كتب الإعلامي د. باسم عساف في جريدة الشرق – بيروت : الصهيونية العربية … في المسيرة الغربية …

بانت تداعيات صفقة القرن من المواقف المتخاذلة التي تتخذها الأنظمة العربية اللاهثة نحو التطبيع ، والمتنافِسَة على تقديم التنازلات ، والتسليم لمعاهدات الذلِّ والعار ، التي تعتمد على الوعود الكاذبة ، وعلى السراب بتأمين السلام للمنطقة العربية ، والتي تسميها خارطة الطريق اليهودية : (الشرق الأوسط الجديد) …
هذا الذي يُبنى على الوئآم والتعاون الإقتصادي والأمني والتجاري ، ضمن صفقات متبادلة ينتفع بها الكيان اليهودي على حساب الدول العربية ، في مقابل الحفاظ على العروش والتسلط على الحكم ، لكل من هرول إلى التطبيع للنظام ، وقام بواجب التركيع للشعب ، وأجاد للمسرحية باللعب ، وقدم لليهود الهدايا دون جهد وتعب ، إلا من الخوف والرعب ، وعكس ذلك فهو الموقف الصعب ، لأن الذل أغشاهم من الرأس حتى الكعب …
الصراع الدولي يتمحور في الآونة الخيرة ، خاصة من بعد الحرب الروسية – الأوكرانية ، وينقسم إلى فريقين ، يتسابقان إلى الريادة العالمية ، وكلٌ منهما ينشد قيادة العالم إقتصادياً والسيطرة العسكرية على المناطق الإستراتيجية ، والمضائق البحرية ، والأراضي الإنتاجية ، ليكون له الهيمنة على مقدرات الشعوب ، وبالتالي التموضع في مراكز القرار الدولي …
لذا نجد الصراع حيناً يتخذ دور الحرب الباردة ، وأحياناً يدور في رحى الحروب الساخنة ، التي تفتح جبهات المواجهة وإستخدام أحدث الأسلحة لإبراز القوة ، وإحداث التفوق في المنازلة لتطويع الخصم ، وفرض الشروط المطلوبة التي تصب في التسلط والهيمنة على الساحة الدولية …
هذا الصراع الذي تدور في فلكه الدول الكبرى التي تتوزع على أحلاف ، في ظل حرب عالمية ثالثة غير معلنه ، بين دول الحلف الأطلسي الغربي ، بقيادة أميركا ، في مقابل دول المحور الشرقي بقيادة روسيا ، والصين التي تعاظمت قوتها عسكرياً ، ومؤخراً إقتصادياً ، بدخولها إلى الأسواق العالمية ، وتوسع نفوذها في دول عديدة ، لأجل إيجاد عالم جديد (كدول البريكس) ضد من يتخذ مبدأ الرأس الواحد في الحكم ، والسيطرة على العالم بإحتكار السوق والتجارة العالمية ، والتحكم بالمنظمات الدولية المتخصصة في هذه المجالات….
إن الدول العربيةالمشرذمة قد غاصت في الرمال المتحركة ، بين دول الحلفاء الغربية ، ودول المحور الشرقية ، وهم يعلمون جيداً أن الفريقين يتنافسان بالمصالح الخاصة ، على الثروات العربية ، عسكرياً وإقتصادياً وتجارياً ، والمراد بينهما السيطرة على مياه البحر المتوسط ، والخليج العربي والمضائق وقناة السويس بينها ، حتى يتحكم الفريقان بمنطقة الشرق الأوسط الجديد ضمن مخطط إستراتيجي ، يقضي على أبناء المنطقة وأصحاب الأرض ، بسحب أي قرار أو قوة لهم ، تستطيع أن تتحكم بمصير المنطقة ومقدراتها …
لذا نجد الغليان الحربي عبر التواجد للقواعد العسكرية المنتشرة في كل مكان ، ونرى البوارج والأساطيل في كل البحار والمياه المحيطة ، ونرى كل الأتباع والعملاء في معظم الأنظمة ، وحتى المنظمات والمؤسسات والتجمعات على أكثر من صعيد ، تصب جميعها في مسيرة خارطة الطريق ، لتسهيل التسوية التي تعطي الأمن والأمان( لشعب الله المختار )والكيان الصهيوني المغتصب للأرض ، والمستبد بالشعب ، والمهيمن بالقوة على الموقف والقرار الذي يحدد مصير المنطقة والعالم …
هذا لم يحدث ببرهة من الوقت ، ولا في السنوات الأخيرة ، التي تشهد التنازلات وصفقة القرن وعمليات وإتفاقيات التطبيع ، إنما بدأت هذه الخيانات من بعد إنعقاد المؤتمر اليهودي الصهيوني في مدينة بازل بسويسرا سنة /١٧٩٧ بقيادة : تيودور هرتزل وإعتمادهم على إقامة الوطن القومي اليهودي على أرض فلسطين ، وتعهد بريطانيا بذلك عبر مؤتمر لندن – ووعد بلفور ورسائل ماكماهون مع الشريف حسين من بعده …
وجاءت توزيعات إتفاقية (سايكس بيكو) لتكرس الوجود الإنكليزي في أرض فلسطين ، وبالتالي تحقيق (وعد بلفور) وإقامة الوطن القومي اليهودي عليها ، إلى أن حصلت المجازر اليهودية للشعب الفلسطيني وتشريده إلى بلدان الشتات وإتخاذ القرار المشؤوم في الأمم المتحدة بتقسيم فلسطين وتكريس الكيان اليهودي مع الدعم الدولي من الفريقين الغربي والشرقي …
إستمر هذا الدعم مع الأنظمة العربية ، التي كرَّست هي الأخرى مقولة (الجيش الذي لا يقهر) بخوض حروب عبثية ومتفق عليها مسبقاً ، بإنتصار اليهود على كل الجيوش الإستعراضية ، من أجل الرضوخ للواقع المفروض على الشعوب العربية ، ضمن أهدافٍ بحربٍ نفسيَّةٍ أشاعت غلبتهم ، وبالتالي فرضوا خياراً ملزماً : أنه لا بد من المفاوضات تحت شعار الأرض مقابل السلام …
هكذا بُنيت السياسة الجديدة للمنطقة ، على قاعدة الخطوة خطوة ، التي جاء بها كيسنجر ، (وزير خارجية أميركا في حينه) ، وسارت إلى الأمام مع المعاهدات وإتفاقيات الذلِّ والهوان مع الأنظمة العربية ، التي أعطت الأمن والأمان للكيان اليهودي ، حيث أكمل سياسة الخطوة خطوة بالتوسع والإحتلال للدول العربية المجاورة ، ولبقية أرض فلسطين من خلال بناء المستوطنات (المعسكرات) التي تحيط بكل المدن الفلسطينية ، لرصد كل تحرك وإنتفاضة لأبنائها ، كما حدثت الأولى والثانية والثالثة ، التي أوصلت بحماس والجهاد إلى عملية (طوفان الأقصى)…
ومعها ، ومع نجاحها الباهر ، حيث بدأ العدُّ العكسيُّ للوجود اليهودي على أرض فلسطين ، وإنكشف المستور في الحرب النفسية ، التي تعتمد على الشعوذات والإفتراءآت ، التي جعلت من جيش الكيان : (رابع جيش في العالم ، وأول جيش في الإستخبارات والمعلومات بين أقوى الجيوش) ، إذ من خلال ثلّةٍ وقلّةٍ قليلةٍ من المجاهدين ، قد فضحت الأكاذيب ، وخلعت القناع عن أجبَن وأخذَل وأنذَل جيشٍ بالعالم …
كما جعلت هذه العملية ، كل المتعاملين معه والعملاء له ، في الحضيض ، حيث فقدوا عقولهم من هول المعركة وصلابة وقوة المجاهدين ، في التشبث بالأرض ، والتمسك بالحق ، والثبات على المبادئ التي تعطي لكل ذي حق حقه …
مسيرة الكيان اليهودي ، تابعت مبدأ الخطوة خطوة من بعد عملية طوفان الأقصى ، والتي لم يتحملها العالم المخادع ، ولم يصبر على وقعها صاحب المبدأ (هنري كيسنجر ) ، فكانت منيَّتُه بالوفاة ، وذهب معها إلى غير رجعة …
إن مسيرة (الخطوة خطوة) باتت تتدحرج نزولاً إلى الهاوية ، والزوال للكيان اليهودي من أرض فلسطين ، حيث مرَّت الخطوة الأولى فيها ، بنصرٍ مؤَزَّرٍ للمجاهدين ، قد إعترفت به شعوب العالم ، وبانت مشاهِدُه في المسيرات العارمة ، التي عمَّت الكرة الأرضية ، بعد أن عرفت حقيقة هذا الكيان الغاصب ، وإنكشفت كل الأكاذيب المدونة في عقود وإتفاقيات السلام المزعوم والتطبيع المرقوم على حساب الشعب المظلوم ، المخدوع بالصهيونية العربية ، الزاحفة لتنفيذ مآرب المخططات الغربية …