صالون الست خيرات
هل هذا المقهى هو صالون ادبي، مكتبة عامة، صالة عرض للرسوم التشكيلية، أو مكان لتمضية الوقت هرباً من تنين الفراغ
في الواقع، انّه يختصر في مساحته المحدودة كل ذلك. لكن مع إضافة تدلّ إلى سخاء خيرات الزين التي تحار كيف تؤمّن لكل مرتادي «زاويتها» اسباب الراحة والضيافة على انواعها. والأهم عندها، هو أن يرتاح هؤلاء إلى الملاذ الذي وفّرته لهم، على إثر «اليتم» الذي أصابهم بعد إغلاق مقاهي شارع الحمراء تباعاً: «الاكسبرس»، «الهورس شو»، «ستراند»، “لوتوكيه”، “كافيه دو باري”، «الدورادو»، ومن ثم “سيتي كافيه” و”ستارباكس” و”ليناز”. فهذه المقاهي التي شكّلت عصب الحياة السياسية، الثقافية، الفنية، وصخبها، تحوّلت إلى مطاعم «فاست فود» او محلات «نوفوتيه» او بيع أحذية.
المبدعون من شعراء، ادباء، روائيين، رسامين، نحاتين، مثقفين، صحافيين واعلاميين، يحتشدون في «مضافة» خيرات، يتبادلون آلاراء، يستعيدون الذكريات، يوردون اخباراً ووقائع طريفة حصلت معهم، يتجادلون احياناً، بصخب تغيب عنه الضغينة، في السياسة، ويتحسرون على زمن مضى لن يتكرّر.
إختصرت خيرات كل مقاهي شارع الحمراء، والشوارع المتفرّعة، في مقهاها العفوي الأنيق الخالي من الندل، والذي لا يكلّفك الدخول اليه سوى كلمة: صباح الخير، مرحبا، أو مساء الخير، والباقي دعه على «الست خيرات» التي تسعد بالوجوه الأليفة التي تحتضنها بحب وكرم.
والعجب كيف أنّ الإعلام لم يتوقف عند المقهى الذي أصبح محطة ثقافية نادرة في العاصمة، وبارزة على امتداد لبنان ويضيء عليه منصفاً. وإذا كان لا بدّ من تسمية تُطلق على هذا المقهى، فلست أجد افضل من «صالون الست خيرات»، لأنّه يذكّرنا بالكثير من الصالونات التي ذاع صيتها في نهايات القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين في القاهرة وبيروت، وكان لها الدور الكبير في إطلاق النهضة العربية على مختلف المستويات، وفي كل المجالات.