الشراع 24 شباط 2022

الحمد لله وكفى وسلامٌ على عباده الذين اصطفى.
قال الله تعالى في القرآن الكريم: {سبحان الذي أسرى بعبده ليلًا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصا الذي باركنا حوله لنريه من ءاياتنآ إنه هو السميع البصير} سورة الإسراء.
ليس خافيًا شرف نبينا العظيم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وليس من الغلو أن نقول إن سيدنا محمد بن عبد الله النبي العربي القرشي الهاشمي أفضل خلق الله وأكرم الناس عند رب العالمين وإن دلائل عظمته صلى الله عليه وسلم كثيرة جدًا، ومن يُحصي عدد نجوم السماء أو من يُحصي عدد قطرات الأمطار أو حبَّات الرمال؟ وقد أجاد من قال في مدح النبي صلى الله عليه وسلم:
سرد الزمان فضائلًا من حسنكم                     وفضائلٌ في خِدرها لم تُسرد
ولا يزال الحديث يطيب في ذكريات خير المرسلين سيدنا محمدٍ صلى الله عليه وسلم. وفي مديحه فليُكثر الشعراء قصائدهم وفي مناقبه فليصدح الخطباء بإعلان معاليه وفي سيرته فليقرأ القرَّاء عن حُسن المعاملة وبذكر معجزاته الغرَّاء فليطرب السامعون وكما قال البوصيري:
فانسب إلى ذاته ما شئت من شرفٍ         وانسب إلى قدره ما شئت من عِظَم
وحيث صرنا بين يدي مناسبة الإسراء والمعراج المباركة وطالما أسهب المشايخ من على المنابر وجرت الأقلام على الصَّحائف في الكلام في حادثة الإسراء والمعراج ولكن وبرغم ذلك هيهات أن تمرَّ مناسبةٌ كهذه ولا نقف على بعض معانيها وإشاراتها الدَّالة على عظمة إمام المرسلين رسول الله محمدٍ صلى الله عليه وسلم.
فلقد شرَّف الله تعالى نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم بفضائل كثيرةٍ جدًا منها أن جعله أكثرَ وأعظمَ الأنبياء معجزاتٍ ففي “دلائل النبوة” للبيهقي عن عمرو بن سوادٍ قال: “قال لي الشافعي: ما أعطى الله عزَّ وجلَّ نبيًا معجرةً إلا وأعطى محمدًا مثلَها أو أعظمَ. قلت: أعطى الله عيسى إحياء الموتى. فقال: أعطى محمدًا إحياء الجذع حتى سُمع صوته فهذا أكبر من ذاك”.
فإذا كان عيسى عليه السلام قد أُعطي إحياء الموتى بإذن الله فقد أعطي محمدٌ صلى الله عليه وسلم إحياء َالجذع، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا خطب استند إلى جذع نخلة في مسجده فعُمل له المنبر فصعد عليه وبدأ بالخُطبة فحنَّ الجذعُ أي بكى كبكاء الصبي شوقًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فنزل النبي صلى الله عليه وسلم فضمَّه فسكن، وهذا معناه أن الله تعالى قد خلق في الجذع حياةً لأن الذي يحنُّ ويبكي ويشعر لا يكون إلا حيًّا. والكلام في استعراض الأمثلة في ذلك طويل وكان من تلك المعجزات الكبرى الإسراء والمعراج ولم يكن الإسراء والمعراج لغير نبينا محمدٍ صلى الله عليه وسلم.
معجزة الإسراء والمعراج
من أرض أم القرى مكة المكرَّمة والليل ساكنٌ ورداء السَّكينة يلف أصحابَ القلوب الطاهرة انطلق الأمين جبريل عليه السلام بعدما هبط نحو منزل أم هانئ بنت أبي طالب بنت عم النبي صلى الله عليه وسلم حيث كان ينام خيرُ العالمين سيدُنا النبي محمد صلى الله عليه وسلم بين عمه حمزة وابن عمه جعفر فذهب به في رحلة الإسراء والمعراج المباركة. وكانت المحطة الأولى عند الكعبة البيت الحرام كما دلَّت عليه الآية أعلاه ثم تابعا حتى بلغَا المسجد الأقصا حيث جمع اللهُ فيه الأنبياءَ الكرام فتقدَّمهم نبينا محمدٌ صلى الله عليه وسلم فصلَّى بهم إمامًا وكان في ذلك دلالةٌ على أن جاه الأنبياء لا ينقطع بموتهم وعلى أن سيدنا محمدًا صلى الله عليه وسلم أفضلهم. ثم كان العروج إلى السموات العلا فجاوز نبينا صلى الله عليه وسلم النجومَ والأفلاكَ والسمواتِ السبع الطباق ورأى من عجائب مخلوقات الله ما رأى في أثناء إسرائه وأثناء معراجه ثم رجع إلى الأرض ، كل ذلك كان في نحو ثلث ليلة ثم راح النبي يُحدِّث الناسَ بخبر ذلك فازداد المؤمنون إيمانًا وأبى الكافرون إلا طغيانًا ونفورًا، ولكنَّ تشريف النبي صلى الله عليه وسلم بالإسراء والمعراج ليس بعزيزٍ على الله فإن الله على كل شىءٍ قدير، وحيث صرنا إلى زمن الأقمار الاصطناعية وما يسمَّى بغزو الفضاء وصار الكلام في هذا غير مُستَغربٍ فلماذا يستغرب الجاهلون الإسراءَ والمعراج ويستبعدونه وما ذلك على الله بعزيزٍ.
نحن نؤمن بلا ريبٍ أن الله تعالى شرَّف نبيه صلى الله عليه وسلم بالإسراء والمعراج ونقول كما قال سيدنا أبو بكر الصديق حين أتاه ناسٌ عقب تحديث النبي صلى الله عليه وسلم بتلك المعجزة الباهرة فقالوا له: هل لك في صاحبك يزعم أنه قد جاء بيت المقدس ثم رجع إلى مكة في ليلة واحدة. فقال: أوقال ذلك؟ قالوا: نعم. فقال: فأشهد لئن كان قال ذلك لقد صدق. قالوا: فتصدقه بأن يأتي الشام في ليلة واحدة ثم يرجع إلى مكة قبل أن يُصبح. قال: نعم، أني أصدقه بأبعد من ذلك أصدقه بخبر السماء” وفي ذلك سُمي بالصديق.
ونحن يا سيدي يا رسول الله قد صدَّقناك وآمنا بك وشهدنا أن ما جئتَ به هو الحق الذي لا ريب فيه ولأن كانت الدلائل النقلية والعقلية قد قامت على تنزيه الله تعالى عن الجهة والمكان والجسمية وطالما مرَّ الكلام في ذلك في مقالاتٍ سابقة فلينظرها من شاء، ونعتقد أنه لم يكن المقصودُ من الإسراء والمعراج وصولَ النبي صلى الله عليه وسلم إلى مكانٍ ينتهي فيه وجود الله لأن الله موجودٌ بلا مكان، إنما كان المقصودُ تشريفَ رسول الله صلى الله عليه وسلم بإطلاعه على جملة من عجائب مخلوقات الله كما دلَّت على ذلك الآيةُ أول المقال وقولُه تعالى أيضًا في سورة النجم:{لقد رأى من ءايات ربه الكبرى} وتكفي هاتان الآيتان في الرد على كل من زعم أن النبي صلى الله عليه وسلم قد عُرج به ليلتقي بربه تعالى وقد تكلمنا عن بعض ما رأى النبي صلى الله عليه وسلم من تلك الآيات ببعض الإسهاب في مقالاتٍ سابقةٍ فلينظرها من شاء.
والحمد لله أولًا وآخرًا.