تَحرير العَقل l المحامي عبدالله الحموي
تَحرير العَقل l المحامي عبدالله الحموي
كِبار السِن في مدينة “طرابلس” يتذكرون مكتبتها العامة التي ذخرت بكتب ومجلدات بوأتها المرتبة الثانية في بلاد المشرق العربي بعد مكتبة الجامعة الأميركية في بيروت. وهو التصنيف الذي طالته يد التخلف أبان وهم “ثورة 1958”, حين قام الغوغاء بِصبِ نار غضبهم على ما كل ما هو أميركي التمويل ,عبر إحراق محتويات المكتبة, مساهمين في تمديد جهل حرصت مرجعيات المدينة ولا تزال على مد عمره لأجيال.
قبل هذا التاريخ بحوالي أربعة عقود وتحديدا عام 1919, تظاهرة يقيمها آلاف المصريين أمام “قصر النيل” احتفاءً بعودة الزعيم الوطني “سعد زغلول” من منفاه, جزيرة “مالطة” . يتوجه المحتفى به بكل بساطة نحو سرادق النساء لينزع الحجاب عن رأس الناشطِة السيدة “هدى شعراوي”. يحل الذهول, ويطبق الحاضرين صمت ووجوم أمام فعلة كان يمكن أن تقيم “مصر” عن بِكرة ابيها لو فعلها هو جندي بريطاني أو حتى “المندوب السامي” نفسه. لكِن لِمَ يَتَكَبَد المُستَعمِر عناء هَتكِ المُحَرَمات, ما نابَ عَنهُ مِن أبناء المُستَعمَرات وُكَلاء حُمِلَ بَعضُهم صفة “زعيم” ؟
تغلب الحماسة الحاضرات فيقتلعن الأحجبة من الرؤوس , قَبل جَمعِها وإحرأقِها بطريقةٍ ضاهَت في حَماسَتِها واقِعة إحراق البضائع البريطانية لاحقاً في أسواق “نيودِلهي” أُبانَ عِصيان “غاندي” , وليُصَر مِن حِينِهِ الى تَغيير اسم مَوقِعَة الحَرق فَيُصبِح “ميدان التحرير” المَعروف وَسَط القاهرة , وكَأنَّ الحِجاب مُجَرَد تَقليد وَفَدَ الينا عَبرَ البِحار مِن الجزيرة البريطانية.
نموذجين أردنا من خلال سَوقِهِما التَساؤل عن الدوافِع التي تجعل المرء مِنا مُتَمَسكاً بتغييب العقل وتَنصيبِ الحَماس حَكَماً لِسُلوكِه بما يودي بِه الى مَنحَى غَير المقصود, سَواءَ عَن طَريقِ إشعال الغَضَب أو إخماده في غير موضعه, كَمُقَدِمَة لاحتساب الفَترَة الزمنية اللازمة لتحرير العقل.