طرد الجنرال البريطاني غلوب باشا من الأردن / كتب عبد الهادي محيسن/ الشراع

الشراع 1 اب 2023

بتاريخ 29\2\1956وبضغط من البعثيين والقوميين العرب والشيوعيين في الأردن وبسبب التذمر الذي كان يسودأوساط الشباب في الجيش الاردني ، قام الملك حسين بإنهاء خدمات الجنرال غلوب باشا القائد البريطاني للجيش الأردني ، وعهد الى الضابط الشاب علي أبو نوار برئاسة أركان جيشه ، وذلك بعد أن تعهدت مصر وسورية بأن تدفع للأردن مبلغ الإثني عشر مليون جنيه إسترليني التي كانت تقدمها بريطانيا كمساعدة سنوية للأردن .

عقب الحرب العالمية الأولى وبعد أن نكثت بريطانيا بوعودها الى الشريف حسين بن علي ، بأن تجعل منه ملكا على بلاد الشام ، التي تضم سوريا وفلسطين ولبنان كافأته مؤقتا وتمهيدا لتطبيق إتفاقية سايكس بيكو ، بأن وافقت على أن تجعل نجله الشريف علي ملكا على الحجاز والشريف فيصل ملكا على سورية مهملة أي ذكر لولده الثالث الشريف عبد الله .

بعد معركة ميسلون التي اضطرت الملك فيصل لمغادرة سورية ، أوعز البريطانيون لعبد الله بالزحف من الحجاز شمالا وقيادة حوالي ثلاثماية بدوي مسلح يرافقهم بعض الضباط البريطانيين ، بحجة نجدة شقيقه الملك فيصل ، وعندما بلغ عبد الله العقبة طلبوا منه التوجه نحو عمان .

كان الأردن في ذلك الوقت قائمقامية تابعة لمدينة درعا السورية ، وفي عمان أعلن الأمير عبد الله  كما أصبح لقبه  قيام حكومة شرق الأردن تحت الحماية البريطانية ، وكان غرض بريطانيا الخفي من ذلك حماية خاصرة اليهود الذين كانوا يعدون العدة برعاية بريطانية وأميركية لطرد العرب من فلسطين تمهيدا لقيام دولة إسرائيل .

كانت إمارة عبد الله شكلية وجميع الأمور بيد البريطانيين ، ولدى تأسيس ما أطلق عليه الفيلق العربي سُمي القائد البريطاني ( بيك ) قائدا له وسرعان ما منح لقب الباشوية وهو ومعاونه البريغادير ( كلوب ) فأصبح إسماهما : بيك باشا وكلوب باشا ، وكانت جميع قيادات ذلك الفيلق الذي سُمي لاحقا ب ” الجيش العربي الأردني ” بأيدي ضباط بريطانيين على مستوى قيادة السرية فما فوق وكان لا يسمح للضباط الأردنيين باستلام أية قيادة تتجاوز معاون آمر سرية .

بعد اعتلال صحة الجنرال بيك ومغادرته الأردن ، أصبح غلوب باشا قائدا للجيش العربي  وبعد أن تقرر دخول الجيوش العربية الى فلسطين عقب جلاء البريطانيين عنها ، أصر الأمير عبد الله على أن يكون قائدا عاما لكل هذه الجيوش ، وإلا فأنه لن يشارك ولن يسمح لأي قوات عربية عبور الأراضي الأردنية الى فلسطين ، فاضطر العرب للقبول بهذا الشرط .

وبينما كانت الجيوش العربية تقاتل على أرض فلسطين ، كان الأمير عبد الله يجتمع ليليا ” بإلياهو ساسون ” ضابط الإرتباط بينه وبين اليهود ، ومعهما كان الجنرال كلوب وضباطه البريطانيون ليقرروا : المكان الذي يجب أن تتقدم تلك الجيوش إليه والمكان الذي يجب أن تتوقف عنده ، وذلك بعد أن تنازل الجيش العربي الأردني عن مدينتي اللد والرملة والجزء الغربي من مدينة القدس وسلمهم الى للعصابات الصهيونية شتيرن والهاغاناه .

ارتفعت أصوات عربية وكان أعلاها صوت سورية طالبة تنحية الجنرال البريطاني اليهودي غلوب باشا ، كان جواب الأمير عبد الله : أنا لم أتعود تغيير سرج جوادي أثناء المعركة ، وهكذا هُزمت الجيوش العربية على أيدي العصابات الصهيونية ، ونتيجة لتواطؤ وخيانة من قال أنه لن يغير سرج جواده أثناء المعركة ! ، وكذلك قواد جيش إبن عمه الهاشمي الآخر الملك غازي ملك العراق وعبارتهم المأثور ( ماكو أوامر ) .

رحبت سورية ومصر بخطوات الملك حسين بطرد الجنرال كلوب ، وحثته على الإستمرار بعملية تعريب الجيش الأردني وتعهدتا بدفع كامل قيمة المعونات البريطانية التي سبقت الإشارة إليها ، وفي الأسبوع الأخير من أيار العام 1956 قام الرئيس شكري القوتلي بزيارة الأردن ، حيث وقع إتفاقية قيادة مشتركة على غرار الإتفاقية المبرمة بين مصر وسورية .

بعد شهرين من هذه الإتفاقية قام وزيرنا المفوض في عمّان فؤاد قضماني ، بزيارة سرية الى القصر الملكي الأردني حيث قابل الملكة زين والدة الملك حسين ، وأخبرها بأن ملحقنا العسكري في عمان واللواء علي أبو نوّار رئيسأركان الجيش الأردني ، يتآمران معا لتنفيذ إنقلاب بزعامة الأخير ضد نظام الملك حسين ، فطلبت الملكة مرافقتها لمقابلة الملك ليقدم له تلك المعلومات .

أدت وشاية ممثل سوريا في الأردن لفشل الإنقلاب ولتسليط الضوء على نشاط اللواء علي أبو نوار ولجوئه الى سورية ، كما أدت الى نقل الرائد مصطفى رام حمداني الملحق العسكري السوري في عمان ، هذه الواقعة أكدها اللواء علي أبو نوار لرئيس الشعبة الثانية في دمشق لدى لجوئه والإهتمام بشؤونه في سورية كما أكدها الرائد مصطفى رام حمداني .

عبد الهادي محيسن… كاتب وباحث .

مجلة الشراع