” بلد مش رح يظبط ” بقلم/ حكمة ابو زيد/الشراع

الشراع 17 شباط 2022
​رحل محمود عثمان، وطوى الموت علما” من أعلام “الآدميّة” ونظافة اليد واللسان.
​غاب المهندس الذي مارس هندسة الاخلاق الرضية ، والسيرة الحسنة ، والسمعة الطيبة ، في كل المواقع التي شغلها: مديرا” عاما” في رئاسة الجمهورية، رئيسا” لمجلس الانماء والاعمار ، عميدا” ورئيسا” لمجلس الاوسمة.
​متواضعا” كان مثل النسّاك والرسل . مهذبا” بالعمق دون تكلّفٍ. صديقا للسكوت وهو العليم المطلع على الكثير الكثير من الاسرار والخفايا.
​متقشف النفس والسلوك . لا يتباهى ، لا يتعالى على الغير، لا تُسكِرُه رِفعة موقع يشغله. حريص على المال العام حتى التزمت. كان يأمر بإطفاء الضوء في جميع مكاتب “مجلس الانماء والاعمار” بعد انتهاء دوام العمل وعدم وجود أي نشاط فيه. وقد تولى رئاسة هذا المجلس وهو طاهر اليد ناصع السمعة، وغادر الموقع وهو على طهارته ونصاعته شأنه شأن من كان نائبا” له المميز خلقا” وسيرة وثقافة بطرس لبكي. وفيهما صح قول الشاعر : ” ان الطيور على اشكالها تقعُ”


كانت تربطني به صداقة حميمة ومتينة . وكنا نتشاكى همومنا ونتبادل هواجسنا من الأسوأ الذي سيقع لبنان فيه بسبب تسلط زمرة من الفاسدين على شعبه وقراراته وسياسته. وكان ، يبزني تشاؤما” ويعصر الألم قلبه وهو يبوح ببعض ما يعرف وما يرى من تجاوزات وموبقات وخروقات للقوانين!
​كان يحرص، عندما يُعقد مجلس الوزراء في السرايا على أن يشرفني بطلّته ومرحبته قبيل انعقاد الجلسة، ثم يعود ثانية لنشرب معا” القهوة بعد انتهاء الجلسة .
كان ، رحمه الله ، يجيب على اسئلتي له عمّا دار في الجلسة بالقول : “بلد مش رح يظبط” ! ولا اذكر أنه بدّل هذا القول مرة وهو يحتسي القهوة في مكتبي برئاسة الحكومة بعد كل جلسة من جلسات مجلس الوزراء.
“بلد مش رح يظبط” قالها محمود عثمان في تسعينات القرن الماضي، وكان يقصد أن لبنان لن “يظبط” ويعود كما كان قبل الحرب الاهلية فيه. وها نحن اليوم في العام الثاني والعشرين من القرن الثاني والعشرين وأقصى أمنياتنا أن يظل لبنان كما كان في تسعينات القرن العشرين . اننا ايها العزيز الراحل نردد مع الشاعر :
” رب يوم بكيت منه فلمّا ​​
صرت في غيره بكيت عليه “.

​رحمك اللله يا محمود الطيب، الشهم، الشريف وكل العزاء للسيدة عقيلتك وابنائك واشقائك وانسبائك وعائلاتهم. وإنّا لله وانا اليه راجعون .
حكمة أبو زيد / صحافي وكاتب سياسي

 

مجلة الشراع