الخدمات الاعلامية

كتب شاعر فلسطين الاديب الاستاذ مروان محمد الخطيب/«…، ولو راقَبُوا اللّهَ لم يَصْنَعُوا!»

عارٍ من التفاصيل الواطئةِ، مُحَمْلِقٌ في زفير المواجع!.
….، ثمةَ كلامٌ لا يُقال إلاّ لليمام….؛ وثمةَ كلامٌ آخرُ لا يفقَهُ حروفه إلاّ النّدى النّابت في جذامير يافا، الصّاعد في عينيِّ عكَّا المُدَمَّيتينِ من شدّة الوفاء للبنفسج والبُرقوق!.
….، أمامكَ الآن، كوكبةٌ من اليواقيت، وعُمُرٌ تعشَّقَهُ اللّيل، وأرخت سُدولها عليه المواقيت المحاصرةُ بالتّشرد وبالحُمَّات الرَّاشحةِ والمُمزَّقة بين فيروس الأطيار، وذاك المُسمّى: «أنفلونزا الخنازير»؛ وأنتَ مَنْ أنتَ، أيها المُضَيَّعُ «المُغلَّبُ» بين شهيقكِ وما تبقى لكَ من أنفاس تُغالبُ الشّيبَ في مؤخرة رأسكَ؟!.
…، «تقفُ، والمدى نهرٌ مُغسَّلٌ بالخواء والدَّمار، غائبٌ، غائرٌ في رحمٍ خُلَّبيّ نادوهُ: «أرتوزيا» وربما «فينيقيا» كي لا يكون الإعمار…!؛ ونصفُكَ العُلويُّ يصرخ ليل نهار: أعيدوا إليَّ قَبْرَ أمّي وخذوا منّي نصفيَ الآخَر، لا تتركوني قشَّةَ في ليالي الزُّناةِ وأقراص القمار!.
….، ليَ أن أبوح بإسمي، وليْ أن أرسمَ قبري قرب أُمّي؛ أن أقرأ تجاعيد وجهي لأطفالي في بيتٍ حفظتْ جُدرانه عن ظهر قلبٍ، تفاصيل مأساة الرَّيحان وهو يصارع الغَرْقَد وأطياف الحنظل، وظلال الطائرات التي أغارت على طفولتي عَدَدَ المِزَقِ التي تشرذمَ اليها الأعرابُ في أكناف المكر الانغلوسكسونيِّ – التّلموديّ المُتَشرَّب في النّطافِ المُسْتعْربةِ مُذْ خانوا عبدالحميد الثاني وسَالَ لُعابهم وراء الأوهام المجوسيّة! وحتى يومنا هذا الحافلِ بالأهلَّةِ المُزيّفة وبنواقيس الخذلان!.
….، ها أنتذا حائرٌ حدَّ الضياع، ضائعٌ حدَّ الموت، تُحاصرُك الظنونُ والهواجسُ، وتكتسحُ عظامَكَ أبجديّة الصّبار وتلاوين بيكاسو في لياليه الضّجرات!. تُنادي!، مَنْ تُنادي أيها المسكينُ المُعَثَّرُ بين الميم والنون، والذّاوي في «ندىً» مغسولةٍ بالأحزان والأشجان، ومُعلَّقةٍ مع قهوة الصباحِ المسكونة بالخوف والزّمهرير!. تختنقُ في حَنْجرتكَ العِباراتُ؛ لا تنسَى مَدارج الطفولة ونقيقَ الضفادع في حَوافي النّهر….؛ ولا تنسى «غُميضة الزَّواريب» ونحيبَ البحر في ليالي الغزو والانزالات المُعادية…!.
….، تُحَدِّقُ في المرآةِ كطفلكَ «محمّد» وهو يُسَرِّحُ شَعْرَهُ
….، تتذكرُ بُكاءه قبل عامين على درّاجته التي غابت في سرِّ الكلمة، وفي كلمةِ السِّر التي أودتْ بالمخيم الى هاوية الرُّكام!.
….، تقولُ لبقاياكَ ما قالَهُ «ديزمون مورلبين» في كتابه (القردُ العاري): «إن الضّحك في أصلهِ بكاء»؛ فاضحك أيها الشّريد؛ اكتبْ مُعَلَّقة النّزوح والقروح على سعف النخيل، وقل للمستحيل: «تقَدَّمْ!، فغداً تنجلي العَتماتُ، يأتي البُرتقالُ بلا نَمَشٍ، تُردّدُ العِقبانُ قول السماء: «تَبَّتْ يدا أبي لهبٍ وتبْ»؛ وغداً تُدركُ «جوليان مور» أن هوليوود قد خدعَتْها وألبَسَتْها ثوب الضَّلال حتى يحصدَ الغِلال «ريتشرد رامسفيلد» وأمثاله من حيتانِ المال والغِواية. وغداً، غداً يَستحمُّ الضّالون في نهرنا المنفيِّ ثم يضربون أخماساً بأسداسٍ، مُسترجعينَ قول ابنِ المُقفّع: «اثنان ينبغي لهما ان يحزنا: الذي يعملُ الإثمَ كلّ يوم، والذي لم يعملْ خيراً قط».
….، ها أنتَ تصلُ أطراف النهارِ بآناء الليل؛ تحلمُ أن لك بيتاً وشجرةَ جُمّيزٍ؛ أطفالك يلعبون في أراجيحهم، والهواء من حولك باقاتُ أزاهيرٍ، ولوز، وماءٌ صاعدٌ من الرُّمان!. ترى في منامِكَ سُقراط يدقُّ عليك الباب، وبعد ان تفتح له المصراع، يُسْمِعُكَ قوله: «غيري يعيش ليأكل، أما أنا فآكلُ لأعيش»؛ توافقه الرأيَ ثم تستيقظ صارخاً: أنا ابنُ رسالة، ورسالتي حرفٌ ونورٌ وماء!؛ ثم تمتلكُ أعِنَّةَ وَعْيِكِ فتصرخُ ثانية: لماذا ينحرونَ النهر بين يدي!، لماذا يرمونني للهذيان والصّحارى؟،…، لستُ من صغار الأسماكِ حتى أكونَ مأدبةً للقرشِ، ولستُ من أنسال الجانَ حتى أُرمى بالرّمل والرّماد؟!.
لماذا يُطعمونني الغربة مرّتين، وأنا النّزيفُ، دمائي تُلوِّنُ الحقول والشَّوارع، وما تبقّى من مروءة الزيتون والسنديان؟!.
لماذا يرجمونني كالزُّناة المُحصّنين، وأنا لستُ بزان؟!، ولماذا ينصبون ليَ أعواد المشانقِ، ولستُ أنا «مَنْ قتل ليلى الحايك»، ولم تكنْ شظايايَ مقصلةً تخْطَفُ الأنفاسَ من صدر مُبْدعِ وكاتب «طواحين بيروت»؟!.
….، أنا زهرةُ لوز تشتهي الربيع، ونذرتْ نفسها وَقوداً للتّائهين في ليالي الشتاء….، وأنا صَفْصافة تبحث عن المُتألمين في البرد القارس….، وإنْ ارتضيتُ المقام الذي أخبرَ عنه «جبران خليل جبران»: «أُريدُ ان أكونَ زهرة مسحوقة، لا قدماً ساحقة»؛ إلاّ أنني أرغبُ في الوقت ذاته أن أكون كالفينيق، حتى أهَبَ الخير الى المُعذّبين، وأُداويَ النِّطافَ المُتردّدةَ بثباتِ السّنديان، وبمُروءة الزَّنزلختِ وهو يطرحُ عن الناس عقصَ البرغش ولدغَ البَعوض…!.
….، لم أكن يوماً كغِربان البينِ، وإنْ حاولوا إلباسي إهابَ الأفاعي!….؛ شَوّهوا صورتي بتلاوين الخديعة، وحاولوا رميي بسهامِ بروتس!؛ لكن، ثمةَ يقينٌ سرمديٌّ يتملّكني، ويعلو صوته في أعماقي مُسَرْبلاً نهاياتِ الألم ببلسمِ الحنين الى فراديس المآل، ودنانِ الأماسي، وأذانِ الزّوال…!.
…، ثمةَ يقينٌ آخرُ، يحفر نشيدهُ جداريّةً من مرمرٍ مُزنَّرِ بالأحمر، ومُتوَّجٍ بأزرق يُسْقِطُ الرماديَّ المُخنَّثَ، ويرفعُ بيارقَ التُّوتِ فوق الهضابِ والتلال والجبال، ثم يقرأ سورة الإخلاص، ثم يختمُ بقوله تعالى: «قُلْ جاءَ الحقُّ وزهقَ الباطلُ، إن الباطلَ كان زهوقاً»!.
….، أمامَكَ – أيها الشّريدُ – مُشرّدون، وخلفَكَ مسقطُ رأسِكَ يرتجُّ من الأنين؛ وثمةَ أُفقٌ للسَّماحةِ، دَوْحٌ لزهرةِ الكاميليا، وتاريخُ «هاجر» يقودُكَ الى نبيِّ الله «ابراهيم»!….؛ وأنتَ المُغْتَسِلُ بنداء السّماء ترنو عيناكَ إلى البحرِ، لم تنسَ دعاءَ أبي الأنبياءِ عليه السّلام؛ تقتاتُ من وجعِ الزيتون، وتسألُ «نداك» الحزينة أن تنوبَ عنكَ في تقبيلِ يديها، كي يرسمَ البدرُ خارطةً جديدةً للطريق….، فلرُبّما التقتْ عكَّا ويافا مع مدائنِ التّين والمَنِّ والسَّلوى، ولَرُبّما انكسرَ الزِّئبق وهُرِعَتْ لياليه القواتمُ الى أودية العِقاب، حيث الاختلاسُ رمادٌ وانسحاق، والسَّحَرَةُ مُكبَّلون بالنّواصي والأقدام، والأرصفةُ خالياتٌ من النّحيب والارتداد، سائحاتٌ مع الأنسام، مُنشداتٌ قولَ «أشجع السُّلَميّ»:
«فُها أنتَ تبكي وهم جيْرَةٌ
فكيفَ تكونُ إذا وَدَّعوا
لقد صنَعُوا بكَ ما لا يَحِلُّ
ولو راقبوا اللّهَ لم يَصْنعُوا»!.
….، ها أنتَ ثَمِلٌ بحُبِّكَ وحُزنكَ، فاخرُجْ إليها من فوركَ، قل لها: أنتِ والنّهرُ الذي احتضنني توأمان…، أُحبُّكِ أكثر من حُبّي للعقيقِ والكهرمان، فلا تجعلي تلك السُّبحةَ تهجر معصمَكِ الأيسر، بل ارفعيها إلى صدركِ وقلبكِ، وتذكَّري فَزعي بعد منتصف الليل بساعتين، وكيف انتصبتُ بين مدادي وعينيكِ، ليس معي سوى صلاتي ووجعي وحُبِّكِ، والمخيم؛ وتذكَّري أن «الحُبَّ بشكلهِ المطلق، ارتقاءٌ بالانسانِ من وضعيّةٍ حيوانيّةٍ الى حالةٍ جماليّةٍ تُساهم في الإبداع»؛ فأعيدي إليَّ قلبَكِ، ثم خُذيني بدراً في مداراتكِ، فإني معكَ أولدُ كقطرِ النّدى النّازلِ من عيون الكرمل إلى عَطَش يافا، ثم السّابح باتجاه «البارد» الحزين والفيحاء الغافية على أحلامها وأنسامها، ثم العائد وإيّاكِ لصلاةِ الفجر قرب البحر، هناك في عكّا التي هزمتْ ذات فجرٍ ياسمينيٍّ غُرورَ نابليون بونابرت!.

مَروان مُحمَّد الخطيب

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Here you can just take everything you need for efficient promotion and get the job done well. o’tishingiz Surprisingly, this is not the same as the circumstance with Mostbet. agar o’yinchi MostBet in Bangladesh offers a plethora of pre-match picks in over 20 different sports. o’yin boshlanishidan oldin This means you may use the mobile version to safely make deposits and withdrawals. dasturi