أضواء حول انتخابات الرابطة المارونية “لبنان هو أكثر من بلد انه رسالة ( البابا يوحنا بولس الثاني 7 يلول 1989)- بقلم القاضي جورج رزق”/الشراع

الشراع 17 آذار 2022

  • ” كونوا حزمةً واحدة لئلا تُكسروا” (الانجيل المقدس)
  • ” ولا تنازَعوا فتفشلوا وتذهب ريحُكم واصبروا إن الله مع الصابرين (القرآن الكريم)
  • ” المعجزات وليدة الرجال المتّحدين”

يكثر الحديث اليوم عن تحضيرات تقوم بها وزارة الداخلية مشكورةً، لإجراء الانتخابات، والبلد بأسره، حكمٌ وشعبٌ، منهمك حالياً بالتحضير لاستحقاقات انتخابية متعددة ومتنوعة، على الرغم من الأزمات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، فالانتخابات النيابية موعدها في 15/ايار/2022، والانتخابات الرئاسية حدّها الأقصى في 31/ت1/2022، وانتخابات الرابطة المارونية موعد اجرائها في 19 آذار الجاري، فالشعب كله في لبنان متحمّس للانتخابات، على اعتبار أنها الحلّ الأمثل للخلاص، وهي التي ستحيي الامل بولادة وطن جديد له ولأبنائه، ولعلّ القاسم المشترك بين هذه الاستحقاقات الانتخابية الثلاثة، بعد ارجاء الانتخابات البلدية لمدة سنة واحدة، هو أن تجرى وفقاً للدستور والقوانين والانظمة المرعية الاجراء، وفي أجواء من الحرية والديمقراطية والتنافس الاخوي الشريف، وبروح رياضية، وبكل احترام ومحبةٍ ونبذٍ لأي ضغينة أو طائفية أو مذهبية، بعيداً عن أي تفرقة بل بروح جامعة متعاونة ومتعاضدة، وتغليب مصلحة الوطن والمواطن التي هي فوق كل اعتبار، وهي أساساً، روحية الانتخاب، وجوهر الديمقراطية الحقّة وميزة وجود لبنان،
أما بعدُ، وبالنسبة لانتخابات الرابطة المارونية، وهي باكورة هذه الاستحقاقات، فنأمل أن تكون القدوة والمثال في ممارسة التنافس الديمقراطي الحرّ، ولا بد هنا من لمحة تاريخية وجيزة عن الرابطة وتأسيسها والتعريف بأهدافها.
لقد أنشئت الرابطة المارونية في بيروت بموجب العلم والخبر رقم 2647 بتاريخ 21/8/1952 خلال ولاية وزير الداخلية الرئيس سامي الصلح وولاية المطران يوسف الدبس على مطرانية بيروت وبناءً على طلب نخبة من أبنائها المؤسسين يومذاك، شارل حلو (رئيس الجمهورية فيما بعد)- فريد قوزما- جان تيان – شارل تيان (ممثلها أمام الحكومة)- رئيف أبي اللمع – ادوار نون- البير كسبار، وانتخب أول رئيس لها الدكتور جورج تابت، وهي جمعية خاصة لا تبغي الربح يتم تمويلها من رسوم اشتراك المنتسبين إليها، والهبات الخاصة من أفراد وجمعيات ومؤسسات مملوكة من أبناء الطائفة من بين المقيمين في الداخل والخارج، وجرى تعديل نظامها الداخلي بتاريخ 28/6/1974 وبتاريخ 4/2/2007.
أما أبرز أهدافها فهي الدفاع عن حرية واستقلال لبنان، وينص البند الاول من نظامها على أنها حركة علمانية تدعم حضور أبناء الطائفة الفاعل في بيئتهم ومجتمعهم، وجمع طاقات الموارنة في لبنان والعالم وتوحيد كلمتهم لأجل نشر التراث اللبناني على جميع المستويات الحضارية والخلقية والسياسية والادارية والاقتصادية والاجتماعية والاعلامية في هديِ تعاليم الكنيسة المارونية وارشاداتها، والتعاون الدائم مع المقام البطريركي في بكركي، الذي هو مرجعيتها، وترسيخ أسس الانتماء إلى الوطن اللبناني وتعزيز الوفاق الوطني القائم على الحرية والعدالة والديمقراطية التوافقية واحترام حقوق الانسان والتمسك بالعيش المشترك مع جميع العائلات الروحية في لبنان، وتوطيد علاقات التعاون بين لبنان وسائر البلدان العربية التي احتضنت الجاليات اللبنانية، وبحسب النظام الداخلي أيضاً فانه ينص على توطيد التعاون بين الهيئات الدينية والعلمانية المارونية في لبنان، وديار الانتشار، وجمع شمل المغتربين وتشجيعهم على العودة إلى ربوع الوطن،
هذا وقد توالى على رئاسة الرابطة المارونية فيما بعد، عدد من الشخصيات المارونية، وهم: الدكتور الياس الخوري- السيد جان ابو جودة- المحامي شاكر ابو سليمان- المحامي ارنست كرم- الاستاذ بيار حلو – الامير حارث شهاب – فيما جرى تعيين لجنة برئاسة الوزير ميشال اده لادارة شؤون الرابطة واجراء اصلاحات وتعديلات على النظام فيها، واستمرت هذه اللجنة لمدة ثلاث سنوات، وانتخب بعدها رئيس مجلس ادارة جمعية مصارف لبنان جوزف طربيه الذي اعيد انتخابه لولاية ثانية- والنقيب الامير سمير ابي اللمع – والنقيب انطوان قليموس، وأخيراً حلّ المحامي نعمة الله أبي نصر رئيساً للرابطة في الانتخابات الاخيرة في 16/3/2019،
واليوم تتنافس ثلاث لوائح على رئاسة الرابطة المارونية وعضويتها لانقضاء المدة القانونية، اللائحة الاولى (رابطة لبكرا) برئاسة رجل الاعمال السيد غسان الخوري وعضوية كل من المدير العام الاسبق للثقافة الدكتور مطانيوس الحلبي لنيابة الرئاسة (وهو كان نائباً لرئيس الرابطة الحالي وقد تقدم باستقالته في 16/6/2020) والسفير شربل اسطفان للامانة العامة (وهو أيضاً كان قد استقال من اللجنة التنفيذية خلال ولاية رئيس الرابطة النقيب انطوان قليموس) وأربعة عشر عضواً،
واللائحة الثانية (موارنة من أجل لبنان) برئاسة المحامي بول كنعان وعضوية كل من المحامي اسكندر جبران لنيابة الرئاسة، والدكتور وديع أبي شبل للأمانة العامة، وأربعة عشر عضواً،
واللائحة الثالثة (التجذّر والصمود) برئاسة السفير خليل كرم وهو نائب الرئيس الحالي وعضوية المهندس جو عيسى الخوري لنيابة الرئاسة، والقاضي رفول البستاني للامانة العامة، وأربعة عشر عضواً. وتتألف الهيئة الناخبة من 889 ناخباً من أصل 1200 عضواً، على أن يُنتخب الرئيس ونائب الرئيس في جلسة واحدة وعملية انتخابية واحدة في صندوقين مستقلّين وأعضاء المجلس التنفيذي الخمسة عشر في جلسة مخصّصة لهذه الغاية (المادتان 22 و 27 من النظام الداخلي).
ويبدو من خلال التحضير لهذه الانتخابات قبل أشهر، وحتى تاريخ تقديم طلبات الترشّح، إصرار الجميع على هذا السباق، ما حتّم عدم افساح المجال للتفاهم بين المتسابقين حتى الساعة، وعدم وجود أي توافق، والكل يعلم بأن العبرة في التنافس هي لأجل الخدمة والعطاء وليس لأي مكسب شخصي آخر أو لأي تطلّع مستقبلي فردي.
” ان الاغصان المجموعة معاً تحترق، والفحم ينطفيء إذا ما فُصِلَ بعضه عن بعض.”
وهل نسيَ البعض ما قيل في اوروبا في القرن السابع عشر عن الموارنة “انهم ظاهرة فريدة في نزعتهم الاستقلالية وحرّيتهم”؟ و” انهم الجسر الثقافي بين الشرق والغرب …”؟ و”عالم كماروني”؟ (Savant comme un maronite) وانهم ” ظاهرة فريدة إذ كانوا السبّاقين في العلوم والآداب والطباعة والترجمة”، ومطبعة دير مار مطانيوس قزحيا والكتب المطبوعة الصادرة عنها ما زالت شاهدة على ذلك منذ العام 1585، وانهم لعبوا دوراً أساسياً في النهضة المشرقية العربية في القرون الثلاثة الأخيرة، ومدرسة روما المارونية العليا وخرّيجوها ما زالت آثارها حتى التاريخ الحديث
(الياس غندور أيوب عطالله
“الموارنة جذورٌ وتاريخ”)
أوَلم يقلْ جبران خليل جبران في مقطوعته “لكم لبنانكم ولي لبناني”:
” أبناء لبناني هم الذين يولدون في الاكواخ ويموتون في قصور العلم”؟
والعبرة في ما كتبَ وقيلَ عن هذا التاريخ الزاخر الرحب، هو ان تبقى الرابطة المارونية ضمير الموارنة في لبنان والعالم، ولكي يتحقق ذلك، فليكن المتنافسون اليوم على مستوى هذا التاريخ العريق، وعلى قدر هذه المسؤولية الكبرى، وليعملِ الفائز منهم، بالاتحاد والتعاون مع الأعضاء الباقين، وفق آمال الناخبين وطموحاتهم ضمن برنامجٍ شاملٍ متكاملٍ، في رابطة جامعة عادلة منوّرة ومستندةٍ إلى تاريخها المجيد، وثاّبة نحو المستقبل!
القاضي جورج رزق.

 

مجلة الشراع