة على تدفقات مياه النيل إلى مصر ، والأخيرة هى الأكثر اعتمادا على مياه النيل ، وبنسبة تزيد على 90% من إجمالى مواردها المائية ، وقد نزلت مصر إلى ما تحت خط الفقر المائى من ثلاثة عقود مضت، أى منذ كان عدد سكانها عند 55 مليونا ونصف المليون ، فنصيب مصر المقرر من مياه النيل يبلغ 55.5 مليار متر مكعب سنويا ، وخط الكفاف المائى دوليا عند حدود ألف متر مكعب للفرد الواحد سنويا، وعدد سكان مصر اليوم يمضى إلى الضعف ، ويقترب من حاجز المئة مليون والعشرة ملايين فوقها ، وهو ما يعنى بلوغ مشكلة المياه فى مصر حدود اختناق حرجة ، لا تحتمل أذى مضافا يأتيها من التعنت الأثيوبى .

المراد إذن ظاهر بغير إلتباس، وهو وضع رقبة مصر والمصريين تحت حد السكين..

 وقد تختلف أو تتفق مع الحكم الحالى، لكن مصريا وطنيا واحدا، لا يقبل تعطيش مصر، ولا انتقاص قطرة واحدة من مياه النيل..

 فالقضية أكبر من كونها مسألة أمن قومى..

إنها قضية وجود بالمعنى الكامل للكلمة، قضية حياة أو موت..

 وقد جربت مصر الرسمية كل وسائل الاتفاق بالحسنى، وأوضحت للمجتمع الدولى مخاطر ما يجرى، وبحّ صوتها وهى تشرح وتنبه وتحذر، ولم يعد لديها سوى سبيل آخر، ربما يفسره تصاعد مطرد للهجة المصرية الرسمية فى الأسابيع الأخيرة، وظهور مصطلحات دبلوماسية جديدة من نوع:

 “لن نقبل بفرض الأمر الواقع”

فى إشارة مباشرة إلى عدوانية السلوك الأثيوبى، ومن نوع إعلان الرئيس السيسى نفسه أنه:

 “لا تفاوض بلا نهاية”

وهو ما قد يعنى أننا نقترب من حافة الهاوية..

 وأن الحرب التى لم تكن تريدها مصر، قد تفرض عليها، مع استكمال محسوس وضمنى لاستعداد سياسى وحربى ، جرى تحصينه باتفاق مصرى سودانى كامل، وبوضع “خط أحمر” جديد عند منابع النيل..

 فقد كان بوسع مصر دائما أن تضرب السدّ المشئوم..

 وكانت تعرف دائما من وراء التعنت الأثيوبى، وتدير تحركا ذكياً فى الكواليس ، وتعدد بدائلها الميدانية اللازمة فى لحظة الحسم، وتدرك مدى هشاشة التكوين الأثيوبى، وتعرف كل شاردة وواردة فى أثيوبيا المفككة المتحاربة عرقيا، وإلى أن بدأ العد التنازلى فى القصّة كلها، واقتربت ساعة الصفر، فليس عند المصريين أغلى ولا أعز من النيل، وطوال تاريخ مصر الألفى الممتد، لم تدم شرعية بقاء لحاكم يفرط فى مياه النيل، ولم يفعلها أحد وراح سليماً منذ عهود الفراعنة، ولا يملك أحد ترف ونزق فعلها، إلى أن يرث الله الأرض، ولم يعدّ من وقت لعتاب ولا لحساب فى سلوك ومراحل التفاوض العبثى، وأصبح وجود مصر اليوم أمانة فى رقبة جيشها وقيادته العليا، بعد أن جرى استنفاد كل سبل الدبلوماسية والسياسة، وانتهينا إلى إعلان حرب خنق مصر من الباب الأثيوبى، ولم يعد لمصر سوى أن تردّ العدوان وتردعه، وأن تكتب مشهد الختام فى حرب النيل، إلا إذا تراجعت أثيوبيا فجأة، وقررت تأخير الملء الثانى لحين التوصل إلى اتفاق ملزم وشامل، تقبل به الخرطوم والقاهرة .

Kandel2002@hotmail.com

 

مجلة الشراع