خاص الشراع – في ذكرى انتخاب عون الرئيس القوي الأضعف والاسوأ في تاريخ لبنان/الشراع

مجلة الشراع 1 تشرين الثاني 2021

لطالما قيل  ان رئيس الجمهورية في لبنان  يبدأ ولايته قوياً، الا انه في نهايتها يصبح ضعيفاً وغير قادر على الحكم كما كان يفعل في السنوات الأولى لعهده.

التوصيف الذي يمكن اعتباره معادلة شبه راسخة ،لم توفر رئيساً للجمهورية في تاريخ لبنان، بدءاً من بشارة الخوري وكميل شمعون مروراً بشارل حلو وسليمان فرنجية وحتى الياس سركيس وصولاً الى اميل لحود الذي جلس في السنوات الاخيرة في قصر بعبدا وكأنه في جزيرة معزولة ، لاسيما بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري في العام 2005.

ورغم ان البعض يستثني فؤاد شهاب من هذه المعادلة ،فان  تحالف الاضداد من قبل كميل شمعون وريمون اده وبيار الجميل في وجه الشهابية وحكم المكتب الثاني، كان له تأثيراته في هذا المجال لاسيما في دفع  شهاب لرفض القبول بالتجديد او التمديد لنفسه رغم انه كان هناك شبه اجماع داخلي وخارجي على ذلك.

مع ميشال عون الامر مختلف ،رغم الدعاية الواسعة التي رافقت السنوات الاولى لرئاسته، والتي ركزت على الرئيس القوي والرئاسة  ذات الحيثية الشعبية التمثيلية مسيحياً ، وعلى الرئيس الذي وصل الى بعبدا بكم من التفاهمات مسيحياً ووطنياً وفي مقدمتها تفاهم معراب مع سمير جعجع والتسوية الرئاسية مع سعد الحريري فضلاً عن تفاهم مار مخايل الذي كان حجر الاساس في رحلة القائد السابق للجيش لتحقيق حلمه الرئاسي.

واذا سلمنا بان عون بدأ ولايته في السنوات الاولى كرئيس قوي على غرار من سبقه من رؤساء، رغم ان هناك شكوكاً في ذلك، فان النقطة الفاصلة لمسلسل التراجع في مسيرته الرئاسية بدأت مع انطلاق حراك او انتفاضة 17 تشرين الاول – اكتوبر عام 2019، وهي نقطة مفصلية في عمر العهد لا سيما وانها وضعت صهره الذي يعتبر طبقاً لاتهامات كثيرين الحاكم الفعلي للبلاد في وضع مختلف وحرج على كل المستويات التنظيمية في تياره، والسياسية في العلاقة مع باقي الاطراف ،والرسمية في التعاطي مع باقي المؤسسات وفي مقدمتها مجلس النواب ورئيسه نبيه بري والحكومة ورئيسها السابق سعد الحريري والرؤساء المكلفين الذين تمت تسميتهم لتشكيل حكومة، قبل ان يتم تشكيل حكومة برئاسة الرئيس نجيب ميقاتي على قاعدة المبادرة الفرنسية أقله في الشكل وليس على قاعدة الشروط التي وضعها عون للايحاء بانه يكرس اعرافاً جديدة على حساب ما تم نزعه من صلاحيات كانت لرئيس الجمهورية قبل إقرار اتفاق الطائف.

ولذلك ، ومع بدء العام الأخير من ولاية الرئيس الحالي ،فان ما كان ينطبق على العهود السابقة لجهة بدء الرؤساء لولاياتهم أقوياء وانهائها وهم ضعفاء لا يمكن ان يكون عون خارج سياقه.علماً ان الأقرب الى المنطق والواقع هو اعتبار الرئيس القوي حسب تسمية أنصاره تحول الى الأضعف في تاريخ لبنان حسب تسمية خصومه.

ومرد ذلك يعود الى عدة اسباب أهمها كما يرى معظم الأطراف السياسية في لبنان ، ما يلي :

-التجريبية التي طبعت أداء عون في كل خطوة قام بها او أقدم عليها ظنا ًمنه انه قادر على تكريسها وفرضها كأمر واقع، سواء من خلال طريقة التعاطي مع رؤساء الحكومة او من خلال العمل على إدارة مجلس الوزراء بطريقة فوقية مغايرة لما اقر في الطائف الذي باتت السلطة الإجرائية بموجبه في يد مجلس الوزراء وليس في يد  رئيس الجمهورية.

وما أفضت اليه هذه المحاولات هو خلق أزمات فقط ، وأدت على سبيل المثال لا الحصر الى اغراق البلاد في فترات فراغ طويلة من جراء إصرار عون وفريقه على فرض شروطهم في المحاصصة والاستحواذ على القرار في مجلس الوزراء والمؤسسات. واخر الأمثلة على ذلك هو الفراغ الذي امتد في السلطة الإجرائية بعد نحو سنة على استقالة حكومة حسان دياب ، حيث حاول فريق العهد من دون ان ينجح في ذلك استنباط وسائل جديدة للحكم تارة عبر المجلس الأعلى للدفاع وتارة أخرى عبر عقد اجتماعات تضم وزراء في الحكومة المستقيلة ومدراء عامين ومسؤولين في قطاعات معينة. من دون ان يفلح في وضع آليات للمعالجة تتناول الازمات المستجدة والتي لم تستثن قطاعاً او مجالاً حيوياً في البلاد.

وقد ظهر بوضوح ان جلّ ما يفعله هذا العهد هو فقط إدارة نقل البلاد من مرحلة سيئة الى مرحلة أسوأ او اكثر سوءاً، في غياب أي مبادرة انقاذية أقدم عليها . مع الاكتفاء برمي مسؤولية ما يجري على الاخرين ولسان حاله :”ما خلونا”.

-الخلط بين الموقع الرسمي لرئاسة الجمهورية وبين موقعه الحزبي ، بطريقة “غريبة عجيبة “،وكأن لبنان في ولايته كان محكوماً من عائلة الرئيس او جزء منها اوحزب حاكم يريد ان يفرض برنامجه على الآخرين دون مراعاة لابسط مقتضيات النظام الديمقراطي البرلماني.

وعنوان هذا الخلط تجسد في دور صهر الرئيس  جبران باسيل، الذي كان عون يدعو في السنوات الأولى لعهده كل من يطرح عليه موضوعاً او امراً  او قضية مراجعة رئيس التيار الوطني الحر للبت به، قبل ان يعمد الى استبدال ذلك مؤخراً بوسائل في الشكل الا انها في المضمون واحدة وهو ما دفع بعدد من المراقبين الى القول بان الرئيس الفعلي هو جبران باسيل وان كل ما يمكن ان يطرح على عون لا يمكنه السير به اذا كان يتعارض مع نظرة صهره ورؤيته للانعكاسات التي يمكن ان يحملها على مكاسب التيار وحضوره ودوره ومشروعه الرئاسي.

ونتيجة لذلك،تحول موقع الرئاسة الى موقع حزبي ، وهو الموقع الذي يفترض به ان يكون جامعاً لكل اللبنانيين على تنوع انتماءاتهم واختلاف مواقفهم. ولذلك فان قصر بعبدا بدلاً من ان يكون مرجعية يتم من خلالها تجاوز الانقسامات وحل الخلافات وتدوير الزوايا تحّول الى فريق او حزب او تيار يريد املاء ما يريده على الآخرين في بلد لا يمكن ان تستقيم فيه الأمور والأوضاع الا بالتفاهمات والتسويات.

ويندرج في هذا الاطار مشروع جبران الرئاسي لخلافة عمه في قصر بعبدا وقد حكي وكتب الكثير عن ذلك. ولعل من حق عون وكذلك صهره ترشيح جبران باسيل للرئاسة الا انه لم يكن جائزاً ان يتحول عمل فريق العهد الى استهداف كل مرشح منافس له والى العمل على تشويه صورته وضربها سعياً لازاحته من لائحة المرشحين الأقوياء او ذوي الحظوظ المرتفعة للوصول الى قصر بعبدا.

وقد دفع هذا الوضع بكثيرين الى اتهام بعون بان المعادلة التي يعمل عليها هي: جبران للرئاسة والا الطوفان” او جهنم كما قال رئيس الجمهورية نفسه .

وقد انعكس ذلك بوضوح على أداء عون وادارته للبلاد في مختلف الميادين لتتحول العناوين التي انفرد العهد عديدة وكلها تعبر عن امر واحد ووحيد وهو ابتعاده عن الجميع وابتعاد الجميع عنه ،باستثناء حزب الله الذي تعاطى مع المسألة من زاوية مختلفة عن تعاطي باقي الأطراف وبينها حلفاء له مع إدارة عون وباسيل وهي التي تغلب الاعتبارات الداخلية أولا على ما عداها.

اما ابرز عناوين الإدارة العونية – الباسيلية فكانت  وفق جردة اجراها خصوم لها وهي تضم بالمناسبة أعضاء سابقين في التيار ،كما يلي :

-طغيان  حكم المستشارين وتقديمهم على كل ما عداهم سواء كانوا وزراء او رؤساء مؤسسات او مدراء عامين الخ.

 

-العداوة مع الجميع وافتعال إشكالات لم توفر احداً الى درجة يصح معها القول ان لا طرف او حزب او تنظيم او مؤسسة الا ولها مشكلة مع فريق العهد.

-الانتقائية في الأداء ، بحيث يتم استهلاك واستخدام العلاقات تبعاً للمصلحة، فالرئيس سعد الحريري حليف تاريخي وكبير عندما يكون هناك مصلحة في ذلك، وهو الخصم الأساسي الذي يتم العمل على ابعاده عندما يكون هناك مصلحة في ذلك أيضا .والامر نفسه ينطبق على العلاقة مع الرئيس نبيه بري والنائب السابق وليد جنبلاط فضلاً عن الأطراف المسيحية الأخرى وفي مقدمتها رئيس حزب القوات سمير جعجع ورئيس حزب الكتائب سامي الجميل من دون نسيان رئيس تيار المردة سليمان فرنجية التي يتحدث عن تجربة مريرة في العلاقة مع التيار وعون وصهره.

-التنصل من المسؤولية عندما يكون هناك اية مشكلة مستعصية، ورمي كرة تفاقمها على الآخرين ، حتى باتت مفردة “ما خلونا”الواردة انفاً ملازمة لكل تصريح او بيان او موقف صادر عن عون وباسيل وفريقهما السياسي والحزبي.

هذا بالطبع يضاف الى ما تسبب به العهد من عزل وحصار للبنان، لاسيما وان إدارة عون وباسيل للبلاد لم تلحظ باي شكل اتباع سياسة مع الخارج تزاوج بين الاستقرار في الداخل وبين الاستقرار في العلاقة مع دول شقيقة او صديقة، بل جرى العمل على زعزعة الاستقرار في الداخل وتقديم كل ما يلزم من الأسباب لتأتي النتائج مغايرة لمناخات الحفاظ على علاقات طبيعية وعادية مع الدول الصديقة والشقيقة.

هذا إضافة بالطبع الى محاولات ضرب اتفاق الطائف وخلق اعراف جديدة بعناوين تجييش طائفي، فلم يربح التيار برئاسة عون وجبران المزيد من القواعد المسيحية التي خسر قسماً منها وخسر صورته الوطنية  والجامعة التي ينبغي ان تلازم موقع رئاسة الجمهورية.

ومن الان وحتى اشعار اخر، لن يكون بإمكان احد الابتعاد عن دمغ صورة العهد كأسوأ عهد في تاريخ لبنان، وكاكثر عهد يشهد انحدار القسم الأكبر من اللبنانيين الى الفقر المدقع. وكأكثر عهد تشهد فيه الليرة اللبنانية انهياراً غير مسبوق… الخ.

ومع حلول ذكرى تولي عون رئاسة الجمهورية الذي يعتبره الكثيرون تاريخ شؤم على لبنان، فان كل  ما يأمله اللبنانيون اليوم في العام الأخير من ولاية عون وضمنا صهره جبران باسيل هو ان يكون اقل سوءاً وليس اكثر سوءاً  مما شهدوه خلال الأعوام الخمسة السابقة .

مجلة الشراع