كتب الإعلامي د. باسم عساف :توصيات العرب … من القمم إلى القمامة …

القمة العربية الأخيرة التي حملت رقم/ ٣٢ .. قد حملت أيضاً رقم / ٣٢ توصية من توصيات حاملي الهموم العربية ، وأمناء العهد على الوطن العربي الواحد ، وموحّدي الجهود في جامعة الدول العربية ، التي أنشئت بطلب إنكليزي في خمسينات القرن الماضي ، من أجل توحيد الموقف العربي تجاه دولة إسرائيل ، التي زرعت في المنطقة من قبل بريطانيا والحلفاء ، وتكرس وجودها بقرار دولي عبر الأمم المتحدة وفيها ممثلي الدول العربية ، الذين أقرُّوا بتقسيم أرض فلسطين وقيام دولتين عليها ، ومنها سلطة فلسطينية لتكون (القدس الشرقية) عاصمة لها ، وهذا ما كرسته جامعة الدول العربية في قممها المتعاقبة ، وهي تداوم فيها على إنتقاد وإتهام الدويلة العبرية بإنتهاك الأراضي الفلسطينية والتوسع الإستيطاني وضم المزيد منها ، حتى باتت السلطة الفلسطينية بكافة تفاصيلها تحت الإحتلال ، ولا تسيطر بلدياً على أكثر من/ ١٠ % من أرض فلسطين بما فيها مدينة غزة …
أرض فلسطين من البحر حتى النهر ، تمُرُّ بالقمم والهضاب المتسلسلة ، التي تنتشر فيها المستوطنات والمدن ذات المربعات الأمنية ، والتي تشكل جميعها قواعد عسكرية من المستوطنين لإستخدامهم في أي حين طارئ لإسكات أي تحرك فلسطيني للمطالبة بإعادة الحقوق إلى أهلها ، وإعادة الأمور إلى نصابها كما كانت قبل الإحتلال البريطاني ومن ثم اليهودي في إغتصاب أرض فلسطين ، وهذا يتم تحت مرآى ومسمع الرأي العام الدولي عموما ، وبرضى الدول العربية التي سميت الجامعة بإسمها ، وتكرست بقممها المستدامة بتوصياتها المعهودة بالكلام المعسول ، والعاطفي أمام الشعوب المخدرة به ، والذي يتغنى بفلسطين الحبيبة ، والذي يغطي أيضاً دوام إستمراريتهم في التربع على كراسي العروش ، وإمتهان التسلط والهيمنة على مواقع القرار ، لتكون في خدمة الأسياد لضبط البلاد والعباد …
منذ إنشاء الجامعة العربية ، ومن أول قمة لها وحتى آخرها بالأمس ، لا زال الملوك والسلاطين والأمراء والرؤساء لدولها الإثنتين والعشرين ، وربما تصبح/ ٢٣ بعد ضم الكيان اليهودي إليها ، خاصة من بعد التطبيع معه وإعتباره لديهم أنه من ضمن بلدان المنطقة ، وربما يزيد العدد بعد تسوية خارطة الطريق وتقسيم الدول إلى دويلات عرقية وإثنية وطائفية ، لتصبح بعدها الجامعة تحت مسمىً جديد بإسم : جامعة دويلات الشرق الأوسط الجديد ، وقد بدت ملامحه مع قيام وإعتماد وطن الإبراهيمية ، التي وضعوا لها ديناً يضم في ثناياه التعاليم اليهودية والنصرانية والإسلامية ، وفق أهوائهم وتعليمات أسيادهم ، لتكون بديلاً للوطن العربي الكبير الذي يضم بلاداً : دين الدولة فيها الإسلام ، وذلك بخلطة جديدة تصدر عن المطابخ الدولية ، لتوضع على مآدب اللئآم ، لإشباع شعوبها الأيتام …
قمة عربية جديدة تضاف إلى القمم التي سبقتها من حيث الشكل والمشهد الكلاسيكي المعهود لها ، والتي زادت في مضمونها عودة سوريا إلى حضنها دون تفسير :
كيف ولماذا أخرجت ، وأعيدت ؟؟؟؟
ومن المسؤول عن الإخراج والإعادة ؟؟؟
وما نتائج ذلك وحساباتها لأكثر من عقد من الزمن ؟؟؟
وماذا حدث من إفادة أو أضرار لهذا الخروج والإعادة ؟؟؟؟
علماً أن الأشخاص في القرار الأول والأخير هم أنفسهم من ولاة الأمور ، وقد مرَّت فصول القمة ومقرراتها وتوصياتها دون المرور بسرد أي تفسير أو سبب لذلك ، وكأن شيئاً لم يكن ، أو كأن شيئاً لم يحدث ، مع الإسفاف والإستلشاق بأي موقف أو رأي لشعوب هذه الدول التي تشخص أبصارها إلى مشاهد الود والإحتضان والسعادة بالمديح وبالحضور الشخصي والحبور النفسي لإكتمال نجاح القمة في الصورة التذكارية …
إن من مفاجآت مشهدية القمة العربية ، فاصل إعلاني يسلط الأضواء على حضور الرئيس الأوكراني زيلنسكي وإفراده بكلمة خاصة له ، ليملي على المؤتمرين مسار المؤآمرة عليه وعلى بلاده من قبل روسيا التي تحتل بلاده كما ذكر لهم .. ولم تكتمل المفاجأة بحضور الرئيس الروسي بوتين ليذكر لهم أسباب دخوله أراضي أوكرانيا ، وإعلان الحرب عليها وعلى حلف الناتو من ورائها ، دون أن نذكر حضور الصين وكوريا وتايوان واليابان كما أميركا وفرنسا وغيرها من دول المواجهات لتكون على طاولة المؤتمر من أجل البحث وإقرار التوصيات ، بعيداً عن دور إسرائيل وكيفية وسبب وجودها وإحتلالها لأرض فلسطين ، والتغلغل في الأنظمة العربية والإملاء على شعوبها من خلالهم ، بالتطبيع والعقود معها على أكثر من صعيد …
٣٢/قمة عربية حتى الآن ، مع مقرراتها وتوصياتها المتكررة منذ البداية وحتى النهاية ، وربما قراءة ذات الورقة مع بعض الرتوش والتعديلات نظراً لبعض التغييرات في الأشخاص والأسماء للملوك والأمراء والرؤساء من وفود الدول المشاركة في هذه القمم ، وأمكنة إنعقادها في العواصم العربية المعتمدة لها ، ولكنهم أصيلون ويتمسكون بالأصول من دون تغيير النمط الشكلي وأهداف وغاية إنشاء الجامعة في تخدير الشعوب العربية وتدجينهم لقبول التوصيات كما جاءت من أول قمة حتى آخرها بالأمس …
يأتي ذلك دون تدبير أو تنفيذ أو تحقيق لأي مطلب ، كما جاء فيها على سبيل المثال ( لا تفاوض ، لا إعتراف ، لا صلح مع إسرائيل ) وقد نفذت جميعها بالمقلوب وبالكلمات المتقاطعة ، بينما لم نر ، أو نجد تنفيذ أي قرار يفضي إلى وحدة الأمة وجميع مقدراتها لتكون في نظام واحد ، وتخطيط واحد ، و برنامج واحد ، لمواجهة أعدائها المتربصين بها تفتيتاً وتقسيماً ، لتكون غنائم دسمة للمصالح الفئوية …
فأي جدوى من هذه القِمم ، وهي مفرغة من الهِمم ، التي لم تنفع الشعوب ولو باللّمم ، سوى بضرب السيما والكِمَم ، ومزيد من التفرقة دون الرَّمم ، وبفعل الحيلة والغيبة والنَّمم ، وإستخدام الخرس والعمي والصَّمم ، ودون تبيان وإبراء الذِّمم ، لتذهب مقرراتها إلى مذبلة التاريخ ، فتنتقل إلى القمامة مباشرة بفعل هذه القِمَم …