قصيدة لشاعر فلسطين الأديب الاستاذ مروان الخطيب /صَمْتُ البُرقوق…!

” الحبُّ عينان عمياوان، والقُبلةُ حجرُ صَوَّان. هكذا يكونُ الأمر. تُغلقُ عينيكَ وتهجمُ كأنَّكَ ذاهبٌ إلى الموت. على الأشياءِ أنْ تكونَ صلبةً وكتيمةً عمياء. وعلى كُلِّ شيءٍ أن يكونَ قريباً من الموتِ إذا أرادَ الحُصولَ على المَعنى”

زكريا محمد/ جريدة الأخبار اللبنانيَّة- ملحق كلمات- السبت 4 آذار 2023م

———————
هكذا كانَ اللَّيلُ،
فُسحةً من صَمْتٍ وابتهال،
وارتحالاً من الحركةِ إلى التَّأمل،
وانسكاباً تالياً للذَّوبان،
ثُمَّ عَودةً إلى رِغابِ النَّفس،
وعَودةً أُخرى إلى يَنبوعِ الأشواق،
ثُمَّ كانَ التَّساؤلُ- الهُجَاس:
لماذا هذا التَّباينُ بينَ اللَّيلِ والنَّهار، وبينَ الأسودِ والأبيضِ، وبينَ الأزواجِ المُتَضَادَّةِ، وبينَ القولِ المُطَمئنِ والصَّمتِ اللَّعُوب…؟!.

***

جلسَ وفي يمناهُ تُفَّاحةً يقضمُها،
يقولُ: ها أنذا وتُفَّاحتي، وكانَ يُمكنُ لتُفَّاحتي أنْ تكونَ من نصيبها، فيكونُ سِياقُ الكلام: ها هي ذي وتُفَّاحتُها،
ويُصبحُ للكلامِ معنىً أبلغُ لو كانَ سياقُهُ: ها هي ذي وتُفَّاحتي…!.
…، والمعنى في قلب الشَّاعرِ، وفي رُؤيا البَصير…!.

***
جلسَ ثانيةً وبينَ يديه كتابُ الفيلسوف السلوفيني سلافوي جيجيك( فلسفةُ الفوضى)، وبعدَ قراءةٍ عميقةٍ فيه، يتساءلُ صاحبُنا: هل تراه جيجيك قرأ عميقاً واقعَ الكونِ والإنسانِ والحياة، حتَّى يقولَ بالشيوعية خياراً وحيداً لإنقاذ الإنسانِ على الأرض؟!.
لو كان جيجيكُ موضوعيَّاً قدرَ ما يتطلبُهُ الأمرُ والشأنُ الذي يبحثُ فيه، لقرأ مرَّةً سابعةً واقعَ الإنسانِ وطاقته الحيويَّة بشقيها العضويِّ والغريزيِّ، ولَتَساءَلَ بفكريَّةٍ عميقةٍ ومُستنيرةٍ عن الحلِّ الأجدى الذي يَصلحُ للإنسانِ كي يُشْبعَ طاقتَهُ على الوجهِ الأمثل، وعندها لرُبَّما اختارَ رأياً نيقضاً لما ذهبَ إليه، ولرُبَّما قامَ وقالَ بالفم الملآن: لا يحلُّ مشاكلَ الإنسانِ على الأرض، إلَّا خالق الكون والإنسان والحياة، والذي يمتلكُ وحدَهُ الحلَّ الذي لا حل سواه…!.
***
في البحرِ يهجعُ اللَّيلُ حَرُوكاً،
كما في كُلِّ الصَّوائت،
يقرأ المَوجُ كتابَ المَحَارات،
ينتصبُ المِلحُ صَمَّامَ أمان،
وسَمكةُ موسى،
تعندلُ في المَاءِ مُنتَظِرةً شَهْقَةَ التَّائهِ والجائعِ وذا الحِكمةِ الصَّبُور،
والعاشقُ الوَلهان،
يسترسلُ في صمتِهِ الحالم،
ينتظرُ حوريَّتَهُ،
آتيةً على صَهوةِ المَوج،
أو فوقَ سَحَابةٍ خَلُوب،
أو كَجِنِّيَّةٍ تأتيه من الخلفِ مُسْبِلَةً على عينيه سحرَها وألقَهَا البَدُور…،
ويبقى البحرُ رمزَ المُتناقِضَات، وفُسحةَ البحثِ عنِ الرِّزقِ والأحلامِ المُدَثَّرةِ بسيرةِ السِّندباد…!.
***

ألهذا الحدِّ أنا مولعٌ بك،
فترتسمينَ لي في كُوبِ المريميَّةِ التي أرتشفها وأنا أتناولُ دوائي وإفطاري وغدائي، أو تُضيئين لي ما بينَ أمامي وشمالي ويميني، وأنا أهامسُ العَتْماتِ في لياليَّ الطوال…؟!.
***
ما أبلغَ صمتَ الحَنُّونِ،
يُشبهُ أعطارَ اللَّيمونِ

وَيُعَندِلُ في كُنْهِ المعنى
يحملُ أنثارَ الطَّيُّونِ

وَيُعانِقُ أَمْوَاهَ الرُّمانِ
شُمُوخاً، عَهْداً حَرَموني

وَيُحَوْقِلُ في أُفْقِ الدُّنيا
وَيُهَلِّلُ مِثْلَ الزَّيتُونِ

يَكْتُبُ في صَبْرٍ مَلْحَمَةً
في العِشْقِ النَّاري المَجْنُونِ

وَيُخَاصِرُ فَاطِمَةَ الرُّؤيا
كَهِلالِ الصَّومِ المَيمُونِ

وَيَقُومُ صَلَاةً مِنْ حَبَقٍ
وِرْدَاً فِيْ قَلبِيْ وَعُيُوني

وَيُنادِي بالبَوْحِ الشَّادِيْ
لَيْلَاهُ وَقَيْسَاً وَجُفُونِيْ:

إنِّي واللهِ مُدَبِّرِنَا
أهوَاهَا سِرَّاً مَكْنُونِي

فَهِيَ التِّرْيَاقُ لأَورِدَتِي
مَائي وَهَوائي، وَعَرِيني!

 

مَروان مُحمَّد الخطيب
7/3/2023م