الخدمات الاعلامية

إضاءة على سيرة الإمام الحسن البصري/ بقلم الشيخ أسامة السيد/الشراع

الشراع 25 حزيران 2022

الحمد لله وكفى وسلامٌ على عباده الذين اصطفى.

قال الله تعالى في القرآن الكريم: {يرفع الله الذين ءامنوا منكم والذين أُوتوا العلم درجات والله بما تعملون خبير} سورة المجادلة.

لقد زخر تاريخ أمتنا الإسلامية المجيد بالأعلام الكبار الذين كانوا وما زالوا عبر التاريخ مناراتِ هدىً تشع للحيارى وسط ظلام الفتن الدامس فيستنير بضياهم مريدو السلامة. ومن هؤلاء الكرام الجهابذة العظام الإمام الهُمام والسيد الضرغام الحافظ المجتهد أحد سادات التابعين بل أفضل التابعين في البصرة أبو سعيدٍ الحسن بن أبي الحسن البصري، واسم والده يسار كان مملوكًا فأُعتق فاستقر في المدينة وولد له الحسن سنة إحدى وعشرين من الهجرة أي قبل موت أمير المؤمنين عمر بن الخطاب بسنتين فحنَّكه سيدنا عمر (التحنيك للمولود معروفٌ وهو سنة) ودعا له فقال: “اللهم فقهه في الدين وحببه إلى الناس”. واسم أمه خيرة وكانت تخدم أم سلمة زوجة النبي صلى الله عليه وسلم، فكانت أم سلمة ربما بعثت أم الحسن في حاجة فيبكي الحسن وهو رضيع فتُلقمه أم سلمة ثديها تعلله به فيسكت فربما درَّ عليه ثديها بشىءٍ فيشربه. قال ابن الجوزي في “صفة الصفوة”: “فكانوا يقولون فصاحته من بركة ذلك”. وقد نشأ الحسن نشأةً مباركةً وكان حسنَ الخَلقِ والخُلق جليلًا مبجَّلًا تامَّ الشكل مليح الصورة لم يُر في البصرة أجمل منه وجهًا في زمانه، نظيف الثوب والبدن حسن الهيئة أنيقًا كأن ثيابه الذهب، وكان مع ذلك بطلًا شُجاعًا. قال الصفدي في “الوافي بالوفِيَّات”: “روى الأصمعي عن أبيه قال: ما رأيت زَنْدًا أعظم من زَنْد الحسن كان عرضه شبرًا”.وهذا الوصف دلالة على قوة الحسن البدنية وهو من الذين جمعوا بين الجهادين بالسَّنان والبيان.

علمه وورعه

أما العلم فقد بلغ الحسن فيه مقامًا قلَّما حظي أحدٌ بمثله فكان إمامًا في شتَّى العلوم من تفسيرٍ وحديثٍ وفقهٍ وعلوم قرآنٍ ولغةٍ وأدبٍ وتصوُّفٍ وغير ذلك. روى عن عمران بن الحصين وابن عبَّاسٍ وأنسٍ وحذيفة وغيرهم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وكان له من العمر يوم وفاة أمير المؤمنين عثمان بن عفَّان أربع عشرة سنة وشهد معه بعض صلوات الجمعة وسمع بعض خُطبه، وحدَّث عنه خلقٌ من التابعين منهم ثابت البُناني ومالك بن دينار وغيرهما. وقد صحبه قومٌ للفقه فصاروا فقهاء وقومٌ للحديث فصاروا محدِّثين وقومٌ للتصوف والزهد فبلغوا فيه الغاية، ولكل أهل التصوُّف سندٌ بطرقهم إلى الحسن البصري وجرت العادة أنه إذا قيل في كتب العلم: قال الحسن أنه البصري فإن أُريد غيره قيل مثلًا الحسن بن فلان.  

قال الذهبي في “السير”: “قال محمد بن سعد: كان الحسن رحمه الله جامعًا عالما رفيعًا فقيهًا ثقةً حجةً مأمونًا عابدًا ناسكًا كثير العلم فصيحًا جميلًا وسيمًا” وفيه عن أبي بُردة قال: “ما رأيت أحدًا أشبه بأصحاب محمدٍ صلى الله عليه وسلم من الحسن”. وفيه: قال أبو قتَادة: الزموا هذا الشيخ (يعني الحسن) فما رأيت أحدًا أشبهَ رأيًا بعمر بن الخطاب منه”. وفيه: “كان إذا ذُكر الحسن عند أبي جعفرٍالباقر قال: ذاك الذي كلامه يُشبه كلام الأنبياء”. وفيه أيضًا: “عن أنس بن مالك (الصحابي الجليل) قال: سلوا الحسنَ فإنه حفظ ونسينَا”. وفي “الإحياء” للغزالي أنه قيل للحسن: “يا أبا سعيد إنك تتكلم بكلامٍ لا يُسمعُ من غيرك فمن أين أخذته؟قال: من حذيفة بن اليمان. وقيل لحذيفة: نراك تتكلم بكلامٍ لا يُسمع من غيرك من الصحابة فمن أين أخذته؟ قال: خصني به رسول الله صلى الله عليه وسلم”وكان الحسن مع جلالة قدره قلما يُرى ضاحكًا وقلما ضحك إلا تبسمًا لا يُرى إلا حزينًا خائفًا إذا رأيتَه قلتَ حديث عهدٍ بمصيبةٍ يبكي، وله نشيجٌ كأن النار بين عينيه.وروي أنه طلب الماء مرةً فجيء به إليه فأُغمي عليه قبل أن يشرب فلما أفاق قيل: ما لك يا أبا سعيدٍ؟ فقال: تذكرت قول الله تعالى {وإن يستغيثوا يُغاثوا بمآء ٍكالمهل يشوي الوجوه بئس الشراب وسآءت مرتفقا} سورة الكهف.

براءته من الاعتزال

لما كان الحسن إمامًا تشد إليه الرحال وقد وضع الله له القَبُول في قلوب الناس أشاع المعتزلة أن الحسن منهم ليقبل الناس بدعتهم، والمعتزلة قومٌ زعموا أن أعمال العبد الاختيارية كالقيام والمشي بخلق العبد وهذا ضلالٌ مبينٌ وخروجٌ عن ملة المؤمنين لما فيه من التكذيب بالقَدر ونسبة الشريك في الخلق إلى الله تعالى وهو تكذيبٌ أيضًا لقول المؤمنين: لا إله إلا الله. وإنما سموا بالمعتزلة أصلًا لأن واصل بن عطاء (أحد رؤوسهم) كان يجلس في حَلْقَة الحسن فاعتزلهم إلى أسطوانة(عمود) في المسجد وراح يُقرر بعض بدع المعتزلة فقال الحسن: اعتزل واصلكما في “الوافي” للصفدي وغيره. ومما يدل على براءة الحسن من هذا المذهب الشنيع ما جاء في “تفسير السَّمعاني” عن الحسن في قوله تعالى: {يوم يُسحبون في النار على وجوههم ذُوقوا مسَّ سقر إنَّا كل شىءٍ خلقناه بقدر} سورة القمر، قال: لو صام إنسانٌ حتى يصير كالحَبلِ هَزَلًا (نحيفًا) وصلى حتى يصير كوتِدٍ (الوتِد العود) وذُبح بين الركن والمقام ظلمًا ثم كان مكذِّبًا بقدر الله لأدخله الله النار ويقال له ذق مسَّ سقر”. وفي “تاريخ دمشق” لابن عساكر عن الحسن قال: “من كذَّب بالقدر فقد كذَّب بالحق إن الله تبارك وتعالى قدَّر خلقًا وقدَّر أجلًا وقدَّر بلاءً وقدَّر مصيبةً وقدَّر معافاة فمن كذَّب بالقدر فقد كذَّب بالقرآن”.

وقال الذهبي في “السير”: “وهو بريءٌ مما نُسب إليه في القدر ومن كل بدعة وقد مرَّ إثبات الحسن للأقدار من غير وجه”. وفيه: عن الحسن قال: “من كذَّب بالقدر فقد كفر”.

وفاته

جاء في الرسالة القشيرية للقشيري أنه رُؤي في الليلة التي مات فيها الحسن كأن أبواب السماء مُفتَّحة ومناديًا يُنادي ألا إن الحسن البصري قدم على الله تعالى (أي قدم على رحمة الله) وهو عنه راضٍ”.

توفي الحسن في رجبٍ سنة عشرٍ ومائةٍ عن ثمانٍ وثمانين سنة وصلوا عليه عقيب صلاة الجمعة في البصرة في جنازة مشهودة وحزن لموته الأعيان وبلغ موته الإمام محمد بن سيرين فترحَّم عليه وتغير لونه حزنًا وأمسك عن الكلام حتى غربت الشمس وأمسك القوم عنه لما رأوا من حزنه عليه ثم مرض فمات بعده بمائة يوم.

والحمد لله أولًا وآخرًا.

 

مجلة الشراع

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Here you can just take everything you need for efficient promotion and get the job done well. o’tishingiz Surprisingly, this is not the same as the circumstance with Mostbet. agar o’yinchi MostBet in Bangladesh offers a plethora of pre-match picks in over 20 different sports. o’yin boshlanishidan oldin This means you may use the mobile version to safely make deposits and withdrawals. dasturi