نساء زمن الأزمات: من الخنساء إلى علياء! / بقلم راضية بوزيان/الشراع

الشراع 8 اذار 2023

هي أشهر ” الجن والانس” كما قال ولم يخطىء النابغة الذبياني، راثية الرجال، من صخر إلى معاوية .
بكت دهرا على أخويها وأنشدت فيهما أروع قصائدها، بكت وعدّدت الخصال، فأجادت الوصف والنعت والوصل حتى تعاطف معها كل ذي حسّ، مرهف النفس، رقيق القلب.
شكت نوائب الدهر وخذلانه، فتدفّق الشعر على لسانها كما لم يجر على لسان امرأة قبلها، فأدخلها مواسم عكاظ وجعلها تتفوق على احسن ناظمي القوافي زمانها:
كيف لا وهي من أنشدت هذه الابيات أمام كبار شعراء عصرها :
” تَبكي خُناس  على صخر وحُقّ لها
إذ رابها الدّهر، إنّ الدهر ضرّارُ
وَإِنّ صخراً لوالينا وسيّدنا
وإنّ صخراً إذا نَشْتو  لنحّار
وَإِنّ صخراً لتُأتمُّ الهداةُ به
كأنّه علم في رأسه نارُ
وهي التي صبرت على مفاجعها  عندما قتل أربعة من أبنائها في معركة القادسية وقالت قولتها الشهيرة :
” الحمد لله الذي شرّفني بقتلهم وأرجو من ربي أن يجمعني بهم في مستقر الرحمة.”
هكذا كان صبرها، صبرا جميلا راقيا على قدر عزمها كامرأة قهرت احزان نفسها شعرا و عزّا !
صولة النساء وادارتهن لا يخلو منها زمان  ولا مكان
فمن منا لم يسمع بشجرة الدرّ زوج الملك الصالح الايوبيّ التي أخفت خبر موته بحبكة ودهاء حتى تنقذ مصر من براثن الغزو الصليبي حينها، حتى عاد الصليبيون على اعقابهم وأُسر قائد الحملة ملك فرنسا لويس التاسع.؟
لقد كانت شجرة الدر أول امراة تتولى الملك في الاسلام، وقّعت الاوامر  والتراتيب بتوقيع بعلها الراحل ،وكانت ذات حزم وإدارة وتدبير .
لم تبال بما قد يواجهها من عقبات، عرفت كيف تتجاوز الأزمة بسلام ووصلت باحوال البلاد والعباد إلى برّ الأمان.
هكذا هنّ النساء كاملات عقل عبر ذاكرة التاريخ وخارطة الامصار.
يبلين البلاء الحسن في مواجهة الأهوال والصعاب، فيتضاعف جهدهنّ وينجحن في تحدّي أعتى الأزمات.
وما عالية محمد باقر منقذة مكتبة البصرة المركزية إلا بضعة من تلك النسوة اللاتي كن بشجاعة ألف رجل.
توجست خيفة من تحركات قوات التحالف التي كانت تنوي غزو العراق آنذاك ، واستعدت حتى لا يحل بمكتبتها ما حل بمكتبات بغداد ابّان إستيلاء المغول على بغداد وتدمير المكتبات العام 1258.
خاطرت بحياتها لانقاذ  أمّهات الكتب سرّا ، هي وجيرانها في تلك الفترة الحرجة والقاسية من ذلك الاحتلال الجائر  للعراق، عندما  اجتاحت  القوات البريطانية في  20 مارس/ آذار  2003، مدينة بغداد.
تمّكنت السيدة علياء على مدار تسعة  أيام من انقاذ 30 الف كتاب ومخطوط ما يقارب 70% من كتب المكتبة، نقلتهم  في سيارتها ثم خبأتهم في منزلها ومنازل اصدقائها ،واستطاعت بحنكة وشجاعة بالغة أن تحافظ على الارث الثقافي لمدينتها ولمكتبتها العريقة التي تأسست عام 1931م.
يالها من امراة فريدة و مميزة لم تعبأ  بذلك المشهد المهيب من الدبابات التي بدات بالانتشار في كل مكان تدق طبول الحرب ،التي تؤذن بالدمار والخراب.
لقد كانت كما قالت” مدفوعة بانسانيتي وأخلاقي وتعليمي ومسؤوليتي تجاه مجتمعي للحفاظ على الكتب من الضياع.”
ما أروعهن من سيدات عظيمات تجاوزن عواصف  الازمات بصبر وتصبّر وحكمة وكفاح، وما أكثرهنّ منذ أولى العصور إلى حديث الأزمان.
من فلسطين أرض أمّهات الشهداء إلى نساء المخيمات في كل مكان.
لكنّ ألف تحيّة وألف سلام.

 

مجلة الشراع