كتب الإعلامي الدكتور باسم عساف : في جريدة الشرق – بيروت الترسِيم اللبنَاني … من البَرِّي والمَائي ، إلى العَقارِي والقَضَائي..

تتسارع الخطوات ، في السير بالمنطقة العربية إلى التسويات ، وهي تسير قسراً وفق الخط المرسوم لها ، المتناسب مع خارطة الطريق التي توصل البلاد والشعوب ، إلى شرق أوسط جديد ، بحيث تتوزع فيه الغنائم وتتقسَُم فيه الحصص ، التي تتناسب مع أهداف الخارطة بالتنوع الطائفي والمذهبي ، ليكون كلُّ حزبٍ بما لديهم فرحون ، ويجرِف تيار التقسيم الأرض والعرض ، ليكون ذلك بالقوة والفرض ، مع إستبدال كلمة التقسيم بالترسيم …
ولبنان ، كنموذج أوضح في التطبيق بين البلدان المحيطة ، والمستهدفة بالخارطة وتسوياتها ، فقد أنتج السيناريو المعمول به على الساحة اللبنانية ، عدة حروبٍ وأحداثٍ مبرمجةٍ وهادفةٍ للوصول إلى التسليم بما آلت إليه الحال ، التي يمر بها لبنان الآن ، من أزمات متعاقبة ومتراكمة ، وتفريغٍ وتقويضٍ للسلطات وللمؤسسات وللأجهزة ، واحدةً تلو الأخرى …
وذلك للوصول في آخر المطاف ، إلى سلك القضاء والجيش اللبناني ، بعد إتمام صيغة إنهيار العملة ومصرفها ، واللعبة الهندسية لمصارفها وحاكمها ونوابه ، الذين أقسموا : أنهم على الدرب سائرون وبنفس الوتيرة الهندسية مستمرون …
الرئآسات والحكومات واللجان النيابية ، باتت جميعها في الثلاجة وشُلَّت وتجمدت ، رغم حرارة الأجواء ، التي تنذر بحروب عبثية جديدة ، أو مسرحية من الأحداث الأمنية ، التي تؤدي إلى إتفاقيات وهميَّة ، مُرادها تثبيت القائمين على تطبيق مضمون خارطة الطريق ، وتحقيق الأماني في تكريس قوى الأمر الواقع ، والتسليم بالحلول المفروضة ، على أنها المخرج الوحيد لحل الأزمات أو الضغوطات والحصار القائم على هذا البلد من جميع المتربصين ، والمستفيدين من مغانم خارطة الطريق…
بدأت ملامح الرواية المسرحية مع إنسحاب قوات الإحتلال اليهودي من جنوب لبنان سنة/ ٢٠٠٠ ، ثم لتعود إليه سنة/ ٢٠٠٦ وتهجير سكانه ، وضرب البنى التحتية للبنان ككل ، وجاء بعدها الإتفاق معلباً تحت رقم/ ١٧٠٢ وفيه ترسيمٍ للحدود البرية ، بما يسمى: الخط الأزرق ، ثم جاءت عدة أحداث تساهم في تقسيم البلد ، وتمرير الوقت بالصراع الداخلي على السلطة والرئآسات للتَّمكن من مسك خيوط اللعبة ، وتكريس إمكانية اللاعبين وإمتلاك زمام الأمور وموقع القرار …
إلى أن برزت فجأة إتفاقية الإطار ، لترسيم الحدود البحرية ، وإستكمال التمثيلية بالتهويل والتهديد والوعيد ، وذلك بإستخراج النفط والغاز للبنان أولاً ، وإلا فالمُسَيِّرات ترصد إزالة المنصَّات العائمة ، التي باتت ثابتة ودائمة، بعد التوقيع على إتفاقية الخيانة العظمى ببيع الإنتاج اللبناني ، في سوق النخاسة الدولي…
المَشاهِد والفصُول تتتالى على الساحة اللبنانية وهي تسير مسرعةً في الفصل الأخير للتسويات بالمنطقة ، حيث نزلت العروضات الجديدة وعبر تنزيلات مغرية بطرح المؤتمر التأسيسي ، لنظام لبنانيٍّ جديد ، بعد إنسداد الأفق السُِياسي ، للتوصل إلى إتفاق داخلي على تسيير شؤون الدولة والنظام والدستور ، الذي بات بين الطرشان ، يتحاورون بأصوات عالية أين منها الفهم والمصلحة الوطنية ، ولبنان أولاً ، الذي تحول إلى (أنا أو لا أحد ) أو إلى قاعدة (ما لنا ، لنا وحدنا ، وما لكم ، لنا ولكم ) …
هكذا بات الخطاب لقادة العمل السياسي تحت تأثير مخدرات الفيدرالية والكانتونات ، لإبراز كلٍّ منهم مكامن القوة على الأرض ، ومراكز القوى في اللعبة السياسية ، وبات كلٌّ منهم رهين الشعبوية ومُدمنٌ عليها ، التي تظهر وجوده تمهيداً إلى أخذ مقعده في المؤتمر المحلي أو الدولي ، الذي لاحت ملامحه بالمباحثات الخماسية ، والتي قد تصبح عاشورائية ، حتى تكتمل الصورة الخرائطية ، التي تنفذ للمنطقة ككل …
السيناريو يستكمل بحذافيره وإتفاقياته ، أكانت فوق الطاولة أم تحتها ، فالأمور تجري وتسري على الجميع بإستغلال العامل النفسي لدى عامة الشعب ، وإلهائه بالشؤون المعيشية المقلقة بالبلاء والغلاء ، وفقدان موادها أو إحتكارها ، والغليان على تأمين أبسط العيش الكريم للعيال والأطفال والشيوخ ، والمرضى بكافة حالاتهم ، بينما المنظومة السياسية في عالم آخر تماماً ، وليس لها هَمٌّ سوى الوصولية والغنائم بالعرض والأرض ، أو بالمال وإمتلاك الحال ، أو بالهيمنة والتسلط ، ولو على مرقد عنزة ، لتكون له دُرَّةٌ نزَّة….
إن مجرى الأمور على الساحة اللبنانية، يشير إلى توزيع الأدوار في تطبيق خارطة الطريق ، وما نشهده ونلمسة بما يجري على أرض شبعا وتلال الغجر حالياً لإستكمال الخط الأزرق ، وما شاهدناه سابقاً من إقتحامات في عين الرمانة والشياح ، وأيضاً ما نتابعه على تلال وقمم القرنة السوداء من تعديات ومناوشات ، وهي المحسومة من أربعينات القرن الماضي ، بخرائط توزيع الأقضية والأراضي ، وأيضاً تلال لاسا ومستنداتها، وغيرها من الحدود المشاعية العقارية ، بين القرى والمناطق اللبنانية …
هذه ليست إلا مشاهد من سيناريو الخارطة التي تُطرح بصِيَغٍ مستحدثة وجديدةٍ على الأسماع ، أكانت فيدرالية أو كانتونات ، أولامركزية موسعة ، أو إدارة مدنية للمناطق المفرزة، وجميعها ستخضع للترسيم العقاري ، وتحويله إلى الترسيم القضائي ، ليُستكمل السيناريو بالتطبيع النفسي والفكري ، الذي بدأ بالتطبيع البري ثم المائي ، وربما نصل به إلى الهوائي ، وفق نزوات منظومةالفساد والبلاءِ…