كتب شاعر فلسطين الاديب الاستاذ مروان الخطيب/وبعدُ يا.. بيروت…!

وبعدُ يا.. بيروت…!

 

في بيروتَ الآن،
تنفتحُ الذاكرةُ على المَريميَّة،
على أفياءِ الثَّباتِ والسِّنديان،
على نَهْرَي البَاردِ وسَتَندرَا،
على ضَمَّةِ الأحلامِ،
وقُصَاصَاتِ المَرايا،
وتسبحُ الأتواقُ،
في فَحَاوى البَرْقِ
وتصطفقُ أجنحتُها بيرقاً من سلسبيل،
يُعَرِّي المستحيل،
ويعلو مُمْكِناً يوازي الصَّهيل،
وَ يرشفُ القهوةَ معَ البَيْلَسَان…!.
في “مقهى ريحان” الآن،
قُربَكَ المَطارُ،
وعِنادُ ” عبدالله صيام”،
وسِيرةُ “خَلدة” وهيَ تُقاومُ الغَازي المُحْتَلَّ،
وتقرأ في سِفْرِ النَّصرِ آياتِ المَرجانِ والأقحوانِ وشقائقِ النُّعمان…!.
في بيروتَ الآن،
ترى القدسَ تُعانقُ دمشقَ،
وبغدادَ تُخاصرُ طشقندَ،
وعكَّا ترسمُ فوقَ حاجبيها بُوطان،
وترى قرطاجَ تسندُ قُرطبةَ،
وشيرازَ تضمُّ إلى صدرِها تَطوان،
وترى الزَّمان،
ماضياً آتياً كالكَهرمان،
مُتوضِّئاً بالكَوثرِ النَّديان،
ومُشْرِفاً على انتصارٍ عتيد،
ونقيٍّ من سايكس – بيكو،
ورافضاً فلسفةَ ترسيمِ الحدود،
وتَراهُ مَعْقُودَاً من زنجبيل،
وآتياً شَافِياً،
وَمَاتعاً كَزَهْرَتَي اللَّوزِ والرُّمان…!.
في بيروتَ الآن،
تقرأ الأرضَ ومَنْ عليها من كُوَّةِ الفكرِ والشِّعر،
وتغوصُ في ذاكرةِ دلال،
تتذكَّرُ غسان كنفاني وغادة السَّمان،
ترتقي معارجَ الأتواقِ في أتونِ الحصارِ والنَّار،
وتقرأ سِفْرَ البُرتقالِ والياسمين،
تدركُ جيِّداً أن المسافةَ بين الشمالِ والجنوبِ حرفٌ ورؤيا،
وأنَّ العودةَ إلى حِضنِ الأحلامِ والمجدِ قرار،
وتدركُ فوقَ العَادةِ،
بعمقِ اليقينِ السِّرَ الذي جمعَ بينَ زوربا اليونانيِّ وموسيقاهُ الشَّجيِّة…!.
في بيروتَ الآن،
كما في أمسِ الظُّنون،
ينامُ البحرُ حَالماً بالزَّيتون،
ويصحُو باكراً،
بينَ يديهِ هَدِيرُ المَوجِ في حيفا،
وسلالةٌ تنتمي في إحماضِها النَّوويَّةِ إلى سِحْرِ الحَنُّون،
وذاكرةٌ تمتدُّ من ساحلِ شرشال في الجزائر،
إلى أبجديَّةِ موسى بن نُصير،
وتلكَ اللُّمعةُ الآسرةُ التي تختصرُ المَبنَى والمَعْنَى لآياتِ التُّفاحِ والسَّفَرْجَل،
لُمعةُ المُتنبِّي سَاجداً في عَرِينِ النَّخيلِ والقَولِ الحَكيمِ الجميل:
“لِهَوى النُّفوسِ سَريرةٌ لا تُعلمُ
عَرَضاً نظرتُ، وخِلتُ أنِّي أسلَمُ

يا أُخْتَ مُعْتَنِقِ الفَوارسِ في الوَغَى
لَأَخُوكِ ثَمَّ أرقُّ منكِ وأرحَمُ”
والقائل بعيداً عن هوى النَّفسِ، ومندغماً في القولِ التَّالدِ الخالد:
” ذو العقلِ يشقى في النَّعيمِ بعقلِهِ
وأخو الجهالةِ في الشَّقاوةِ ينعُمُ”
وبعدُ يا بيروتُ:
كم أنتِ عميقةٌ فينا كأكَاليلِ الغَار،
كمْ أنتِ بهيَّةٌ فوقَ صُدورِنا كَنَيَاشينِ الفجرِ والانتصار،
فابقي فَوْقَ الوسواسِ الخَنَّاسِ وفوقَ النَّار،
وتألَّقي دَوْماً بِهَالةِ الزَّعترِ والجُلَّنار،
وانفُضِي عنكِ عُثَّةَ الخَنَانِيصِ والغُبار،
ودومي أختاً ويداً،
لقُرطبةَ،
صُنواً لِسَمَرْقَندَ،
بَهْوَاً لبَغدادَ،
شَقيقةً لِعَكَّا،
ومدىً مفتوحاً على الشَّمسِ والقلبِ والأقمار…!.

 

مروان مُحمَّد الخطيب