تزامنا مع ذكرى ميلاده الـ105 .. «جمال عبد الناصر.. سيرة حياة» يكشف بالوثائق جوانب مهمة حول الزعيم الراحل / بقلم هبة عبد الساتر

فى 15 يناير 1918 ولد الزعيم الراحل جمال عبدالناصر، مؤسس القومية العربية وقائد الثورة المصرية، وصاحب البصمات القوية فى غرس جذور العدالة الاجتماعية التى أتت بها ثورة يوليو 1952 . كان ناصر كل هذه الأشياء وأكثر. قاد الثورة التي أطاحت بالنظام الملكي في مصر وشكلت بعد ذلك الحكومة الجديدة وفي 23 يونيو 1956 انتخب رئيسا. كزعيم إقليمي وعالمي بارز ، رعى مفهوم القومية العربية وسعى جاهدا لتوحيد الدول العربية غير المتعاونة تاريخيا من أجل فلسطين. حتى يومنا هذا؛ لا يزال يثير اسم ناصرعاطفة كبيرة بين المصريين وغيرهم حول العالم العربي حيث تحول إلى أيقونة ترمز إلى كرامة العرب وفخرهم ووحدتهم.  وتزامنا مع الذكرى الـ 105 لميلاد ناصر صدر أخيرا عن المكتبة الأكاديمية كتاب “جمال عبد الناصر..سيرة حياة” لابنته الدكتورة هدى جمال عبد الناصر.

يتتبع الكتاب سيرة حياة الزعيم السياسية منذ كان ثائرا فى المرحلة الثانوية وانضمامه إلى الجيش وتنظيم الضباط الأحرار، وفى هذا السياق يكشف كواليس ثورة يوليو 1952 والصعوبات التى واجهتها لتغيير النظام القديم وصراع القوة داخل مجلس قيادة الثورة فيما عرف بأزمة مارس 1954، وكذلك كواليس المفاوضات التى جرت قبل توقيع اتفاقية الجلاء وإعلان الاستقلال . وبطبيعة الحال يتطرق الكتاب أيضا إلى المعارك التى خاضها ناصر من أجل القومية العربية والاستقلال الوطنى؛ سواء فى مواجهة القوى الكبرى مثل تأميم قناة السويس والتى نتج عنها أزمة السويس أوالعدوان الثلاثى على مصر، ونكسة 1967 ومحاولات إعادة بناء الجيش وتلك التى خاضها من أجل الوحدة العربية وتشكيل أحلاف دولية مغايرة تتحدى وتخترق النظام العالمى بذلك الوقت مثل الوحدة المصرية السورية ، وحركة عدم الانحياز، والانخراط فى أزمات سياسية مثل أزمات الكونغو وكوبا والكويت والأزمة اللبنانية وثورة العراق والتورط بحرب اليمن ومحاولات تحريك القضية الفلسطينية دوليا.

وتوضح د. هدى عبد الناصر أنها اعتمدت خلال إعداد هذا الكتاب المهم على وثائق لم يسبق نشرها، وكلها كانت تتسم بقدركبير من السرية، خاصة تلك التي خطها الزعيم الراحل بيده وكانت بمنزله، كتبها لنفسه ضمن مذكرات ويوميات خاصة تعبر صراحة عن أفكاره وعن رؤيته للأمور، كما تضمنت تعليقاته على الاجتماعات التي شارك فيها؛ سواء تلك التي تتعلق بتنظيم السياسة الداخلية أوالخارجية، أو القمم العربية، بل أيضا لقاءاته وبصورة خاصة مع القادة السوفييت في موسكو.

الكتاب الذى ينتهى بآخر مؤتمر قمة عربية حضره الزعيم يبدأ بطفولة ناصر وكيف شكلت مراهقته الزعيم المناضل حيث تحول لثائر بالمرحلة الثانوية عندما شارك فى أول مظاهرة له بميدان المنشية بالإسكندرية بسبب مهاجمة قوات الأمن لبعض التلاميذ دون معرفته السبب الحقيقي للواقعة فتبنى تلقائيا الجانب المعادى للسلطة وعلم لاحقا أنها مظاهرة نظمتها جماعة مصر الفتاة في ذلك الوقت؛ للاحتجاج على سياسة الحكومة. ويقول ناصر” لقد دخلت السجن تلميذاً متحمساً، وخرجت منه مشحوناً بطاقة من الغضب”!.

وفى مرحلة تشكيل تنظيم الضباط الأحرار والإعداد للثورة يكشف الكتاب أن الموعد المقرر للثورة كما خطط لها لم يكن عام 1952 كما كتب ناصر” رأينا أننا نحتاج الى 5 سنوات لتعبئة ضباط الجيش؛ حتى نستطيع ان نتخلص من النظام كله، أي إننا كنا سنقوم بحركتنا في عام 1954

وليس في عام ١٩٥٢.” كما يكشف أيضا اتجاه تفكير الضباط الأحرار للاغتيالات السياسية لرموز الفساد بالجيش وأسباب عدولهم عن ذلك . فإزاء تطورات الحوادث العنيفة المتوالية في بداية عام ١٩٥٢؛ اتجه تفكير الضباط الأحرار إلى الاغتيالات السياسية لأقطاب النظام القديم على أنه الحل الوحيد. وفعلا بدأوا باللواء حسين سرى عامر – أحد قواد الجيش الذين تورطوا في خدمة مصالح القصر – إلا أنه نجا من الموت، وكانت محاولة الاغتيال تلك الأولى والأخيرة التي اشترك فيها ناصر؛ فقد وافقه الجميع على العدول عن هذا الاتجاه، وصرف الجهود إلى تغییر ثوری إیجابی.

وتكشف الوثائق أيضا محاولات الأمريكيين والسوفييت لاجتذاب عبد الناصر خلال أزمة السويس والعدوان الثلاثى على مصر عام 1956 . تلك الأزمة أعادت تشكيل النظام العالمى وموازين القوى في منطقة الشرق الأوسط والعالم. . فما كانت بريطانيا تأمل في منعه من خلال ذلك العدوان نجحت بالفعل في ضمانه. حافظت مصر على سيطرتها على القناة بدعم من الأمم المتحدة والولايات المتحدة. تم إغلاق القناة أمام حركة المرور لمدة خمسة أشهر بواسطة السفن التي أغرقها المصريون خلال العمليات. أصبح وصول البريطانيين إلى الوقود والنفط محدودًا و تحت ضغط محلي كبير، استقال أنتونى إيدن في يناير 1957 ، بعد أقل من عامين من توليه رئاسة الوزراء. وكما كان يخشى أيزنهاور ، زادت أزمة السويس من النفوذ السوفيتي على مصر. حول تدخل خروتشوف إلى جانب مصر الاتحاد السوفيتي كصديق طبيعي للدول العربية. وقد شجع القوميين العرب ودفع الرئيس المصري لمساعدة الجماعات المتمردة التي تسعى إلى الاستقلال في الأراضي البريطانية عبر الشرق الأوسط. كانت مؤامرة العدوان الفاشلة هي التي وحدت كل إفريقيا ، وإفريقيا مع آسيا والعالم العربي ، لإعطاء دفعة كبيرة لتيارالاستقلال الوطني .

وأخيراً ..إن ذلك الحصر الشامل والغنى من الوثائق الذى تم الاعتماد عليه يؤكد على أهمية الكتاب وما يتضمنه انطلاقا من أهمية توثيق تلك الفترة المهمة والممتلئة بالأحداث المفصلية فى تاريخ مصر والعالم. وبصفة خاصة فإن ما يعرضه الكتاب حول سياسات التضامن ومحاولات الوحدة فى مشروع ناصر القومى خارج النطاق العربي ، والسياسات الخارجية والإقليمية التي ولّدتها هذه العلاقات، وكيف نجح بتشكيل صداقات سياسية متنوعة خارج مصر فى إفريقيا وآسيا وأوروبا، وكيف تعايش القومي وعبر الوطني في رؤية ناصر، وكيف تطور ذلك؛ يمكنه أن يقدم إسهاما مهما فى بحث كيف شكلت التحركات الإقليمية والدولية لناصر مسار الحركات الأفرو آسيوية وحركات عدم الانحياز في القرن العشرين، وكيف أثرت بشدة على الثورات بالعالم العربي وخارجه.

مجلة الشراع