الشراع 31 تموز 2023

قد لا يكون عيد الجيش هذا العام مجرد مناسبة للاحتفال بها ككل عام بالطرق المعهودة.

والسبب ليس تولي الجيش مسؤولياته في ظل الشغور الرئاسي وتحول السلطة الاجرائية الى حكومة تصريف اعمال تحتاج لعقد اي جلسة او اتخاذ اي قرار الى جهد استثنائي ، مثلها مثل مجلس النواب الذي يحتاج في كل جلسة تعقد لاصدار قوانين ضرورية الى توافق صعب حتى لا نقول اكثر في ظل الانقسام العامودي الذي يجتاح البلاد.

السبب في تحول عيد الجيش هذا العام الى مناسبة غير عادية ، يعود الى جملة امور، أبرزها ليس فقط نجاح قيادته في  الابقاء على جهوزية المؤسسة العسكرية لاداء دورها الوطني الجامع في حفظ الامن والاستقرار والسلم الاهلي  ، بل وايضاً في التعاطي بمرونة وحكمة وواقعية لاستيعاب انعكاسات وتداعيات الازمة الكبرى التي يعيشها لبنان على افراده جنوداً وضباطاً وعلى عائلاتهم .

وكل ذلك حصل ويحصل ، بشكل أمّن حصانة المؤسسة العسكرية ازاء ما يجري رغم الظروف الصعبة ، كما أمن بقاء الجيش بعيداً عن الاصطفافات والانقسامات السائدة  رغم كل المحاولات التي جرت من قبل التيار الوطني الحر وتحديداً من مؤسسه ميشال عون ورئيسه جبران باسيل لاستخدام الجيش في عمليات واوضاع يمكن له اي للتيار الاستفادة منها سياسياً او حزبياً او فئوياً.

ويسجل لقائد الجيش العماد جوزيف عون انه تعاطى من منطلق مناقبيته العسكرية ومسؤولياته الوطنية ، رافضاً المحسوبيات والتبعية  لاحد. واحدى اكبر المشاكل التي واجهها العماد عون في مسار توليه لقيادة الجيش تمثلت في العدائية التي تعاطى فيها جبران باسيل معه. وليس سراً ان رئيس التيار الوطني الحر كان يريد من جوزيف عون الامتثال لاوامره كون التيار هو الذي عينه في موقعه. الا ان قائد الجيش تعاطى مع كل ما واجهه من منطلق المصلحة الوطنية العليا للبلاد وعلى اساس انه المؤتمن على الامن والاستقرار والسلم الاهلي.

وطوال سنوات سابقة بقي   جوزيف عون اميناً على ذلك. والامثلة كثيرة في هذا السياق وتكاد لا تحصى رغم ما تعرض له من انتقادات واتهامات من جبران باسيل وفريقه الحزبي.

ومن الامثلة على ذلك، إقدام الجيش على خوض معركة تحرير الجرود من القوى المتطرفة والتكفيرية والارعابية ، ليتولى بذلك القضاء على محاولات انشاء امارة لتنظيم” داعش” او” جبهة النصرة “على الاراضي اللبنانية .

ومن الامثلة ايضاً توليه حماية أمن الاحتجاجات الشعبية على تردي الاوضاع المعيشية والمالية ،  من دون السماح بالاخلال بالامن او هز الاستقرار خلال ما عرف بحراك 17 تشرين قبل سنوات قليلة .وهو الامر الذي اثار حفيظة وغضب عدد من القيادات السياسية وفي مقدمتها جبران باسيل بعد فشل محاولات  جر الجيش وقائده ليكونا على قياس مصالح الطبقة السياسية على اختلاف اطيافها . وهو بالطبع ما يسجل لجوزيف عون .

والكل يذكر كيف ان الجيش وبقرار سريع وحاسم قام في ذلك الوقت  بالتصدي لعملية قطع الطريق التي قامت بها مجموعات تابعة للقوات اللبنانية في نفق نهر الكلب.

وبالطبع لا احد ينسى ، كيف تعاطى الجيش مع محاولات جر البلاد الى الفتن سواء في احداث الطيونة او في احداث خلدة ، فضلاً عن مسارعته لنزع فتيل اي احتكاك او اشكال يمكن ان يكون صاعق تفجير لمواجهات داخلية اكبر واوسع نطاقاً.

وما حصل مؤخراً في القرنة السوداء مثال جديد على ما ورد في هذا السياق خصوصاً في ظل احتكام الجميع لدور الجيش كونه صمام الامان للجميع .

وكل ذلك ، تم ويتم بالتماهي والتوازي مع دور الجيش في مواجهة اي اعتداء اسرائيلي يمكن ان يحصل والتصدي له بالوسائل المتاحة ، والشواهد الواقعية على ذلك كثيرة ولا مجال لسردها في هذا السياق .

كما انه في تعاطيه مع المقاومة كرس قاعدة اساسية معتمدة منذ التحرير في العام 200 وبعد حرب العام 2006 ، ترتكز الى ضرورة الافادة الى أبعد مدى  من قدراتها وامكاناتها في معادلة الردع مع العدو الاسرائيلي .

ومع ارتفاع بعض الاصوات ضد المقاومة وحزب الله تحديداً ، فان الجيش من خلال قيادته نأى بنفسه عن الانجرار الى اطار الخلافات السياسية معتمداً أولويات وطنية اساسية وكبرى اهمها حماية الحدود وفي الوقت نفسه ضمان الاستقرار الداخلي وحماية الوحدة الوطنية والتصدي لكل محاولات زعزعة الامن والتلاعب بحياة اللبنانيين وعيشهم المشترك.

وقد شكلت هذه الأولويات ما يمكن تسميته خطوطاً حمراء رسمها قائد الجيش ممنوع على اي كان تجاوزها او اللعب بها.ولعل هذا ما جعل الجميع في الداخل والخارج يرون في دور الجيش مساحة مشتركة جامعة ينبغي الحفاظ عليها وضمان ديمومتها.

وبصرف النظر عما يمكن ان يقال حول ما ورد ، ومسارعة البعض المحتملة لتحميل هذه المقاربة الايجابية لدور جوزيف عون ما يتعلق بترشيحه لرئاسة الجمهورية. فان ما يراد الاضاءة عليه في هذا المجال وبمناسبة عيد الجيش هو التاكيد على موقع الجيش ودوره وانجازاته في ظل الظروف الصعبة التي يعيشها لبنان.

 ولا شك بان لجوزيف عون بصمته الدامغة في ذلك سواء انتخب رئيساً للجمهورية او لم ينتخب .

مجلة الشراع