فضل التآخي والمواساة / بقلم الشيخ أسامة السيد/الشراع

الشراع 13 نيسان 2023

الحمد لله وكفى وسلامٌ على عباده الذين اصطفى.

قال الله تعالى في القرآن الكريم:{إنَّما المؤمنون إخوة} سورة الحجرات.

وعن عبد الله بن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال“من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته ومن فرَّج عن مسلمٍ كُربةً فرَّج الله عنه بها كُربةً من كُرَب يوم القيامة ومن ستر مسلمًا ستره الله يوم القيامة” متفقٌ عليه ، أي ييسر الله له الخير ويجزيه الثواب. إن من أبرز مظاهر القوة وأسباب الأُلفة والتضامن التي تنهض بها المجتمعات المؤمنة التآخي في الله، وليست هذه الأخوة مجرد شعارٍ نرفعه دون تطبيقٍ لما يتضمَّنه هذا الشعار من معاني السمو والعظمة. أن نكون إخوةً في الله يعني أن يحب أحدنا لأخيه المؤمن من الخير ما يُحب لنفسه فعن أنسٍ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “لا يؤمن أحدكم حتى يُحبَّ لأخيه ما يحب لنفسه” متفقٌ عليه. معناه لا يكون كامل الإيمان حتى يكون على هذه الصِّفة وليس المراد نفي أصل الإيمان والإسلام عنه بالمرة.

فما أحوجنا في هذا الزمن العصيب لا سيما ونحن في شهر الصبر والمواساة شهر رمضان أن نطبِّق معنى الأخوة في الله بكل معنى الكلمة إذ قد صرنا إلى أيامٍ تُبتلى فيها معادن الرجال، وقلَّ من الناس من يهتم لشؤون إخوانه أو ربما لشؤون أهله وما زال أكثرهم يُفتنون بالدنيا وينسون الاستعانة بما رزقهم الله من النعَم ِعلى أمر الآخرة وتضيعُ منهم مواسم الخير فيما لا خير فيه.

تذكّر أخاك الجائع

وحريٌّ بمن شبع أن يتذكر أخاه الجائع وبمن أثرى أن يتذكر أخاه الفقير وبمن كان ناعم البال أن يتذكر إخوانه الذين مزَّقت قلوبهم النوائب وبمن شعر بحرقة العطش ومرارة الجوع وهو صائمٌ أن يتذكَّر إخوانه المساكين. ومن حجب غرورُالدنيا نظرَه فليكشف تلك الحجب بالنظر في قول الله تعالى:{ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصةسورة الحشر، و“الخَصاصة” الفقر، وفي قوله تعالى:{ويطعمون الطَّعام على حبه مسكينًا ويتيمًا وأسيرًاسورة الإنسان، وقوله تعالى على حبه أي على شهوتهم وحاجتهم إليه. قال النسفي في “تفسيره”: “وعن أنسٍ أُهدي لبعضهم رأسٌ مشويٌ وهو مجهُود (شديد الحاجة) فوجّهه إلى جاره فتداولته تسعة أنفسٍ حتى عاد إلى الأول”فانظر كيف كان حال أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فيما بينهم حيث كانوا مع ما فيه أكثرهم من الفقر الشديد يؤثرون أي يُقدِّمون إخوانهم على أنفسهم في أمور الدنيا فيواسي بعضهم بعضًا في الطعام والمال مع الحاجة إليه وأنظر أين أنت منهم في شهر الرحمة.

إن المؤمن أخٌ للمؤمن وذلك لاجتماعهما في الإيمان كالأخوين المجتمعين في الأبوين وينبغي للأخ أن يُعامل أخاه بمثل ما أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم فلا يُسلمه أي لا يتركه إلى من يظلمه ويهينه، ومن كان في حاجة أخيه أي في قضائها كأن سعى له في تأمين مأوى ليسكنه أو أمدَّه بالمال أو الغذاء أو الدواء للتخفيف من ألمه ومعاناته، أو علَّمه ما يحتاج إليه من أمور الدين أو أعانه على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ابتغاء مرضاة الله تعالى كان الله في حاجته أي الدنيوية والأخروية أي يُيسِّر الله له الخير ببركة هذا العمل الطيب الذي أسداه لأخيه المؤمن ويجزيه في الآخرة الثواب الجزيل على ذلك. ومن فرَّج عن مسلمٍ كُربةً بأن تَشَفَّع له مثلًا عند ذي الدَّين ليصبر عليه أو ليحُطَّ عنه أو كان هو صاحب الدين فسامحه أو تجاوز عن بعض دَينه أو فرَّج عنه غير ذلك من كُرب الدنيا فرَّج الله عنه أي عِوض ما فرَّج عن أخيه المؤمن كُربةً من كُرب الساعة.

فضل المعروف

روى البيهقي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر “رجلًا من أهل الجنة يُشرف على أهل النار فيُناديه رجلٌ من أهل النار (أي من فُسَّاق المؤمنين لا الكفار) يا فلان هل تعرفُني؟ فيقول: لا والله ما أعرفك من أنت؟ فيقول: أنا الذي مررتَ بي في دار الدنيا فاستسقيتني شربة ماءٍ فسقيتُك. قال: قد عرفت. قال: فاشفع لي بها عند ربك. قال: فيسأل الله تعالى فيقول: شفّعني فيه، فيَأمرُ به فيُخرجه من النار”. فهذا مسلم أغاث أخاه المؤمن بشربة ماءٍ فيجزيه الله بذلك يوم القيامةفكيف بمن يُعين إخوانه بما هو أكثر من ذلك لا سيما في أيام الشدة ولا سيما ونحن في رمضان، ففي صحيح البخاري عن ابن عباس “كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجودَ الناس وكان أجودَ ما يكون في رمضان”.

وبهذه الأخوة الصادقة يكون المؤمنون كالبناء المتماسك يشدُّ بعضه بعضًا، وما أحوجنا إلى مثل هذا الخُلق الكريم اقتداءً بنبينا وأصحاب نبينا صلى الله عليه وسلم فقد قدِم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة المنوَّرة مهاجرًا من مكة المكرَّمة فآخى بين المهاجرين والأنصار فضرب الأنصار وهم أهل المدينة الذين آوَوْا ونصروا أروع الأمثلة في العطاء والإيثار على النفس حتى كان الرجل ليقسم ماله شطرين بينه وبين أخيه المهاجر أو يكون له داران فيُعطي إحداهما لأخيه المهاجر.ومن فكَّر أنه لن يأكل فوق الشبع ولن يلبس أكثر من ثوبٍ ولن يسكن أكثر من غرفة مهما كان ذا ثراءٍ وفكَّر قبل ذلك بثواب الله الجزيل لمن يواسي أخاه المؤمن في المصاعب التي تلمُّ به حريٌ به أن يجعل بعد ذلك الدنيا خلف ظهره، وأن يجعل لأخيه نصيبًا فيما منَّ الله به عليه قبل أن يصير المتاع إلى من ربما لا يقرأ له الفاتحة، فعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “كان رجلٌ يُداينُ الناسَ وكان يقول لفتاه إذا أتيتَ مُعسرًا فتجاوز عنه (أي أمهله أو سامحه)لعل الله عزَّ وجلَّ أن يتجاوز عنَّا (يغفر لنا) فلقي اللهَ (أي مات) فتجاوز عنه (غفرله)” متفقٌ عليه.

واعلم أن الكلام في فضل مواساة الإخوة يطول ويطول ولكن فيما بينَّاه تذكيرٌ للغافلين ليكون أحدهم عونًا لأخيه فعن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه” رواه الترمذي.

والحمد لله أولًا وآخرًا.

3

مجلة الشراع