عندما تكون الإنتخابات الرئاسية في أفغانستان أنزه من أمريكا / بقلم السيد صادق الموسوي

مجلة الشراع 29 كانون الاول 2020

غرّد الرئيس الأمريكي المنتهية مدته على موقعه في تيوتر قائلاً:

قال لي أحد الجنود الذين خدموا في أفغانستان:

إن الإنتخابات الرئاسية في افغانستان كانت افضل وأنزه وأكثر أمناً منها في الولايات المتحدة. واتهم دونالد ترامب وزارة العدل الأمريكية والـ FBI بالتستر على التزوير على الرغم  من وجود ” أدلة دامغة ” على حصوله وعلى نطاق واسع جداً وفي كافة الولايات، ووصف أخيراً الرئيس المنتخب حديثاً بالرئيس المزوَّر، ودعا في نهاية المطاف مناصريه للتوجه بكثافة إلى العاصمة للإعتراض على تصويت مجلس الشيوخ لصالح انتخاب جو بايدن.

إن تغريدة الرئيس الأمريكي المنتهية مدته تحمل دلالات عديدة ومهمة للغاية يجب أن يتمعن بها المنبهرون بالحضارة الغربية والطامحون لنقل التجربة الديمقراطية الأمريكية على الخصوص إلى بلادهم:

 إن انحدار مستوى الولايات المتحدة التي كانت تدّعي أنها المثل الأعلى للمارسة الديمقراطية واحترام إرادة الشعب وتداول السلطة إلى مستوى أدنى من دولة أفغانستان بتصريح الرئيس الأمريكي الحالي لهو برسم المعجبين بالنموذج الأمريكي في الممارسة الديمقراطية.

وإذا علمنا أن الإنتخابات الأخيرة في أفغانستان نتج عنها ادعاء كل من أشرف غني وعبد الله عبد الله فوزهما، وأقام كل منهما حفلاً مستقلاً لأداء القسم الدستوري، وأخيراً رضي الإثنان بتقاسم السلطة تحت إشراف وزير الخارجية الأمريكي بومبيو، وإذا عرفنا أن سلطة الدولة الأفغانية المعترف بها دولياً على الأرض لا تكاد تُذكر، لأن حركة طالبان وجماعة داعش في الفترة الأخيرة تبسطان هيمنتهما على اغلب المناطق في البلاد، وهما متواجدتان في العاصمة كابول أيضاً وتوجهان يومياً ضربات مؤلمة للمؤسسات الحكومية المهمة والحساسة، فإذا كانت هذه الإنتخابات التي تمت في ظل الحراب الأمريكية وفي مناطق محدودة خارج سيطرة المجموعتين المذكورتين، والتي نتج عنها ادعاء كل من الرئيس الحالي ومنافسه الفوز فيها، واتهم فيها عبد الله عبد الله الرئيس بالتزوير، إذا كان هذا النموذج أنزه وأفضل من الإنتخابات في أمريكا فعلى أمريكا السلام، خصوصا أن الرئيس ترامب كان قد صرح بنفسه في تغريدة أخرى بأن أمريكا أصبحت مثل دول العالم الثالث.

 إن اتهام الرئيس الأمريكي لأهم مؤسستين في البلاد تضمنان استقامة الأمور وسلامة البلاد وهما وزارة العدل والـ FBI بالتستر على ” التزوير الكبير ” في العملية الإنتخابية، ثم محاولته الضغط على الكونغرس المخول حسب الدستور للتصديق النهائي على كافة القرارات الصادرة عن المراكز الإنتخابية، وذلك من أجل الحؤول دون تأييد قرار المجلس إعلان المجمع الإنتخابي الذي أعلن فوز بايدن، لهو فعلاً دليل واضح على مدى التزام الجالس على رأس الحكم في أمريكا بقوانين بلاده، وانصياعه لقرار المؤسسات الدستورية فيها، وقبوله بمبدأ التداول السلمي للسلطة، خصوصا أنه أعلن عزمه في كل الأحوال عدم المشاركة في حفل تنصيب جو بايدن الرئيس المنتخب والمصادَق على صحة انتخابه من المجمع الإنتخابي، وهو بعمله هذا أثبت أن الولايات المتحدة أصبحت فعلاً دولة من العالم الثالث.

 إن طلب الرئيس ترامب من مناصريه القدوم إلى العاصمة واشنطن للضغط على أعضاء مجلس الشيوخ كي لا يصادقوا على قرار المجمع الإنتخابي والمراكز الإنتخابية في كافة الولايات، وذلك على الرغم من إعادة فرز الأصوات في عدة ولايات بناءً على طلبه، ورفض اغلب المحاكم في الولايات والمحكمة الإتحادية العليا في العاصمة قبول طعونه لعدم وجود مستندات حقيقية فيها، وبعد أن اعترف رئيس مجلس الشيوخ الجمهوري ميتش ماكونيل بالنتائج واتصاله ببايدن وتهنئته، وعقب تخلي عدد كبير من أعضاء مجلسي الشيوخ والنواب من الحزب الجمهوري عن دعم موقف ترامب ما أدى إلى وصفه لهم بالضعف والجبن، كل هذا يدل على أن الرئيس الذي تقع على عاتقه حماية الدستور الأمريكي والذي عليه الإشراف على حسن تطبيق القوانين قد أصبح هو مخالفاً للدستور ومتمرداً على قوانين البلاد وخارجاً على السلطات التشريعية وقراراتها، وبعد هذا لا يمكن لأحد أن يجعل من النظام الأمريكي مثالاً للتقدم، والنموذج الغربي عموماً أسوة يُقتدى بها، وإن تغير الرئيس فهذا لا يعني أن الخلل الجذري في البنية الأساسية قد تمت معالجته بتبدل الأشخاص وحلول بايدن محل ترامب، لأن تلك البنية للنظام يمكن أن تمكّن ترامب جديد من الوصول إلى البيت الأبيض من خلال الآلية نفسها التي أتت بترامب قبل 4 سنوات، وكان الأداء السيء الذي استمر طوال عهده، والذي ضرب فيه بعرض الحائط جميع القيم الإنسانية، وخرج على كافة المعاهدات الدولية، بل أصدر العقوبات على كبار مسؤولي المنظمات الدولية لكونهم اتخذوا مواقف لا توافق مزاجه، وخالف حتى الإتفاقية بين الحكومة الأمريكية ( البلد المضيف ) ومنظمة الأمم المتحدة الموقعة عام 1947، عندما رفض طلب الأمم المتحدة إعطاء تأشيرة لمشاركة وزير الخارجية الإيراني الدولة العضو في جلسات المنظمة الدولية، وخرق سيادة الدول لما أمر باغتيال قاسم سليماني الذي كان في زيارة رسمية بدعوة من رئيس وزراء العراق عادل عبد المهدي، وأخيراً الإستهانة بابسط القيم الإنسانية والتصرف بعنصرية واضحة حين أصدر الرئيس ترامب العفو عن أشخاص أقدموا في وضح النهار على قتل مواطنين عراقيين بدم بارد، وثبتت التهمة عليهم وأدينوا في المحاكم الأمريكية، وكل هذا استناداً إلى صلاحيات ممنوحة للرئيس في الدستور الأمريكي، فالمشكلة إذن ليس في شخص أتى ورئيس ذهب، بل الخلل هو في أساس النظام الأمريكي القائم على الإستكبار والعنصرية والإستهانة بحقوق الإنسان سواء في داخل الولايات المتحدة أو خارجها، واستعمال تلك الحقوق كوسيلة لمعاقبة الدول التي لا تخضع للإرادة الأمريكية، ومن هنا نقول للمتشدقين بالنموذج الامريكي إنه لا يمكن بعد اليوم إخفاء الوجه القبيح لهذا النظام الإستكباري العنصري.

 إن التصريح من جانب الرئيس المنتهية مدته بأن الذي تم اختياره بأكثرية الأصوات، والذي أكد المجمع الإنتخابي على صحة انتخابه، والذي أيدت المحاكم على أصنافها ومستوياتها فوزه، هو رئيس مزوَّر، لهو طعن بشرعية من يريد أن يدير الولايات المتحدة لمدة 4 سنوات على أقل تقدير، وهذا يفسح في المجال امام كل من يريد رفض الإنصياع للقوانين والتمرد على قرارات سيد البيت الأبيض القادم لكي يستند إلى موقف ترامب ويطعن بشرعية الرئيس جو بايدن، وهذه بداية انفراط لعقد المجتمع الأمريكي ويمهد للحرب الأهلية في تلك البلاد.

إن استغلال المرشح للرئاسة منبر الرئاسة وموقع البيت الابيض للدعاية لنفسه، والإستفادة من الإمكانات الهائلة المتاحة للرئيس أمر غير قانوني  من دون أدنى شك، لكن ترامب المرشح للرئاسة استغل دون خجل ولا يزال وهو في الأيام الأخيرة لعهده منبر البيت الأبيض وكافة الإمكانات المخصصة لرئيس الولايات المتحدة من الطائرات العمودية وحرس الرئاسة وميزانية الرئاسة وامتيازات كثيرة أخرى في سبيل الدعاية الشخصية.

والعجيب،

 أن أحداً من الطاقم السياسي من كلا الحزبين لم يتفوّه بكلمة تتعلق بهذه المخالفة القانونية الفظّة من جانب الرئيس، إذ لو كان مسموحاً للرئيس في الولايات المتحدة استخدام إمكانات الرئاسة والدولة لمصلحته الشخصية لكي تودي إلى فوزه لجاز ذلك أيضاً لحكام بلادنا الذين يضمنون لأنفسهم بهذه الطريقة البقاء في الحكم حتى يأتيهم الموت أو تحدث عملية انقلاب عسكري تُزيحهم عن العرش والسلطة.

وخلاصة القول،

 أن الحقائق عن عنصرية النظام الأمريكي والتي بذل الإعلام طوال عقود أموالاً طائلة لإخفائها قد انكشفت، وذلك النظام الذي قام عملاء أمريكا بتسويقه بين شعوب العالم كمَثَل يجب الإقتداء به لتكون متحضرة وسعيدة في حياتها قد انفضحت، وإن العورات التي عمل بكل جهد المنبطحون أمام الطغمة الحاكمة في البيت الأبيض والمنسحقون أمام أصحاب الأساطيل على التستر عليها قد بانت، وتهاوت الأسطورة بفعل التصرفات الرعناء للرئيس الأمريكي الأحمق، وانحدرت الولايات المتحدة حتى أصبحت أضحوكة العالم ومسخرة الأمم، وصار من الواجب من اليوم فصاعداً أن يبحث الناس عن أسوة جديدة غير الحضارة الغربية التي انفضح أمرها، وأن تفتش الشعوب عن أنموذج غير الذي تبين فشله في تامين السعادة للإنسان وبسط العدالة بين الشعوب وتحقيق الأماني للأمم، ولقد أخبرنا الله سبحانه في كتابه العزيز عن مآل الأمور ونهاية القضية وعاقبة البشر ولو بعد حين، وذلك بقوله:

( ونريد أن نمنّ على الذين استُضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين ) صدق الله العلي العظيم

السيد صادق الموسوي

 

مجلة الشراع