الخدمات الاعلامية

ماذا بعد رمضان؟/ بقلم الشيخ أسامة السيد/الشراع

الشراع 27 نيسان 2023

الحمد لله وكفى وسلامٌ على عباده الذين اصطفى.

قال الله تعالى:{يا أيها الذين ءامنوا كُتب عليكم الصِّيام كما كُتب على الذين من قبلكم لعلَّكم تتقون} سورة البقرة.

كانت أيامًا معدوداتٍ في خير الشهور رمضان وها قد أوشك رمضان أن يرحل فماذا قدَّمت في هذا الشهر المبارك؟ وهل أنت راضٍ عن سلوكك في هذا الزمان الشريف؟ وأين حالك من حال الصَّالحين في رمضان؟ وماذا سيكون حالك إذا تولَّى الشهر الكريم؟

نرى كثيرًا من الناس يُقبلون في شهر رمضان على الطاعة إقبالًا كبيرًا فتعمرُ المساجد بالمؤمنين الراكعين السَّاجدين القانتين وتكثر صفوف المصلِّين في المكتوبات الخمس وقيام الليل والاعتكاف بين رياض الجوامع المؤنسة وتُعقد حلق مُدارسة العلم وقراءة القرآن وذكر الله، ويختصر بعضهم من ساعات العمل ليغتنم من خيرات رمضان فينعم في ظلاله الوارفة ويرتوي من معينه العذبويهنأ في ساعاته المباركة ويلتمس من نفحاته وفيوضاته، وتطال يد العون أُسَرًا وأفرادًا محتاجين من الفقراء والمساكين والذين أغرقتهم الدُّيون وتتنوَّع أصناف البِرِّ وما أكثرها. فهذا تعلَّق قلبه بالمساجد وذاك يتردد بين مجالس علوم الشريعة  وآخر يُقبل على مذاكرة وتلاوة كتاب الله، وآخرون يبحثون عن مستحقٍ يدفعون له الزكاة أو يجودون له ببعض الأعطيات، وترى مظاهر النور والخير والبركة والرحمة تعمُّ الأرجاء في شهرٍ بارك الله تعالى فيه وجعله خير الشهور وموسمًا للمبرات، وقد رُوي في فضله من طريق سلمان الفارسي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “وهو شهرٌ أوله رحمةٌ وأوسطه مغفرةٌ وآخره عتقٌ من النار” أخرجه البيهقي. وحقيقٌ بمريد الأجر الجزيل والثواب العظيم من رب السموات والأرض أن يغتنم أيَّامه العظيمة ولياليه الكريمة ليكون له في ذلك الزاد الحسن،فعن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:”افعلوا الخير دهرَكُم وتعرَّضُوا لنفحات رحمة الله فإن لله نفحاتٍ من رحمته يُصيب بها من يشاء من عباده وسَلوا اللهَ أن يستُر عَوراتِكم وأن يُؤمِن رَوعاتِكم” رواه الطبراني.والعورة هنا النقص الذي لا يُحب الشخص اطِّلاع الناس عليه، والرَّوع هوالخوف، وفي الحديث حثٌ على فعل الخير طيلة العمر واغتنام المواسم المباركة لما فيها من نفحاتٍ وأسرارٍ ولا شك أن من أعظم هذه المواسم شهر رمضان المعظَّم.

اثبت بعد رمضان

ولكن ما يؤسف أسفًا كبيرًا أن نرى كذلك كثيرًا من الناس ينقلبون بعد انقضاء رمضان رأسًا على عقبٍ فيتركون قدرًا كبيرًا وحظًّا عظيمًا مما كانوا اعتادوا عليه من الخير في رمضان، فلا يرتادون المساجد بعد ذلك ولا يواظبون على طلب العلم ولا يسألون عمَّا يحتاجون إلى معرفته من الأحكام، ويقطعون يد المعونة التي امتدت بالعطاء فبلسمت أوجاع المحرومين وضمَّدت جراح المكلومينوفرَّجت كثيرًا من كُرُبات المكروبين، بل ربما وصل الأمر ببعضهم إذا ما فارق شهر رمضان إلى ترك بعض ما افترض الله تعالى عليه فإذا بأحدهم يترك الصلوات المفروضة أو يمنع الزكاة الواجبة أو يفعل ويفعل ويعود أدراجه إلى ممارسة بعض المحرَّمات التي كان قد كفَّ جوارحه عنها في شهر رمضان،وتجفُّ تلك الدموع التي طالما هطلت من عين الندم في مجالس الخشوع الرمضانية، وينقلب بعض من كان عونًا لأخيه في رمضان على التقوى والعمل الصَّالح إلى عونٍ للنفس الأمَّارة بالسوء على إغراق صاحبها في مستنقع الموبقات، ويغرق أحدهم من جديدٍ في أوحال الدنيا الدنية ويدور في دوَّامة المغريات وتُقيِّده شِراك إبليس مرةً أخرى وإزاء ذلك نقول:

إن الكيِّس الفَطن يستعين بالصوم على تهذيب نفسه وفي الصوم سرٌ عظيم في ردع النفس عن المحرَّمات كما دلَّ على ذلك قوله تعالى في الآية أعلاه {لعلكم تتقون} قال النسفي في “تفسيره”: “تتقون المعاصي بالصيام لأن الصيام أظْلَفُ (أمنعُ، وظَلَف نفسَه: مَنَعَهَا) لنفسه وأردع لها من موافقة السُوء أو لعلكم تنتظمون في زمرة المتقين إذ الصوم شعارهم”. وروى البخاري ومسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم عن رب العالمين تبارك وتعالى أنه قال “والصِّيام جُنة” ومعنى جُنَّة وقاية فالصوم يقي من شهوات النفس كما يقي التُّرسُ من ضربات السيف، ومن كان عاقلًا اغتنم شهر رمضان فتاب لله واستعان بأسرارهذا الشهر على تهذيب نفسه ليكون تهذيبها بدايةً لانطلاقةٍ جديدةٍ في حياةٍ ملؤها تقوى الله لا لينكص على عقبيه إذا ما رحل رمضان.  

إن التزام شرع الله تعالى ليس منوطًا بزمنٍ دون آخر ولا بسنٍّ سوى غيره وليست الشريعة أحكامًا تتعلَّق بمن تقدَّمت بهم السنوات فحسب ولا بالفقراء دون الأغنياء ولا بالنساء دون الرجال أو المستضعفين دون الأقوياء، وقد أمرَنا ربنا في القرآن الكريم بفعل الخيرات والإكثار منها من غير تقييدٍ لفعل ذلك بوقتٍ دون آخر، فقال تعالى:{يا أيها الذين ءامنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تُفلحون} سورة الحج.  

إن الواجب على المؤمن أن يتقي الله تعالى في رمضان وفي غير رمضان فليس أداء الواجبات واجتناب المحرَّمات أمرًا يتعلَّق برمضان فقط، ولا رخصة للمرء في فعل الحرام لا قبل رمضان ولا ضمن رمضان ولا بعد رمضانومن كان عقدَ العزم في شهر رمضان على المسارعة إلى الأعمال الصَّالحة فلا ينقُضَنَّ هذا العزم بعد رمضان، ويا من تُبت إلى الله ووطَّدت نفسك على الثبات على الهدى ألزم نفسك ذلك بعد رمضان لتنقاد لك كما انقادت في أيَّامٍ معلومات فإن العُمر قصير ولا يحتمل التقصير والله عزَّ وجلَّ يقول:{يا أيها الذين ءامنوا تُوبُوا إلى الله توبةً نصوحًا عسى ربكم أن يُكفِّر عنكم سيئاتكم} الآية سورة التحريم.  وجاء في “الدر المنثور” للسيوطي عن ابن مسعودٍ وابن عبَّاسٍ ومجاهدٍ في تفسير التوبة النَّصوح بأن يتوب ثم لا يعود بعد ذلك إلى الذنب.

فيا من سلكت سبيل التقوى في رمضان استمر في درب هداك يومًا بعد يوم وعامًا بعد عام فقد قال الله تعالى:{واعبد ربك حتى يأتيك اليقين} سورة الحِجر. والمعنى حتى يأتيك الأمر اليقين حصُوله وهو الموت ففي الآية أمرٌ بالثبات على طاعة الله مدة الحياة الدنيا والواحد منا لا يدري متى يأتيه الموت فعليه بالتالي أن يكون مستعدًا للموت كل حينٍ.

والحمد لله أولًا وآخرًا.

مجلة الشراع

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Here you can just take everything you need for efficient promotion and get the job done well. o’tishingiz Surprisingly, this is not the same as the circumstance with Mostbet. agar o’yinchi MostBet in Bangladesh offers a plethora of pre-match picks in over 20 different sports. o’yin boshlanishidan oldin This means you may use the mobile version to safely make deposits and withdrawals. dasturi