نصيحة من القلب / بقلم الشيخ أسامة السيد/الشراع

الشراع 3 اب 2023

الحمد لله وكفى وسلامٌ على عباده الذين اصطفى.

قال الله تعالى في القرآن الكريم:{فمن اتقى وأصلح فلا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون} سورة الأعراف.

لو نظرنا إلى ما صار يشغل تفكير كثير من الناس على اختلاف مستوياتهمواهتماماتهم في هذا الزمن العصيب لوجدنا عجبًا عجيبًا. يصل بعض الناشئةإلى سن الشباب فيتعرَّض أحدهم أكثر فأكثر لمخالطة الناس من خلال الدراسة أو العمل أو السفر مثلًا فإذا به من خلال اقترانه ببعض الفاسدين واغتراره بزهرة الدنيا ينسى بعض تعاليم ديننا الحنيف فتراه يأكل الحرام ويمارس الرذيلة والظلم كي لا يُتَّهم بزعمه بالتَّخلُّف، والحقيقة أن التخلُّفَ في عقله لو كان يدري فإن التمسك بهُدى الإيمان العظيم والتزام الأحكام الشرعية الراقية ومكارم الأخلاق المستفادة من سيرة سيد السادات رسول الله صلى الله عليه وسلمفضيلةٌ ونورٌ يسمو من تمسَّك بذلك إلى المعالي ويترقَّى في درجات الكمال، ولكن من كان أعمى القلب لا يُبصر ذلك. وقديمًا قيل:

ما ضر شمس الضحى في الأفْقِ طالعةً     أن ليس يُبصرُها من ليس ذا بصرِ

وترى امرأةً تخلع جلباب الحياء ونقاب الشرف فلا تُبالي وتجعل من نفسها سلعةً رخيصةً لتجَّار الهوى من حيث تدري أو لا تدري بدعوى ما يُسمَّى بالتَّحضُّر فتكشف عورتها وتُظهر ما يُستحى منه وتدافع عن نفسها بمسمَّى الحرية.

الإناء ينضح بما فيه

ونحن نقول: أن يكون المرء حرًا فإن ذلك لا يعني التخلي عن الفضائل الجليلةوالمبادئ النبيلة، وربما مارس بعضهم وبعضهن الفواحش والموبقات ثم يدافعُ أحدهم عن نفسه فيقول: العبرة بصفاء القلب وسلامة الباطن وحُسن المعاملة.ويتناسى أن الأفعال تُعبِّر عادةً عمَّا في القلب، فمن تمكَّن الخوف من الله تعالى في قلبه ظهر أثر ذلك على جوارحه فإن الإناء ينضح بما فيه، وإنما قلوب كثيرٍ من الناس سوداء كسواد الليل الحالك ولكنهم لا يُميِّزون بين الأبيض والأسود،وربما أورد بعضهم حديث البخاري ومسلم عن عمر بن الخطاب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:”إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئٍ ما نوى” فادّعى أنه لا حرج عليه في فعل شىءٍ طالما كانت نيته طيبة بزعمه، وهذا فساد وجهل فظيع واستدلالٌ في غير محله فإن معنى الحديث أن العمل الصَّالح لا يكون محسوبًا إلا بالنية وأن تعيين النية في الأعمال كالصلاة والصوم شرطٌ، وليس المعنى أن المرء لا يؤاخذ على ذنوبه ما لم ينوِ فسادًا إذ لو كان الأمر هكذا لأمكن أن يُدافع الفاسد عن نفسه بدعوى صفاء السريرة ولتعطَّلت بذلك الحدود والعقوبات ولما استوجب العذاب في الآخرة وهذا ظاهر البطلان. وربما نسب بعضهم حديثًا مكذوبًا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:”الدين المعاملة” وهذا مختلقٌ موضوعٌ مفترًى لم يقله النبي صلى الله عليه وسلم وهو فاسد المعنى، فإن الدين فيه معاملاتٌ وفيه عباداتٌ ولا شك أن المعاملة الحسنة من الدين ولكن لا يكفي أن يُراعي المرء الناس ثم يقصِّر فيما لزمه من الواجبات الشرعية.

وكم يصرف أناسٌ أوقاتهم في اللهو واللعب وكأنه لا همَّ لهم إلا إضاعة الوقت بكافَّة أشكاله وصوره ويُمضون الساعات والأيام والليالي في ذلك ويؤدي انشغالهم بالترَّهات وسفاسف الأمور إلى ترك الصلاة أو تأخيرها عن وقتها لغير عذر، بل ويجرُّهم الشيطان والنفس الأمَّارة بالسوء إلى الذنب تلو الذنب ويشتكون فوق هذا من  الفراغ والملل والكآبة، وترى كل آمال أحدهم أن يملك سيارةً بمواصفاتٍ معيَّنةٍ أو يبني بيتًا في منطقة كذا أو أن ترضى عنه فلانة الخاطئة أو غير ذلك من مغريات الحياة الدنيا ويضيع الوقت فيما يضرُّ ولا ينفع،والأخطر من ذلك كله أن يحمل البعض عقائد كفريةً تتضمَّن تكذيب كتاب الله وحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيا ضيعان الأنفاس، والواقع أن كثيرًا من العباد غرَّتهم المغريات وحملهم حب الدنيا على البعد عن خيرٍ واسعٍ ففوَّتوا على أنفسهم من حيث ظنوا أنهم يكسبون وصادهم الشيطان بشباك الوبال وقلَّ أن يستيقظ أحدهم قبل فوات الأوان، وإزاء ذلك نقول: فما هذه الحياة الدنيا بالنسبة للخلود الذي لا نهاية له في الآخرة؟ ولا خير في اللذَّات المحرَّمة وقد توعَّد الله عليها، وماذا يكون حالك غدًا إذا كان المصير جهنم التي قال الله تعالى فيها:{جهنم يصلونها وبئس القرار} سورة إبراهيم، وقال أيضًا:{يا أيها الذين ءامنوا قُوا أنفسكم وأهليكم نارًا وقُودُها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظٌ شداد لا يعصُون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون} سورة التحريم.

وأي أثرٍ للتعب في الصبر على طاعة الله تعالى إذا كان الموعد الجنة التي قال تعالى فيها:{وسارعوا إلى مغفرةٍ من ربكم وجنةٍ عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين} سورة آل عمران. وقال تعالى أيضًا:{مثلُ الجنة التي وُعد المتقُون فيها أنهارٌ من ماءٍ غير ءاسنٍ وأنهارٌ من لبنٍ لم يتغير طعمُه وأنهارٌ من خمرٍ لذةٍ للشاربين وأنهارٌ من عسلٍ مصفّى ولهم فيها من كل الثمرات ومغفرةٌ من ربهم} سورة محمَّد. والمراد بالخمر في الآية خمر الجنة وهي مغايرة لخمر الدنيا إذ خمرة الجنة طاهرة لا تُسكر ولا تُصدعُ الرأس وليست خمرةُ الدنيا كذلك.

اختلِ بنفسك ولو لدقائق معدودةٍ يوميًا وحاسبها متسائلًا: ماذا فعلت في يومي بل وفي أمسي بل وفيما مضى من عمري ولا تكن ضعيف النفس تأخذك الرياح يمنةً ويسرةً  وتهوي بك الأهواء في وادٍ سحيق وأنت مع ذلك كله غافلٌ عمَّا ينزل بك.

لا تحزن على شىءٍ من أمر الدنيا وتذكَّر أنك في سفرٍ وأن القرار الآخرة فقدِّم لتلك الدار قبل الرحيل عن هذه الدار، فقد روى البخاري عن عبد الله بن عمر قال: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنكِبي فقال:”كن في الدنيا كأنك غريبٌ أو عابر سبيل. وكان ابن عمر يقول: إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء وخذ من صحتك لمرضك ومن حياتك لموتك”.

وقال بعضهم:

يا من تمتَّع بالدنيا وزينتها                              ولا تنام عن اللذات عيناه

أفنيتَ عُمْرك فيما لست تُدركه                      تقول لله ماذا حين تلقاه

والحمد لله أولًا وآخرًا

مجلة الشراع