كتب الإعلامي الدكتور باسم عساف في جريدة الشرق – بيروت: تَمرَّغ أنفُها … وبَقيَت عيُونُها …

نشأة الكيان الصهيوني ، المركب في المطابخ الدولية ، والمتموضِع في أرض فلسطين بإسقاط رأسي ، وبشكلٍ هرمي بمظلةٍ إنكليزية ، هبطت على الأرض المقدَّسة من فضاءٍ إحتلالي ، ووعدٍ إحتيالي ، وعهدٍ إعتلالي ، قد إلتزمت به بريطانيا ، الدولة الإستعمارية الإستبدادية الأولى في العالم في حينها ، والتي جنّدت كل أساليبها الإحتيالية ، لأجل تنفيذ غايتها الإحتلالية ، وتحقيق مصالحها الإستغلاالية ، التي إعتمدت بها على قاعدة : (فرِّق ، تسُد ) ، ولا تأبه بها أي نداء لمظلوم ، وأي صرخة إستغاثة لملهوف ، وتمضي قدماً على القاعدة الحيوانية : ( القافلة تسير ، والكلاب تنبح ) ، لأنهم يعلمون من خلال تجاربهم أنهم يتعاملون مع القطط والفئران ، التي نُصِّبَت على سلطة دويلات وإمارات وسلطنات وزَّعتها على الأنصاب والأزلام من الخونة التابعين من عشائرِ العربان ، الذين فرحوا بالعروش ، التي أسمنت الكروش ، بحفنة من الدنانير والقروش …
ما تسمى دويلة إسرائيل التي تدل على : (الوطن القومي اليهودي) ، كما قرر إنشاءَه اللوبي اليهودي الصهيوني ، في مؤتمر بازل بسويسرا سنة /١٨٩٧ وتبنته الحكومة البريطانية سنة/ ١٩٠٧ ، مع المؤتمر الذي جمع به رئيسها ليبرمان سبع دول أوروبية ، وأيدوا إقامته على أرض فلسطين ، وحيث وعدَهم به وزير خارجيتها بلفور سنة/ ١٩١٧ …
وبالفعل فقد بدأوا بتنفيذه بعد أن إستقر الحال للإنكليز ، وكان نصيبهم بإحتلال فلسطين من خلال إتفاقية سايكس – بيكو ، وهي التي تمت مع فرنسا ، حيث توزّعوا التركة والإرث الجيوغرافي التركي في المنطقة العربية ، وبعد إنتصار الحلفاء في الحرب العالمية الأولى …
وقد بدأوا بإستقدام اليهود من أوروبا بعد أن إصطنعوا محارق ( الهولوكست) ، لتشجيعهم على الهروب والتجميع في أرض فلسطين ، بأكبر مسرحيَّة عالمية صهيونية ، قد جرت مع بداية القرن العشرين بإعتمادها على الخيانات مع رسائل مكماهون ، وتستمر لما بعد بداية القرن الواحد والعشرين المستمر مع خيانة التطبيع والذل والهون …
إعتداءآتٍ ومجازر عديدةٍ ، وإستنزافٍ عسكريٍ من الدويلة اليهودية ، لجيوش البلاد العربية ، ضمن حروبٍ نفسيَّة ومسرحيةٍ وإصطناعيّةٍ ، أملت على الشعوب صورة : الجيش اليهودي الذي لا يقهر ، في وقت ٍ قد وضعت الجيوش العربية في مشهد الإستعراضات العسكرية في اليوم الوطني ، أو أعياد الإستقلال (كما يشيعون ذلك) ، بأبهى عرض ، وأعظم حشود تجمع فيها كل أنواع الأسلحة من كافة القطاعات والفِرق التي تزودُ عن الحكام والمتسلطين ، وتدافع عن القصور والعروش ، وتصدُّ الشعوب والمواطنين عن أي حماس للمواجهة والمقاومة والدفاع عن الأوطان ، التي إحتُلّت بأبخس الأثمان ، وتسلمها الولدان والغلمان ، فباتت في عروبتها بخبر كان …
منذ ما قبل إعتماد قرار الأمم المتحدة بتكريس الدولتين على أرض فلسطين سنة/ ١٩٤٨ ، والإعتراف بالكيان اليهودي وحجز مقعد معتمد في هيئة الأمم ومجلس الأمن وإعتماد حق النقض الفيتو ، لأجل حمايتها والحفاظ على كيانها من أي قرارٍ يُدِينها ، نظراً لأن اللوبي الصهيوني يعلمون مدى تعدياتها وإنحرافها عن القانون الدولي ، وماهيَّة المعاهدات الدولية والتي ستصبُُ غضباً على إرتكابات ومجازر اليهود والتشفي بأبناء فلسطين ، الذين يدافعون عن أرضهم وبلدهم ومقدساتهم بمواجهة الأعداء المحتلين والغاصبين والمستغلين ، فكانت المجازر والتعديات والتوسع منذ وصولهم ونزولهم على أرض فلسطين ، وتوزيع الأسلحة والذخائر عليهم من قبل الإنكليز ، ليمعنوا فيها القتل والتدمير والتشريد لأصحاب الأرض ، ولأصحاب الحقوق فيها ، ولمن يملك قرارها والسيادة عليها…
حتى أن تكريس الكيان اليهودي في فلسطين ، لم يقف عند الحدود المصطنعة لهم ، بل باتوا يتمادون في التوسُّع بالإحتلال ، وبناء المستوطنات على أرض السلطة الفلسطينية ، التي قرِّرَت لها في الأمم المتحدة وخاضت الحروب المتعددة منذ / ١٩٤٨ وتقسيم فلسطين ، ثم ٥٦/ وأيضاً /٦٧ ثم/ ٧٣ و/٨٢ و٩٦ ثم /٢٠٠٦ ، وجميعها وصمت الجيوش العربية بالعار والخسارة والإنتكاسات بفعل الخيانات والعمالة السلطوية للحفاظ على عروشها وقصورها …
بعدها جاءت أحداث الإنتفاضة الأولى من أطفال الحجارة ، والتي رفعت المعنويات بأن جيش الكيان يمكن أن يُهزم بشجاعة الأطفال ، وإرادة الشباب وهمّة المخضرمين …
وقد أثبتت الإنتفاضة الثانية ، ثورة الصدور العارية ، أن المقاومة هي الطريق السليم للمواجهة وردع الإحتلال ، وبعدها جاءت أحداث غزة والضفة التي تستمر منذ سنة/ ٢٠٠٧ وحتى معارك طوفان الأقصى بالأمس القريب ، التي أذهلت العالم بنتائجها المميزة والباهرة ، والتي كشفت المستور ، من خيانات كل خائن موتور ، وإلى المهانة والتطبيع مجرور ، وهو بالوعود الكاذبة مغرور …
لقد أثبتت أحداث قطاع غزة الأخيرة ، والتي جاءت كردة فعل يهودية على الضربة القاضية لهم ، بعملية طوفان الأقصى ، والتي كشفت كل الإدعاءآت من الكيان اليهودي بالسلام والتطبيع التجاري والإقتصادي الذي ينهض بالمنطقة والعالم ، ويدخلهم بخارطة الطريق التي تنشر الديموقراطية والإنفتاح والتعاون ، للحفاظ على أمن وأمان الكيان اليهودي ليبقى متحكماً بالمنطقة والعالم أجمع ، وفق ما ينادون به على أنهم شعب الله المختار وأن الأرض قد وضعت لتسلطهم وهيمنتهم ، والحكم فيها لهم برأس واحد يقودها لإشباع الرغبات والأنانيات ، وعليه فإنهم يرون باقي البشر على شاكلتهم فقط لأجل خدمتهم ويسعون في مآربهم ….
الكيان اليهودي قد إهتزَّ عرشه وحصنه الحصين ، المبني على الخيانة والعمالة ، وبفعل الإرادة والثبات والإخلاص للقضية والأرض والمقدسات ، فقد إنهزم شرَّ هزيمة من قِبل ثلَّةٍ من المجاهدين المقاومين ، الذين أعطوا المثل والمثال لكل جيوش العرب بل جيوش العالم ، بأن إرادة أصحاب الحق ، تقضي على الهيمنة المبنية على الكذب والإفتراء ، لأجل كسب المال والسلطة ، والتنافس في جني الأرباح والمكاسب …
وقد إنتصرت الإرادة والإخلاص ووضعت العالم أجمع بين خيارين : إما أن تكون مع الحق وأصحاب الأرض والوطن ، وإما أن تكون مع الباطل في الإحتلال والإستغلال …
وقد إستطاع أبطال القسَّام أن يقسِّموا العالم إلى قسمين : الحق والباطل في عمليةٍ واحدةٍ موفقةٍ مع الصبر والثبات ، على جنون القصف والتدمير الذي طال المساكن والأحياء الشعبية ، وقتل المدنيين من النساء والأطفال والشيوخ والعجزة والمرضى في المستشفيات والمدارس والكنائس والمساجد من دون رحمَةٍولا وخزةِ ضميرٍ إنسانيٍ حيث لا يوجد مطلقاً …
إن الأيام والعزّ والغرور لا يدوم مع الباطل ، حيث إستطاع هؤلاء المجاهدون على رغم قلّتِهم وضعف إمكانياتهم وبدائية وسائلهم ، ولكن مع عزَّة إرادتهم ، وصفاء إخلاصهم ، ومتانة إيمانهم بقضيتهم وبلدهم ، والدفاع عن أرضهم ومقدساتهم بقوة وصلابة ، إستطاعوا أن يمرِّغوا أنفَ الكيان وقادَتِه في تراب غزة العزّة ، حيث لم يحققوا أي هدفٍ من أهدافهم العسكرية ، بالقضاء على المجاهدين المقاومين ، رغم إستخدام كل أنواع وأثقال الأسلحة التدميرية الشاملة ، ورغم الحصار بشتى أنواعهِ والإبادة الشنيعة مع شعب غزّة وكل فلسطين ، والإستقواء على المدنيين العزّل بالقتل الجماعي ، كتعويض عن خسائرهم العديدة يومياً…
وقد ثبت أنه الجيش الذي يقهر بأبسط المواجهات ، ليستقوي بالعملاء والخائنين كما تعوَّد عليهم لسنوات عديدة قد خلت ، وخاصةً في عمليات الإغتيال والوصول إلى القادة عن طريق وشاية مخابراتهم وعيونهم المتربصة والجاحظة على تحركات المقاومين ، وكشف تحصيناتهم ، لتنال منهم وتصيب الهدف من دون مواجهة ومباشرة بالقتال ، حيث أثبتوا خوفهم وفشلهم الذريع ، فكان تمَرمُغ أنفَهُم بالتراب الفلسطيني ، لتبقى لهم عيونهُم المُستعرَبة ، وهي غيرُ مُستَغربة …