عندنا وطن ضائع إسمه لبنان

رحم الله الأيام الخوالي زمن التراحم والتضامن ، عندما كان يستوقفنا في أحياء طرابلس الداخلية صوت المنادي في المفترقات ، وهو يرفع عقيرته بالنداء ، يهتف بصوت جهوري : يا ولاد الحلال عندنا ولد ضائع،
يصف عمره وصفاته وملابسه وإسمه ثم يقول: من يجده فليوصله إلى أقرب مخفر أو إلى الجامع المنصوري الكبير وله الأجر والثواب.
وكم حري بنا في هذه الأيام أن نستعيد مثل هذا المنادي ليطلق العنان لحنجرته في أرجاء هذه الأمة بأسرها بهذا النداء : يا ولاد الحلال عندنا بلد ضائع إسمه لبنان ، من صفاته أنه كتب عليه أن يكون بلد الفسيفساء من كل جنس ولون بشري وهو شبيه جمال يوسف وهذه نقمة أبتلي بها سببت له أن بعض إخوته ألقوه في غياهب جب المحن والأزمات والصراعات الداخلية والخارجية منذ عدة عقود، فمن يا أولاد الحلال ينقذ هذا اللبنان التائه الضائع، الذي لم يقر له قرار ولا إستطاع أن يهدأ أو يستكين حتى الآن.
ونتوخى أن يتابع هذا المنادي المزيد من مواصفات هذا الوطن والأسباب التي ادت إلى ضياعه فيقول: هو بلد في مجرى الرياح كلما هبت من أي جهة فلا بد لها إلا أن تمر في هذا البلد تعيث فيه فوضى وخراباً ودماراً ..إلى أن تهدأ فيعمد أهله إلى لملمة آثار التسونامي لبعض الوقت قبل أن تعصف به مجددا رياح أخرى تقلب أوضاعه رأسا على عقب .
بلد لم يعرف النوم قط، ولم يذق طعم الراحة ، فهو في أرق دائم تقض مضاجعه أزمات متتالية كلما فك عقدة أو حل أزمة نبتت له أو بالأحرى أنبتوا له أزمات أخرى ، فلا يكاد المواطن يصدق أن هذه الأزمة التي مر بها – أي أزمة – ستكون آخر همومه ومشاكله وأن الفرج آت لا محالة بعدها ، ولكن سرعان ما يصاب بصدمة تواجهه مع أزمة أشد وأعتى تمعن في قلقه وفي توتيره دون تفاؤل في الأفق، والتي تنضح بالكارثية وعظائم الأمور إلى درجة يمكن أن يصل فيها البلد إلى الشلل العام إن لم نقل أكثر.
ترى الى متى سيظل هذا الوطن الضائع بين صراعات إقليمية ومؤامرات دولية، ومخطوفا لا ندري ما هو مقدار الفدية التي ينبغي ان تدفع من أجل إسترداده؟
أم انه لا أمل في أن نستعيد حضوره ، كما كان، بلدا حرا موحدا مستقلاً لا تطغى فيه فئة على أخرى؟
إن على المنادي الذي إستذكرناه أن يكون هذه المرة أشد إنذارا وهو يوجه نداءه إلى الجميع ، داخل لبنان وخارجه، أنه إذا لم يتم إستعادة هذا الوطن حضوره ووجوده ، فإن مسلسل الضياع سوف يطاول العديد من الأوطان والبلاد المجاورة .
المهم أن نكون يقظين وحذرين مما يحاك لهذا البلد من مخططات ومؤامرات تؤدي فعلا إلى إستمرار ضياعه وزعزعة كيانه ومؤسساته تمهيداً لتفكيك عراه وتفسيخ دعائمه ، بل ربما إزالته من الخارطة ، وعندها لن ينفع المنادي ، ولن تجدي المحاولات المخلصة إن وجدت.
وأعذرونا لتشاؤمنا فما نراه لا يبشر سوى بالكآبة والغيوم الملبدة وإستمرار الضياع.

 

أخوكم الشيخ مظهر الحموي