تدفق اللاجئين السياسيين اللبنانيين الى سوريا بعد ثورة العام 1958 / عبد الهادي محيسن/ الشراع

الشراع 17 تموز 2023

بعد أن عمت ثورة 1958 ضد كميل شمعون أنحاء لبنان بدأتدفق اللاجئين السياسيين الى دمشق وكان أول الوافدين إليها المرحوم صائب سلام ثم تبعه كل من سليمان فرنجية ورينية معوض والصحفيون سليم اللوزي وسعيد فريحة وأسعد المقدم وغيرهم ثم توافد أعداد من زعماء الحركة الوطنية يطلبون إمدادهم الشراع  بالسلاح والمال .

أقام المرحومان فرنجية ومعوض فترة في فندق أمية بدمشق فكلف السراج أحد المراقبين بتلبية طلباتهما ، وما لبثا أن انتقلا للإقامة والتنقل بين حمص وطرطوس للإشراف على سير المعارك الدائرة في شمال لبنان مع حليفهما رشيد كرامي الذي بقي متواجدا هناك ، وقبيل إنتقالهما من دمشق طلبني سليمان فرنجية وقال لي بالأمس كنت مجتمعا بالمقدم عبد الحميد السراج وطلبت منه مسدسا من طراز معين فاعتذر لعدم وجود مثل هذا النوع في المستودعات ، وقيل لي أنه قد يكون متوافرا لدى باعة الأسلحة المهربة فهل تستطيع أن تتدراك لنا ذلك ؟

فقلت له : من المعروف يا سليمان بك أنك من أشهر الشخصيات التي تقتني أندر أنواع السلاح فأجابني : لا أريد المسدس لي فلدي سلاحي الشخصي ولكني أريدتقديمه للأستاذ رينية معوض … وتلبة لهذ الطلب اتصلت بأشهر مهربي السلاح في دمشق ، وبعد جهود أفادني المهرب أنه قد باع منذ أسبوع مسدسا من النوع المطلوب لأبي عبدو العشي … وكان بيني وبين المرحوم العشي ود وإحترام متبادلان .

فهو من قدامى المجاهدين الذين قاتلوا الإحتلال الفرنسي وكان في الوقت نفسه أحد وجهاء دمشق وزعيما لأحد أحيائها ، إضافة لكونه من الأصدقاء المقربين من الرئيس شكري القوتلي ، ذهبت إليه في حانوته الكائن بمحلة العمارة ورويت له قصتي مع سليمان فرنجية ، فما كان منه إلا أن هب واقفا وأحضر لي العلبة وبداخلها المسدس المطلوب ( وكان من نوع سميث ويسون بكر ماسورة قصيرة ) قائلا هذا المسدس وهو لا يغلى عليك .

كنت قد سمعت من المهرب أن أبا عبدوالعشي قد دفع مبلغ ألفي ليرة سورية ثمنا للمسدس فمددت يدي لأعطيه المبلغ الذي دفعه  فقال بلهجته المحببة معاتبا : ” شو هاد خالي .. عيب عليك … هادا سليمان بك قبضاي ومجاهد متلنا .. وهاد الفرد هدية مني إلو ” حاولت معه المستحيل ليقبل الثمن ولكنه بقي مصرا على الرفض وقبل إنصرافي استدرك بالقول ” خالي أنا ما أخدت الفرد من دون ذخيرة ” ومد يده ليسلمني خمس علب ذخيرة قائلا : هدية مني لسليمان بك سلملي عليه 

رويت القصة كما حدثت للمرحومين فرنجية ومعوض عندما سلمتهما المسدس وذخيرته فقال لي المرحوم فرنجية : في هذا الزمن هذا النوع من هؤلاء الرجال نادر وقليل .

في ذلك الوقت أصبح الوضع في لبنان على النحو التالي : مقاتلوا الحزب التقدمي الإشتراكي  بقيادة كمال جنبلاط يقاتلون في الشوف ومقاتلي معروف سعد يقاتلون في صيدا وبعض بلدات الجنوب ، وفي الشمال كانت الثورة بقيادة كرامي ومعوض وفرنجية ، أما في بيروت فقد اقتصر الوضع على قيام المظاهرات الصاخبة التي كانت تصطدم بقوى الأمن مؤدية لوقوع إصابات بين الجانبين .

كانت الصحف الموالية لشمعون تشن حملات إعلامية مكثفة ضد سورية وتخص الرئيس جمال عبد الناصر بأقذع السباب والشتائم .. وكان يحمل لواء تلك الحملات البذيئة إثنان من الصحفيين هما فؤاد حداد وغندور كرم ، وكان الأخير يكتب زاويتين في جريدتي النهار والبناء مادتهما كلها ضد سورية ومصر .

بينما كان الأول يكتب زاوية في جريدة العمل الكتائبية يوقعها بإسم ( أبو الحن ) فقد كتب مرة بمناسبة إنتخاب شارل مالك ( ألد أعداء القومية العربية ) لرئاسة الجمعية العمومية للأمم المتحدة : أن المائة والسبعة والخمسين صوتا التي حصل عليها مالك في انتخابات الجمعية العمومية هي مثابة مائة وسبعة وخمسين بصقة في وجه جمال عبد الناصر .

في تلك الفترة عاد الى بيروت من المهجر السيد رشيد شهاب الدين وكان من المؤمنين بسورية وبعبد الناصر وبالقومية العربية ، فجن جنونه عندما اطلع على ما يكتبه فؤاد حداد وغندور كرم وقرر قتلهما ، فبدأ بغندور كرم حيث استدرجه الى المدينة الرياضية وهناك قام بتصفيته بإطلاق النار على رأسه ثم برزت بعض العقبات التي حالت دون إجهازه على فؤاد حداد واضطر للتواري عن الأنظار .

وصل الخبر الى سورية وكانت شعبة الأمن السياسي بقيادة عبد الحميد السراج سرت كثيرا بالخبر وبعد بضعة أيام من اغتيال كرم جاء من بيروت خبرا أن السيدين صائب سلام وعبد الله اليافي يهتمان بالسيد شهاب الدين الذي وصل الى دمشق فطلبا من السراج رعايته وتلبية طلباته بعث السراج أحد المراقبين الى مكان إقامة المناضل رشيد شهاب الدين فاتصل به وقال له إن المقدم السراج يرى من الواجب أن يهتم بك ويقوم بالواجب نحوك .

فقال شهاب الدين أنا رجل ميسور ولست بحاجة لأية مساعدة فقدم له مسدسا مرسلا إليه من السراج وهو من نوع هريستال من عيار 9 ملم قائلا هذه هدية من المقدم عبد الحميد السراج إليك ثم أعطاه رقم هاتف خاص وطلب منه أن لا يتردد عن الإتصال به وقت يشاء .

عبد الهادي محيسن … كاتب وباحث

مجلة الشراع