الخدمات الاعلامية

علماء السوء/ بقلم الشيخ أسامة السيد/الشراع

مجلة الشراع 24 كانون اول 2021

 الحمد لله وكفى وسلامٌ على عباده الذين اصطفى.

قال الله تعالى في القرآن الكريم: {وقل اعملوا فسيرى اللهُ عملَكم ورسولُه والمؤمنون وستردون إلى عالم الغيب والشَّهادة فينبئكم بما كنتم تعملون} سورة التوبة.

وعن عبد الله بن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “ما من نبيٍ بعثه الله  في أمةٍ قبلي إلا كان له من أمته حواريُّون (أنصار)  وأصحاب يأخذون بسُنَّته (بشريعته) ويقتدون بأمره ثم إنها تخلُفُ (تحدث) من بعدهم خُلُوفٌ (جمع خَلْف وهو الذي يخلُف غيره بالشر) يقولون ما لا يفعلون ويفعلون ما لا يؤمرون فمن جاهدهم بيده (المراد باليد هنا القوة) فهو مؤمن (أي كامل الإيمان) ومن جاهدهم بلسانه (أنكر بالقول) فهو مؤمن ومن جاهدهم بقلبه (كره منكرهم بقلبه عند العجز عن الإنكار باليد أو اللسان) فهو مؤمن وليس وراء ذلك (أي كراهة المنكر بالقلب) من الإيمان حبَّة خَردَل” رواه مسلم. وإنما كنَّى بقوله “حبة خردل” عن نهاية القِلَّة فإن الذي لا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر يكون قليل الإيمان، أو أن الذي يترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر استحسانًا لما يكون من الناس من الحرام الذي نهى الله عنه لا يكون من المؤمنين.

دلَّ هذا الحديث على فضيلة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الطيبين وأنهم محفوظون مُعانون على الأخذ من النبي صلى الله عليه وسلم وتبليغ الأمة عنه وأنه سيأتي بعدهم خُلُوفٌ ليسوا على الطريقة الكاملة فلا ينصحون للأمة حقَّ النُّصح ولا يُشفقون على الناس بل يغشونهم باسم المشيخة ويسوقون الأنام إلى الهلاك من حيث يدرون أو لا يدرون مداهنةً لفلانٍ ورغبةً أو رهبةً من فلان.

لا تُجازف بدينك

إن من أخطر ما ابتُليت به الأمة قديمًا وحديثًا مشايخ السوء الذين يُخالف فعلُهم قولَهم فتراهم يأمرون بالمعروف ولا يأتمرون هم المعروف، وينهون عن المنكر ولا يتورَّعون عن اقترافه أو يُجاهرون بفعل بعض الإثم ويُفتون بحلِّه كذبًا فيقتدي بهم الجُهَّال في ذلك بدعوى أنهم شيوخ وأنهم علماء، أو ينظرون إلى ماذا يميل المستفتي فإن رأوه يشتهي فعل ما يسأل عنه أفتوه بالحلِّ وإن رأوه ينفر ويكره ما يسأل عنه أفتوه بالتحريم، وتراهم فوق ذلك يتكبَّرون عن قبول النصيحة فيردون الحق على قائله، وكان خيرًا لهم أن يقتدوا بسيدنا عمر بن الخطاب حين عارضته امرأةٌ فقال: “أصابت امرأة وأخطأ عمر” رواه البيهقي. ويذهب هذا الجاهل بعد ذلك فيعمل بفتوى هذا المتمشيخ زمنًا طويلًا ويُدافع عن نفسه بأن الشيخ الفلاني قد أفتاه بكذا وربما كان في قرارة نفسه يعتقد أن فتوى ذاك الشيخ غلطٌ لكنه يظن لجهله أنه إن عمَل بها لا بأس عليه لأن شيخًا قد أفتاه بذلك، ويقول لك إذا ما نصحته: بما أن فلانًا أفتاني بذلك فهو يتحمَّل المؤآخذة يوم القيامة. ولهؤلاء نقول: لو أخطأ معكم أحدٌ في أمرٍ دنيويٍ قانونيٍ أو هندسيٍ أو زراعيٍ وتبيَّن بعد مراجعة أهل المعرفة أنكم لو كنتم عملتم بما قال لتورَّطتم في شدةٍ شديدة فهل ستقولون لا بأس علينا وتُقدمون على ما دلَّكم عليه؟ والجواب: بالتأكيد لا، فلماذا إذًا يُجازف أحدكم بدِينه ولا يقبل المجازفة بدنياه بل ولا بعَرَضٍ قليل من دنياه.

ما بال دينك ترضى أن تُدنِّسه                     وإن ثوبك مغسولٌ من الدَّنس

ترجو النجاة ولم تسلك مسالكها                  إن السفينة لا تجري على اليبَس

وحقيقة الأمر أنه لو أنصف هؤلاء لعرفوا من ينبغي أن يُرجع إليه للسؤال عن العلم فإنه ليس كل من اشتهر بلقب عالم أو شيخٍ أهلًا للفتوى، بل قد نص النووي في “المجموع” “أنه لا يجوز استفتاء غير الثقة” وإذا ما كان بعض السائلين لا يعرفون من هو الثقة أصلًا فكيف سيميِّزون بين المستأهل للفُتيا وغير المستأهل؟ فإن لم يكن العالم ثقة فلا يُقلَّد في أمور الدين ولا يؤتمن على الدين فمن اتَّخذه قدوةً في دينه فلا يلومنَّ إلا نفسه، بل يجب علينا إن علمنا أن فلانًا يُفتي الناس بالباطل ويبيع الدينَ بالدنيا أن نُحذِّر منه شفقةً على المؤمنين فلقد قيل:

فسادٌ كبيرٌ عالمٌ متهتِّك                                   وأكبر منه جاهلٌ متنسِّك

هما فتنةٌ للعالمين كبيرةٌ                                     لمن بهما في دينه يتمسَّك

فإذا لم يعمل العالم بعلمه بل كان لا يُبالي ماذا يقول وماذا يفعل ويُزيِّن للناس شهوات النفس فهو متهتِّك فلا ينبغي أن يكون مرجعًا للناس، وكم من مدعي العلم اليوم لا همَّ لهم سوى التَّكسب بعلمهم غير آبهين لمداواة الناس من مرض الجهل الذي استفحل في أكثرهم، فلا هم استقاموا في أنفسهم ولا استقام بهم غيرهم، وقد جاء في “الإحياء” للغزالي عن مالك بن دينارٍ قال: “إن العالم إذا لم يعمل بعلمه زلَّت موعظته عن القلوب كما يزلُّ القَطر (المطر) عن الصفا (الصخر الأملس)” وللأسف فهذا ما نراه في كثير من المشايخ اليوم ولا يتَّخذ هؤلاء قدوة إلا الأحمق.

بريق الزُّجاج

وكذلك هو حال الجاهل إذا تنسَّك أي تعبَّد على جهل فمن جعل عمدته هذين أو أحدهما ضلَّ، وكم نرى ناسًا يقصدون للفتوى العجوز الفلاني لمجرد أنه اشتهر بارتياد المساجد أو حجَّ عدة مرَّات ويتخذونه قدوة، فيقول أحدهم: سألت الحاج الفلاني وأفتاني أبو فلان الذي لا يُفارق المسجد ولو تفكروا لعلموا أن هذا لا يجعل المرءَ مفتيًّا فالعلم نور والتَّعبد على الجهل لا يُنجي صاحبه يوم القيامة. ومن كان مغرورًا بالشهرة والمناصب فكم وكم مضى ناسٌ في الدهر لهم شهرة واسعة ومنصبٌ كبيرٌ كفرعون وأبي لهب وقد قال تعالى {ويوم تقوم الساعة أدخلوا ءال فرعون أشدَّ العذاب} سورة غافر. وقال تعالى {تبت يدآ أبي لهبٍ وتبَّ} سورة المسد، فما أغنت عنهما الشهرة والسَّطوة.

وختامًا نقول: إن الدين غالٍ وعلم الدين عظيم وليس كل من ادَّعى العلم أو المشيخة كان أهلًا لذلك، ولا يخفى كيف يتم ترتيب الشهادات وبيعها أحيانًا في زمن انقلبت فيه الموازين فإنه لا يُعرف الحق بالرجال ولكنَّ الرجال يُعرفون بالحق فلا تغترَّن ببريق الزجاج المتكسِّر يلمع من بعيد فإنه لا يُغني السراب عن الشراب.

يا أيُّها العلماء يا ملح البلد                      ما يُصلح الملح إذا الملح فسد

والحمد لله أولًا وآخرًا.

مجلة الشراع

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Here you can just take everything you need for efficient promotion and get the job done well. o’tishingiz Surprisingly, this is not the same as the circumstance with Mostbet. agar o’yinchi MostBet in Bangladesh offers a plethora of pre-match picks in over 20 different sports. o’yin boshlanishidan oldin This means you may use the mobile version to safely make deposits and withdrawals. dasturi