*كتب الإعلامي الدكتور باسم عساف في جريدة الشرق – بيروت :* *الحربُ التَنافُسيَّة … بين العسكرِيًّة والنّفسِيَّة …*

 

*درجت قيادة الكيان الصهيوني منذ بداية مجيء اليهود ، من الشتات إلى أرض فلسطين ، بموجب تنفيذ مقررات المؤتمر اليهودي العالمي ، الذي عقد في مدينة بازل بسويسرا عام /١٨٩٧ ، حيث إتُّخِذ القرار المشؤوم ، بإقامة الوطن القومي اليهودي على أرض فلسطين ، والذي دعمه وعد بلفور الإنكليزي ، وتم تنفيذه خلال إحتلالهم لهذه الأرض السليبة ، ودعمهم لهم بالسلاح والعتاد والتدريب ، لإنشاء العصابات المسلّحة ، وكان أبرزها الهاغانا ، التي أقامت العديد من المجازر الدموية في البلدات والقرى الفلسطينية ، وأكبرها كانت مجزرتي : كفر قاسم ودير ياسين ، وتشريد سكانها من أجل إستيطان القادمين من أوروبا والشتات اليهودي ، وقد دام ذلك حتى إتخاذ القرار التآمري بتقسيم فلسطين لدولتين ضمن إجتماعات الأمم المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية …*
جاء هذا القرارالظالم بحق الشعب الفلسطيني خاصة ، والعربي والإسلامي عامة ، وبعده تم إنشاء الكيان الصهيوني وإدخاله عضواً أساسياً في هيئة الأمم ، من دون دولة فلسطين ، التي لم تدخل بعضوية الهيئة ، وظلت تحت المراقبة ضمن المخطط الصهيوني المشبوه ، لغاياتٍ توسعيةٍ ظهرت فيما بعد ، بالسيطرة الكاملة على كل أرض فلسطين ، ضمن سيناريو قد ساهمت فيه كل دول العالم بما فيه الدول العربية والإسلامية ومؤتمراتها المتعاقبة …
*تم تكوين جيش الدفاع الإسرائيلي ، بعدما بات الكيان دولةً معترفٌ بها دولياً ، وليكون له حق الدفاع ، عن الأراضي التي إقتسموها ، ويكون له التبرير الوافي بالتوسع والإستيطان على حساب الشعب الفلسطيني وأرضه ، لأن القرار الدولي لم يحدد نطاق أرض الكيان ، وبالتالي باتت الأرض الفلسطينية مستباحةٌ لأي عذرٍ يفبركونه ، تحت أي مُسمىً دينيٍ أو ميدانيٍ أو إستراتيجيٍ ، للوصول إلى غايتهم بإقامة إسرائيل الكبرى …*
هذا ماشهدناه مع الحروب المتعددة ، التي جرت تباعاً مع الدول العربية المحيطة ، ونتيجتها التوسع وإقامة إتفاقية مع كل دولة ، لتكريس حدودٍ جديدةٍ على حساب دول الطوق ، التي أقرَّت بقاعدة :*( الأرض مقابل السلام)* ، وهذا هو المطلب المرحلي للمخطط الصهيوني بإقامة الوطن القومي اليهودي ، الذي تهديه هذه الدول مجاناً ، وبالولاء لشروط الأعداء …
*العديد من قواعد اللعبة ، قد إنتفت وإنعدمت آثارها ، وباتت معها الأمور مكشوفة على مصراعيها ، من بعد عملية طوفان الأقصى ، التي نزلت كالصاعقة على حكومة وأركان حرب ( الجيش الذي لا يقهر) ، وكل القيادات والحاخامات وكل المستوطنين ، الذين زرعوا في هذه الأرض تحت غطاء صواريخ القبة الحديدية ، ونطاق المسيِّرات الحديثة ، التي تضرب دون هوادة ولا إنسانية أو أدنى تفكيرٍ بشريٍ للإحساس بالآخرين ، وخاصةً ممن تطالهم صواريخهم ، وأسلحتهم بالقتل الشامل ، والتدمير الكامل ، والإبادة التي لا يرضى بها عاقل ، لتمعن بالهدم والقتل والحريق والتشريد ، وتمنع وسائط الحياة ، عن أي نوع من أنواع البشر …*
لقد كشفت حرب غزَّة المستور على كل الصعد ، وكل البلدان والفئآت التي باتت رهينة القرار الحاسم ، الذي إخذته حركتي حماس والجهاد بتحرير الأرض ، قبل تحرير الرهائن ، والإنسحاب الكامل من القطاع والضفة ، تمهيداً للإنسحاب الكلِّي الذي يعطيه حجمُهم بالكذب والرياء ، ويطبع جبينهم بمشاهد الذلِّ والهوان ، حيث إنقلب السِّحر على السَّاحِر ، وباتت كل خططِهِم وأهدافهم وغاياتهم ، تحت المجهر ، وبات إستخدام الفلسطيني لوسائلهم ، والإستيلاء على المعلومات المسخَّرة لمجازرهم ، والأرض التي كانت تحفظ محاورهم ، وكافة الوسائل الحديثة المستخدمة للتفوق والتعالي والنصر لهم ، والتي بانت أنها مسخَّرة عليهم ، بحُسنِ الإستخدام لها من قبل المقاومين ، والأداء الحقيقي في المواجهة والدفاع عن الأرض والعرض ، بكل صدقٍ وتفانٍ ، للذود عن أرض الوطن ، والشهادة في سبيل حرية العبادة ، وإتباع تعليمات القيادة …
*الربيع اليهودي الذي عاشه الكيان الصهيوني في ظل سنوات العمالة والخيانة ، قد ولّى إلى غير رجعة ، إذ أن فضائح الخلافات العربية المدبلجة والمركَّبة على مقياس الخيانة ، قد تحوَّلت إلى الداخل الصهيوني ، وبدأت كل الأجهزة الحكومية والعسكرية والسياسية والإستيطانية ، وكل نواحي الحياة في الكيان ، قد ذبُلَت مع الخريف ، الذي بدأ في/ ٧ تشرين أول ، وقد طال الزمن به ، مع إطالة زمن الحرب ، التي إنغمس بها المَوتور والمجنون ( نتن ياهو) وغرق برمالها المتحركة ، ولا يقدر على الخروج منها ، لأنَّ كل الأقنعة قد سقطت ، وهي التي كان يُعتمَد عليها بالكذب والرياء ، التي كانت تغزو أحلامه التوسعية والسلطوية ، ولكنه قد فقد معظم أوراقها مع تساقطها في الخريف اليهودي ، فسقط من عين كل الحلفاء ، وكل المتعاونين ، الذين باتوا في حيرةٍ من أمرهم معه وإنقطعت كل الحبال والحبائل ، وإنكسَرَت كل الأغصان الداخلية والخارجية ، لتشهد السقوط الكلّي للكيان ، وإنهيار المخطط الجهنمي لدولة إسرائيل …*
الرأس اليابس الفاقد لأهليته الحيوية ، والخاسر لأهليته القانونية ، والمتلاشي بأهليته العصبية ، والمنهزم بأهليته السياسية والإجتماعية ، أمام وعودٍ عرقوبيةٍ ، بإعادة الرهائن بأساليب عسكرية ، والقضاء على حماس ، بعد أن إكتشفوا حبائل المشروع الصهيوني وأكاذيبه ، ووعودهم بتشريد أو إبادة الشعب الفلسطيني ، وتناسوا أنه شعب الجبارين وأنهم أبناء أكناف بيت المقدس وما حوله ، فعادوا :*( بتجربةِ المجرَّب ، مع الذي عقلُه مُخرَّب)* …
*يتنافسون لإبراز ولإحياء أضاليلهم بالحرب النفسيّة ، وهم يجرجرون خيباتهم في غزة ، لينبروا بالتهديدات إلى لبنان ، لأجل إجتياحه بحرب شاملة ، وهم يصعِّدون بالحملات الكلامية وإشاعات الحرب النفسية ، كما بدأوا فيها مع الإنكليز وإستخدموها برسائل مكماهون مع العربان ، وبإتفاقيات السلام المزعوم مع العريان ، التي ذهبت للتاريخ مع النسيان ، وهم الذين خسروا الحرب العسكرية في الميدان ، ولا يمكن لهم ربحها نفسياً أو يتنافسوا فيها عسكرياً بمرور الزمان ، …*