الخدمات الاعلامية

المركز الثقافي الإسلامي بيروت /ليلة القدر في سؤال وجواب القاضي الدكتور محمد النقري

سألتني راهبة في إحدى حلقات التدريس الجامعي عن القضاء والقدر فيما لو أنه يفيد التسيــير لا التخيــير مؤكدة ما يجنـــح اليه الإعتقاد الشعبي بتســميته » المكتوب « ، وما نتداوله في أحاديثنا حين نردد على الدوام كلمتي إن شاء الله وبإذن الله. أجبتها بأن الإنجيل يقول : “أَما يُباعُ عُصفورانِ بِفَلْس؟ ومعَ ذلِك لا يَسقُطُ واحِدٌ مِنهُما إِلى الأَرضِ بِغَيرِ عِلمِ أَبيكم * أَمَّا أَنتُم، فشَعَرُ رُؤُوسِكم نَفسُه مَعدودٌ بِأَجمَعِه”، وأيضاً : “فلا تسقط شعرة واحدة من رؤوسكم من دون علم أبيكم الذي في السموات”، والقرآن لدينا يقول : {رَبَّنَا إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ وَمَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ} فالله يعلم دبيب النملة السوداء تحت الصخرة الصمّاء في الليلة الظلماء. وهو يعلم خفايا صدورنا ونوايانا قبل أن يخلقنا بمقتضى علمه الأزلي القديم، فسجله وكتبه قبل تحققه ، بل سجله بمقتضى هذا العلم أي تغيير في إرادتنا وسعينا الى استبداله وتغيير مساره ووجهته فيما لو راجعنا انفسنا قبل حدوثه. وهذا ما أكدته كلمة « Omniscience » التي تفيد علم الله المطلق بكل الأمور.
أعادتني هذه المداخلة الى سؤال الكثيرين عن ليلة القدرلما فيها من مشترك إيماني عند المسلمين في مسألة تسميتها بليلة القدر، فوضعت ما يطرحه الناس من تساؤلات على شاكلة أسئلة وأجوبتها :
السؤال الأول : سر تسمية ليلة القدر؟
توجد خمس لطائف تأويلية مختلفة تندرج تحت هذه التسمية :
1. أن ليلة القدر وصفها الله بأنها ذات قدر وشرف لنزول القرآن فيها، حيث تنزّل الملائكة والروح – وهو جبريل عليه السلام – بالرحمة وبكل أمر قدره الله وقضاه فى تلك السنة.
2. أن الإنسان الذى يحيى هذه الليلة هو المقصود بوصف القدر، وليس الليلة فى ذاتها. فيكون الإنسان العابد والطائع لله الذى يحيى هذه الليلة بالعبادة والعمل الصالح هو صاحب القدر والشرف.
3. أن الليلة فى ذاتها ذات قدر لم يصل الى مرتبتها أي تقدير آخر من كل الليالي عند الله،
4. أن ليلة القدر جاءت بذلك الاسم لأن الله يقدر فيها للعباد من الارزاق والآجال والأعمال،
5. ومنها من أشار الى معنى القدر بالضيق كما في الآية الكريمة “ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله”، والقدر في هذه الليلة يدل على ضيق الأرض بنزول الملائكة في تلك الليلة على جهة الخصوص .
السؤال الثاني : ما الفرق بين ليلة القدر والليلة المباركة التي وردت في سورة الدخان بقوله تعالى: «إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ * فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ * أَمْرًا مِّنْ عِندِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ»
أكثر المفسرين يذهبون الى القول بأن الليلة المباركة هى نفسها ليلة القدر؛ لأن المقصود بالنزول هو القرآن الكريم. فكما وصفت في سورة الدخان وصفها الله كذلك فى سورة القدر وأعطاها اسم ليلة القدر : «إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِى لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ * سَلَامٌ هِيَ حَتَّىٰ مَطْلَعِ الْفَجْرِ. فسورة الدخان وصفتها بإسمها “ليلة مباركة” ، وسورة القدر وصفتها بالمعنى دون الإسم. وتعدد الأسماء للشىء الواحد يدل على العظمة.
وذهب بعض المفسرين إلى أن المقصود بالليلة المباركة هى ليلة النصف من شعبان التى ورد فى شأنها حديث الطبرانى: «إن الله ليطلع فى ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك أو مشاحن «
السؤال الثالث: ما أفضل طريقة لإحياء ليلة القدر ؟
إحياء تلك الليلة على جهة الكمال يتم باتباع مسلك تعبدي خاص لها :
· البدء منذ صلاة الفجر بتلاوة أذكار الصباح، وترديد الباقيات : وهي سبحان الله، الحمد لله، الله أكبر، لا إله إلا الله وحده لا شريك له،
· الإكثار من التصدق في كافة ليالي العشر الأواخر من رمضان، باعتبار أن موعد ليلة القدر ليس بشكل معروف على جهة التأكيد،
· الحرص على الدعاء قبل غروب شمس العشر الأواخر، أن يوفقنا الله في قيام ليلة القدر، ويرزقنا فضلها،
· المواظبة على السنن النبوية، سواء عند الإفطار بذكر الدعاء المخصص للإفطار : “اللهم لك صمت وعلى رزقك أفطرت وبك آمنت وعليك توكلت ذهبَ الظمأ وابتلَت العروق وثبُتَ الأجرُ إن شاءَ الله”، أو ذكر دعاء النبي صلى الله عليه وسلم عند سماع الأذان،
· ذكر أكبر قدر ممكن من ترديد هذا الدعاء : اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني،
· إعادة الحقوق الى أصحابها واستسماح من أصبتهم في نميمة وكذب، والحرص على بر الوالدين، وتقديم المساعدة لهما،
· الخشوع في الصلاة واستشعار آيات القرآن الكريم بها، مع الحرص على صلاة النوافل،
· تعطير اللسان بذكر الله سبحانه وتعالى، سواء بالأسماء الحسنى كلها، أو صيغ التهليل والحمد والتكبير والاستغفار،
· الحفاظ على الصلاة في أوقاتها، دون أي تأخر أو تأجيل،
· قراءة القرآن الكريم، والتدبر في معانيه والبحث عن تفسيرات كل آية، مع الدعاء بكل ما في قلبك من أدعية وأمنيات ترغب في تحقيقها.
السؤال الرابع : هل يُشترط فى ليلة القدر أن تكون فى رمضان أم يمكن أن ترد فى شهر آخر غير رمضان؟
وفيه قولان للعلماء:
1. بعض العلماء يرى أن ليلة القدر منحة سماوية تنزل بحسب إرادة الله فى جميع السنة، فقد تكون فى رمضان وقد تكون فى غير رمضان.
2. جمهور الفقهاء يرى أن ليلة القدر تكون حصرياً فى شهر رمضان؛ لقوله تعالى: «شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ» (البقرة: 185)، مع قوله تعالى: «إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ».
السؤال الخامس : إذا اخترنا القول بأن ليلة القدر فى شهر رمضان فقط ففى أى يوم بالتحديد؟
اختلف الفقهاء فى تعيين ليلة القدر من شهر رمضان على أقوال كثيرة :
القول الأول : يرى أن ليلة القدر هى ليلة معينة من جميع ليالى رمضان، وخاصة في العشر الأواخر في ليالي الوتر،
القول الثاني : يرى أن ليلة القدر هى ليلة معينة من العشر الأواخر من رمضان. للحديث المروي عن ابن عمر أن النبى، صلى الله عليه وسلم، قال عن ليلة القدر: “التمسوها فى العشر الأواخر، فإن ضعف أحدكم أو عجز فلا يغلبن على السبع البواقى”،
القول الثالث : يرى أن ليلة القدر هى ليلة متنقلةغير مستقرة على جهة التحديد فى شهر رمضان. فقد تأتى فى أي يوم منه من كل عام،
القول الرابع : يرى أن ليلة القدر هى ليلة معينة من ليالى العشر الأواسط من رمضان.
وأما الأقوال المحددة بتعيين ليلة معينة من ليالي رمضان لتكون هى ليلة القدر، فمن أشهرها:
1. أن ليلة القدر هى أول ليلة من ليالى رمضان،
2. أن ليلة القدر هى ليلة السابع عشر من رمضان، لأنها الليلة التى كانت فى صبيحتها موقعة بدر الكبرى، ونزل فيها قوله تعالى: «وَمَا أَنزَلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ» وهو ما يتوافق مع قوله تعالى: «إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ»،
3. أن ليلة القدر هى ليلة التاسع عشر من رمضان. وهذا القول مبنى على اختلاف الرواية فى تحديد يوم موقعة بدر الكبرى.
4. أن ليلة القدر هى ليلة السابع والعشرين. وهذا القول هو الأشهر عند الفقهاء حيث رُوي عن أُبىّ بن كعب، قال عن ليلة القدر: والله إني لأعلم أى ليلة هي، هى الليلة التى أمرنا بها رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بقيامها وهى ليلة صبيحة سبع وعشرين.
5. يرى الإمام الشافعى أن ليلة القدرهى ليلة الحادي والعشرين، وفى رواية ليلة الثالث والعشرين من رمضان.
السؤال السابع : هل توجد علامات لليلة القدر؟
· من علامات ليلة القدر المتداولة :
· سطوع الشمس دون أشعة في صباح اليوم التالي لليلة القدر .
· الشعور بنسيم معتدل في درجات الحرارة فلا حرارة شديدة ولا برودة قاسية.
· الإحساس بصفاء السماء ونقاء الجو وسكينة الروح والنفس.
· الإقبال على الله عز وجل في هذه الليلة والاسترسال في دعاء لم يأت على ذكره العبد من قبل.
السؤال الثامن : هل يفصح من رأى ليلة القدر للناس عما رآه أم يستر على غيره ما رأى؟
من يرجح لديه بأنه رأى ليلة القدر قد يختلط عليه الأمر فيُستحب له أن يكتمها لنفسه ولا يخبر بها الآخرين، حرصاً على عدم تناقلها بين الناس والمبالغة فيها، فما أفاء الله على عبده من أمور كشفها له تستلزم الخصوصية والكتمان، وليس المجاهرة خشية الرياء. في حديث ضعيف يستشهد به من باب الوعظ «أن النبي – صلى الله عليه وسلم – لقي رجلا يقال له: حارثة، في بعض سكك المدينة، فقال: ” كيف أصبحت يا حارثة؟ ” قال: أصبحت مؤمنا حقا. قال: ” إن لكل إيمان حقيقة، فما حقيقة إيمانك؟ ” قال: عزفت نفسي عن الدنيا، فأظمأت نهاري، وأسهرت ليلي، وكأني ‌بعرش ‌ربي ‌بارزا، وكأني بأهل الجنة في الجنة يتنعمون فيها، وكأني بأهل النار في النار يعذبون. فقال النبي – صلى الله عليه وسلم -: ” أصبت فالزم، مؤمن نور الله قلبه» “.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Here you can just take everything you need for efficient promotion and get the job done well. o’tishingiz Surprisingly, this is not the same as the circumstance with Mostbet. agar o’yinchi MostBet in Bangladesh offers a plethora of pre-match picks in over 20 different sports. o’yin boshlanishidan oldin This means you may use the mobile version to safely make deposits and withdrawals. dasturi