الشراع 26 تشرين اول 2023

الحمد لله وكفى وسلامٌ على عباده الذين اصطفى.

قال الله تعالى في القرآن الكريم:{والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقونسورة البقرة.

وجاء في “الدر المنثور” للحافظ السيوطي عن قتادة قال: “كنا نُحدِّث أن البأساءَالبؤسُ والفقر، والضراءَ السقمُ والوجع، وحين البأس عند مواطن القتال”.

وعن أنس بن مالكٍ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:”إن عظم الجزاء مع عظم البلاء وإن الله تعالى إذا أحب قومًا ابتلاهم فمن رضي فله الرضا ومن سخط فله السُّخط” رواه الترمذي.

ها هو البلاء يشتد ويشتد، غلاءٌ وأمراضٌ وفقرٌ وحروبٌ وأينما نظرنا في وطننا العربي والإسلامي نجد من المآسي ما يطول الكلام فيه جدًا بل وتجف معه المحابر وتسودُّ الصحائف لو استرسلنا في تسطيره والكلام عليه، وفي هذه الآونة وإزاء ما يجري وما نشهده من ظلمٍ بغيضٍ وإرهابٍ بشعٍ وتقتيلٍ وتدميرٍ وطمسٍ للحقائق على يد أعداء الأمة الصهاينة في فلسطين الصابرة لا يسعنا إلا أن نوطِّد أنفسنا على الصبر والصمود والتصدي، نصبر على البلاء مهما ازداد ونصمد في مواجهة اليهود وأعوان اليهود وكل أهل الضلال والفساد ونتصدى لكل ما يُراد بأمة سيدنا وحبيبنا رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم من شرٍ عملًا بما أرشد إليه ربنا تعالى وأمر به في كتابه وحثَّ عليه نبينا الأكرم صلى الله عليه وسلم. ثم إن ما يجري اليوم ليس بغريبٍ عن طبائع اليهود وسيرتهم فهم قتلة الأنبياء وهم الذين كانوا وما زالوا يُفسدون في الأرض، تركوا تنزيه الله عن مماثلة المخلوقين وهو الحق الذي جاء به كل الأنبياء عليهم السلام، وراحوا يُشبِّهون اللهَبخلقه فاعتقدوا فيه الجسمية والاستقرار فوق العرش تعالى الله عمَّا يقولون علوًّا كبيرًا، ووصفوا الله تعالى بالفقر وبالبخل. قال الله تعالى فيهم:{أفكلما جاءكم رسولٌ بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم ففريقًا كذَّبتم وفريقًا تقتلون}سورة البقرة. وقال تعالى أيضًا:{لقد سمع اللهُ قولَ الذين قالوا إن الله فقيرٌ ونحن أغنياء سنكتب ما قالوا وقتلهم الأنبياء بغير حقٍ ونقول ذُوقوا عذاب الحريق} سورة آل عمران. وقال تعالى أيضًا:{وقالت اليهود يد الله مغلولةٌ غُلَّت أيديهم ولُعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشآء} سورة المائدة. وقول اليهود والعياذ بالله يد الله مغلولةٌ هو وصفٌ لله تعالى بالبخل. وقوله تعالى بل يداه مبسوطتان معناه أن الله كريم، لا بمعنى اليد الجارحة. ويؤيد هذا قوله “ينفق كيف يشاء.

وما زال الضلال والإضلال دأبهم وها هم اليوم يقتلون الأطفال والنساء والشيوخ بل بلغ بهم الإجرام إلى قصف المشافي فوق رؤوس المرضى بلا رادع ولا وازعٍ إخلاقيٍ ولا إنساني. فالصبر الصبر والثبات الثبات فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:”إن البلايا أسرع إلى من يُحبني من السيل إلى منتهاه” رواه ابن حبَّان. وقديمًا قيل:

على قدر أهل العزم تأتي العزائم         وتأتي على قدر الكرام المكارم

ولكن وبالنظر إلى ما تشهده الساحة من تطوراتٍ خطرةٍ وتزامنًا مع الصبر على البلاء والتوكل على الله وإيماننا أنه لا يكون إلا ما قدَّر الله وتصديقنا بقول ربنا تعالى:{قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا هو مولانا وعلى الله فليتوكَّل المؤمنون} سورة التوبة، وقول نبينا الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم:”واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشىءٍ لم ينفعوك إلا بشىءٍ قد كتبه الله لك وإن اجتمعوا على أن يضروك بشىءٍ لم يضروك إلا بشىءٍ قد كتبه الله عليك” رواه الترمذي، لا ينبغي ترك العمل بالأسباب، لا ينبغي التكاسل والتقاعس في مواجهة عدونا على كافة الصُّعد والمستويات وبشتَّى الوسائل المتاحة وكلٌّ على حسب وسعه وطاقته. فالمؤمنون في فلسطين وجميع أصقاع الدنيا والمؤمنون قديمًا في الأمم السابقة وفي أمة محمدٍ وسائر أمم الأنبياء عليهم السلام هم إخوة، وأخوة الدين أقوى من أخوة النسب، قال تعالى:{إنما المؤمنون إخوة} سورة الحجرات. ومن هنا فإننا نطالب الضمير الدولي والرأي العام والمؤسساتوأصحاب النفوذ والقرار أينما كانوا بالحل العادل وإيقاف القتل الآثم وشلالات الدم التي لم يرتوِ منها الإسرائيليون رغم السنين والسنين، كما ونطالب أهلنا بترك الخلافات وتوحيد الكلمة والجهود شعوبًا وحكامًا لندفع عن أهلنا وأنفسنا المؤامرات فقد آن للقيد أن ينكسر وآن للمأساة والظلم الغاشم الذي يُلاحق الشعب الفلسطيني الصامد الصابر المجاهد الذي لا يلين ولا ينكسر ولا يرضخ ولا يخنع ولا يتراجع أن يتوقف.

إن الصبر على البلاء لا يعني الخنوع، إن الصبر على الحرب لا يعني الاستسلام، إن الصبر على النوائب لا يعني الهرب من المواجهة، إن الصبر على مصائب الزمان لا يعني الانبطاح. إنما الصبر أن تقهر نفسك على الثبات والتصدي والصمود والعمل بالأسباب التي تبلغ بها العلا وعلى هجر الكسل والملذات التي لا تُفضي إلا إلى ما لا تُحمد عقباه، ومن هنا فإننا نقول لكل صاحب قرارٍ قادرٍ على نصرة الحق وقمع الظلم ثم هو يتخاذل كائنًا من كان:كفى ذلًا، كفى لبسًا لثوب العار، كفى سُباتًا، ولئن أفلتَّ في الدنيا فأين المهرب يوم القيامة؟ ولئن احتميت بجندٍ وحرسٍ وعساكر ودساكر وقصورٍ فأين المفرُّ يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه؟ ونذكِّر الجميع بقول الله تعالى في سورة الحِجر:{فوربك لنسألنَّهم أجمعين عمَّا كانوا يعملون} وبقوله تعالى في سورة الصافَّات:{وقفوهم إنهم مسئولون}. فلنتق الله جميعًا فلقد بلغ السيل الزُّبى وأصبح الغضب عظيمًا وفاقت المجازر الوصف فلم يسلم طفلٌ ولا امرأةٌ ولا كبيرٌ ولا صغير ولا المساكن ولا المساجد ولا المدارس، إنها المجازر الموصوفة بالصوت والصورة والدم فأين القوانين الدولية وأين العدالة والإنصاف؟!

قوموا أيها الأحرار صفًّا واحدًا وتسلَّحوا بالصبر والثبات فإن الله تعالى يقول:{ياأيها الذين ءامنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تُفلحون} سورة آل عمران. والمصابرة بابٌ من الصبر والمعنى اغلبوهم بصبركم على شدائد الحرب، فالصبر إذًا ثباتٌ وقوةٌ وبأسٌ وشموخٌ وإنما يتم تحقيق ذلك بتضافر الجهود وتشابك الأيدي ورصِّ الصفوف لنكون على قلب رجلٍ واحدٍ نحو تحقيق هدفٍ واحدٍ هو حفظ حقوق الأمة وحماية أهلنا وإخواننا.

والحمد لله أولًا وآخرًا.