د. زياد علوش “غزة” ترغم إسرائيل على تعديل عقيدتها العسكرية

صرح رئيس أركان الجيش الإسرائيلي «هرتسي هليفي» بأن الحرب على غزة مستمرة وسوف تتحول لحرب استنزاف لقدرات حماس.

هذا التصريح بعد تسعة أشهر من الحرب المتواصلة على غزة من الرجل الثاني في المؤسسة العسكرية الإسرائيلية بعد وزير الدفاع اعتراف صريح ليس فقط بالهزيمة وعدم القدرة على تحقيق الأهداف المعلنة من إعادة الأسرى بالضغط العسكري وإبادة حركة المقاومة الفلسطينية «حماس» بل إلى هزيمة استراتيجية أرغمت الجيش الإسرائيلي على تعديل عقيدته العسكرية وما صرح به هليفي يشكل بداية كرة الثلج.

عرف عن إسرائيل قدرتها الفائقة في سرعة حسم حروبها مع النظام العربي الرسمي كما عرف اضطرار العرب اللجوء إلى حروب الاستنزاف والاحتفاظ بحق الرد مع إسرائيل لحفظ ماء الوجه.

الآن نشهد العكس يتمثل بذهاب تل أبيب لحرب الاستنزاف مع حماس وهذا تطور كبير جدا يقلب المفاهيم العسكرية السائدة في الشرق الأوسط رأسا على عقب.

سبق وصرح رئيس الوزراء الإسرائيلي «نتنياهو» بأنه ذاهب للنصر المطلق من أجل إنجاز استكمال الاتفاقات والتفاهمات «التطبيع» وبزعمه أن المنتصر يفرض شروطه ويتمتع بالغنائم.

لآن مع ازدياد وتوسع مأزق تل أبيب من غزة إلى جنوب لبنان والبحر الأحمر والمحاكم الدولية وإرباكات بايدن وماكرون وسوناك… واتساع رقعة الاحتجاجات الدولية وأفول السردية الصهيونية وبروز التغريبة الفلسطينية بلع «نتنياهو» لسانه وادعاءاته ولم يبق أمام تل أبيب لتقليل الخسائر سوى إحالة الحكومة الأشد تطرفا إلى التاريخ ورئيسها إلى السجن على أن الأوجاع الاستراتيجية الإسرائيلية سيتم إحصاؤها الفعلي في اليوم التالي لانتهاء العدوان على غزة فالحصيلة كالتالي: جيش إسرائيلي مفكك ولا تزال حماس في الميدان والأسرى بانتظار الاتفاق وحزب الله في الشمال ازداد جرأة في استهداف وتهديد الشمال الفلسطيني المحتل.

في اليوم التالي إذ لم تكن إسرائيل ذاهبة نحو الزوال فإن أمامها المزيد من التعديلات ليس بالمفاهيم السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية بل بالعقيدة الصهيونية التلمودية نفسها حيث كرة الحريديم تتدحرج في هذا السياق لتبلغ عمق التعارضات البنيوية في تل أبيب بين المستويات الدينية والسياسية والعسكرية والأمنية والعرقية والاجتماعية.

مكمن خطورة الضعف والانهيار الإسرائيلي هي أن تعود تل أبيب بعقيدتها النووية إلى الاستخدام عند الشك بالتهديد بدل التأكد حيث إن اصبعي «بن غفير وسموتريتش» على الزناد على قاعدة انه لا يمكن الضغط على فريسة مهملة وليس لديها ما تخسره.

بمعنى آخر هل نحن أمام شرق أوسط جديد بدون إسرائيل وهل سيكون افضل أم أسوأ نعرف ذلك عندما نعرف الوكيل الجديد لواشنطن في المنطقة.

أو عندما تتضح أبعاد التقاطعات والتعارضات بين غزة وعواصم القرار الإقليمي الجدد.

كاتب صحفي ومحلل سياسي لبناني

«غزة» ترغم إسرائيل على تعديل عقيدتها العسكرية